تعد الزبارة واحدة من أشهر مناطق مدينة خورفكان، وذلك لما لها من تاريخ عريق يمتد لنحو 784 عاماً في العصر الحديث وحده، حسب بعض الدراسات الأكاديمية والشواهد الحية من الحفريات والفخاريات المنقوشة والآثار التي تزخر بها المنطقة وتكشف مراحل عدة للاستيطان البشري بها تحدثت عنها الكتب تفصيلاً على ألسنة الرحالة والمستشرقين.
الشارقة 24- وليد الشيخ:
تقع منطقة الزبارة على الساحل الشرقي لدولة الإمارات وتحديداً في مدينة خورفكان، وتعد من المناطق ذات الموقع الفريد حيث الواجهة البحرية التي تطوقها الجبال شأنها شأن العديد من مناطق المدينة التي تتوسط جبلين شامخين.
في سياق استطلاع “الشارقة 24” عن المناطق القديمة بالمنطقة الشرقية من الإمارة الباسمة، زرنا المنطقة للتعرف على ماضيها واستعراض حاضرها وما بينهما من تطور لافت، فضلاً عن طرح رؤى ومقترحات الأهالي لمستقبل منطقتهم.
تاريخ له شواهد:
تباينت الأقوال في هذا السياق على مدار الزمن، ففي رواية للشواب من أهالي المنطقة يقال إن أصل كلمة الزبارة يعود لاحتواء المنطقة على كثير من أشجار “الصبارة” أو التمر هندي، ومن هنا جاء تحريف الكلمة من صبارة إلى زبارة.
قول آخر له حجيته جاء على لسان الباحث في التاريخ والحضارات القديمة وأحد سكان المنطقة راشد صالح النقبي، والذي قال إن أصل كلمة الزبارة يعني طي البئر وهو قول يتناسب مع اللغة العربية حسب قوله، وتؤكده الشواهد بأن المنطقة كانت تزخر بالآبار والأفلاج.
ويلفت النقبي والذي أعد مؤلفاً متكاملاً عن تاريخ المنطقة التي ينتسب إليها، إلى تمكنه من الحصول على العديد من الخرائط القديمة وكتب الرحالة والمستشرقين التي ورد فيها ذكر منطقة الزبارة وأرّخت لعمرها الذي قدره بنحو 784 عاماً في العصر الحديث فقط، مؤكداً وجود العديد من الشواهد والأدلة المؤكدة على ذلك.
يقول النقبي إن المنطقة تعد كنزاً تاريخياً نادراً، ففيها الكثير من الحفريات والأحجار والفخاريات ذات النقوش القديمة -بعضها يعود للقرن الرابع عشر- والآثار المتعددة منذ مئات السنين والتي وللأسف ضاع بعضها مع الزَّحف العمراني الحديث.
ويشير النقبي إلى أن أبرز المناطق الأثرية في الزبارة تسمى الحارة القديمة، وبها بقايا البيوت الأثرية وبقايا أحد أشهر الحصون في المنطقة، إضافة إلى مسجد بدائي يصل عمره لنحو 250 عاماً، هو واحد من 4 مساجد تاريخية في المنطقة يصل عمرها لمئات السنين، إضافة إلى قبور على غير اتجاه القبلة وهذه دلالة إلى التاريخ الطويل للمنطقة، منوهاً إلى أن كتاب “دليل الخليج” تعرض لمنطقة الزبارة بوصف دقيق طال عدد أشجار النخيل بها وكان 2000 شجرة آنذاك حسب ما ورد بالكتاب، مشيراً إلى حصر 39 نوعاً من النخيل والتمور بالزبارة وحدها، كما حصر الكتاب عدد قوارب الصيد قبل أكثر من 160 عاماً وكانت 20 قارباً، إضافة لاحتواء المنطقة على 1500 رأس من الأنعام في ذاك الوقت.
ويضيف الباحث في التاريخ والحضارات القديمة، أنه تم العثور على حجرين نُقِش عليهما رموزاً لحيوانات بريَّة مثل الخيول والطيور والتي تدل على الحياة السائدة في أزمنة سحيقة تؤشر إلى استيطان الزبارة من قبل حضارات بعيدة، ومن الأشياء النادرة والثمينة في نفس الوقت أنه تمَّ العثور على مخطوطات قديمة ووثائق تاريخية من خُطَب للجمعة وعقود زواج مرَّ عليها قرابة مئة سنة.
نمط حياة الأجداد:
كغيرها من مناطق خورفكان والمنطقة الشرقية تميزت الزبارة بخصوبة أرضها ووفرة المياه الجوفية مما كان له الدور في امتهان أهلها قديماً لحرفة الزراعة وكان لها الحظ الوافر من أشجار النخيل والمزارع بكافة أنواعها التي أنتجت مختلف المحاصيل ومنها الفاكهة مثل الهامبا والحمضيات واللوز الإماراتي إلى آخرها من مزروعات.
ويلفت المواطن راشد خلفان إلى أن الزراعة رافقتها مهنة رعي الماشية وجمع الحطب وكانت النساء يساعدن الرجال قديماً في هذه الكثير من المهن والمسؤوليات.
ويضيف أن الصيد كانت المهنة الثانية السائدة نتيجة لطبيعة المنطقة الساحلية وكان يشمل صيد السمك واللؤلؤ، وكان الآباء والأجداد يصنعون مراكب الصيد بأنفسهم من وحي الطبيعة وموادها كجذوع الأشجار وسعف النخيل والخوص.
وينوه النقبي إلى أن المقايضة كانت الطريقة المثلى لتدبير الاحتياجات الأساسية عبر الأسواق في المدن والمناطق، وكان للتجار الإيرانيين سوقاً يقام بشكل دوري في منطقة اللؤلؤية المجاورة للزبارة وفيه كان يقايض الأهالي منتجاتهم الزراعية وغيرها باحتياجاتهم من الأرز والزيت والقهوة والملابس، حسب قوله.
ويؤكد حسب ما تتناقله الأجيال من روايات أن الحياة الاجتماعية كانت تسودها علامات الدفء والترابط وهي سمة أصيلة وراسخة في أهل القرى تحديداً، منوها إلى أن تخطيط النطاق السكني كان يعضد من فكرة التلاحم، فالبيوت لم تكن آنذاك تفصلها فواصل وأسوار، مما يعزز من شعور الترابط بين السكان والأهالي.
نهضة متنامية:
من جانبه، يقول سالم مخلوف النقبي من أهالي المنطقة إن ما تشهده منطقة الزبارة من تطور سواء في البنية التحتية أو الخدمات العامة، إضافة إلى مبان خدمية، يدل على اهتمام صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، بتنمية المنطقة وتلبية احتياجات الأهالي وتوفير كافة سبل الراحة والرفاهية لهم.
ويشير إلى أن المنطقة شهدت تطوراً واضحاً لدى الجميع من ناحية تعبيد الطرق وإنشاء الحدائق العامة ومجالس الضواحي وتهيئة شاطئ المنطقة للمرتادين، وغيرها من المرافق الأخرى، وقال: إن التطور لم يقتصر فقط على المرافق والخدمات بل حتى في المشاركات الاجتماعية والمناسبات الوطنية، فأهالي المنطقة سباقين دائماً في إقامة وتنظيم الفعاليات الوطنية والاجتماعية والتراثية التي تجمع الكبار والصغار.
ويلفت النقبي إلى أن الزبارة باتت أشبه بمدينة صناعية وتجارية نتيجة تفعيل النشاطات الاقتصادية بها بشكل كبير في السنوات الأخيرة وهو ما انعكس على طابع الحياة ومواكبة تسارع العصر وبالطبع هذا كان له المردود الكبير من ناحية توفير مختلف الخدمات للأهالي.
رؤى طموحة:
الدكتور جمال محمد النقبي أحد أبناء المنطقة، ثمن دور القيادة الرشيدة في توفير مقومات الحياة من مرافق وخدمات ومشاريع تنموية، تهدف إلى خلق بيئة مثلى تواكب زيادة عدد السكان بالمنطقة وترسخ من مقومات الاستقرار والتنمية المستدامة بخلق فرص عمل في القطاعات الصناعية والتجارية والسياحية.
وأكد أن المنطقة شهدت قفزة نوعية في شتى مناحي الحياة، حيث المساكن العصرية وتطور مرافق البنية التحتية وتوفير المدارس ومنابر العلم والتنوير.
وقال إن منطقة الزبارة تحتاج إلى بعض الخدمات كرصف الشوارع بين الأحياء السكنية وإنارتها وتطوير الشاطئ وإقامة ممشى حديث على ضفتي الوادي الفاصل بين الزبارة واللؤلؤية، فضلاً عن إنشاء صالة رياضية لخدمة الأهالي وتشجيعهم على ممارسة الرياضة، أو وضع آلية تتيح للأهالي استخدام الصالة الرياضية بمدرسة الخليل بن أحمد مع توفير الضمانات بالحفاظ على مرافق الصالة واستخدامها بشكل أمثل حسب رؤى صاحب السمو حاكم الشارقة وتوجيهاته السديدة.
ولفت النقبي إلى أن المثلث الذي يضم مناطق الحراي واللؤلؤية والزبارة بات الأكثر كثافة في مدينة خورفكان، وهو ما يفرض توفير الكثير من المقار الحكومية والخدمية كمركز للشرطة والدفاع المدني ونقطة للإسعاف ومجمع حكومي للدوائر يخفف من أعباء التنقل لا سيما لدى كبار السن.
واعتبر النقبي أن رواج الأنشطة الصناعية والتجارية بالمنطقة يحتم إيجاد آلية لفصل العمالة عن الأحياء السكنية، نظراً لما في ذلك من آثار سلبية ينبغي الانتباه لها بشكل استباقي.
ختاماً رأى النقبي أن المنطقة بحاجة ماسة لتفعيل وترسيخ النشاط الثقافي فيها لتشجيع الأهالي على القراءة واكتساب المعارف، مشيراً إلى ضرورة وصول بعض الأنشطة الميدانية للمنطقة كالقوافل الثقافية وإقامة الفعاليات المسرحية والرياضية وتوفير الغطاء المؤسسي لها عبر الدوائر المعنية.