تمكّن المغامر الإماراتي، خليفة المزروعي، بعد نحو ست سنوات، من تحقيق حلمه في الوصول إلى الغواصة الألمانية الغارقة قبالة شواطئ إمارة الفجيرة منذ الحرب العالمية الثانية، والتي تقبع في الأعماق على بعد نحو 110 أمتار تحت سطح الماء، منذ أن أغرقتها قاذفة تابعة لسلاح الجو الملكي البريطاني، أثناء عملها في خليج عمان في 16 من أكتوبر عام 1943، وهو ما أدى إلى غرق أفراد طاقمها البالغ عددهم 53 شخصاً، باستثناء واحد فقط نجا بالبقاء طافياً دون سترة نجاة لمدة 28 ساعة، حتى تم إنقاذه بالقرب من خورفكان.
وأعرب المزروعي خلال حواره مع «الإمارات اليوم»، عن فخره بتحقيق هذا الإنجاز، الذي أهداه إلى صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، لما قدّمه له من دعم كبير، كما أهداه لأهله لمساندتهم له خلال مهمته، مؤكداً أن شباب الإمارات قادر على تحقيق طموحه مهما بلغت الصعاب.
وأوضح أن بدايته في الغوص كانت في عام 2008، حيث قام والده بتدريبه، ولكنه اضطر إلى التوقف عن الغوص بسبب الانشغال في الدراسة الجامعية ليعود من جديد في عام 2012، بدافع المغامرة واستكشاف ما تحت مياه البحر.
وأضاف أنه بدأ الغوص الترفيهي ثم اتجه إلى الغوص الاحترافي باستخدام أجهزة متطورة وتقنيات احترافية، وبلغ مستوى متطوّراً أهّله للاتجاه إلى استكشاف سفن غارقة بالقرب من شواطئ الفجيرة، وفي تلك الفترة سمع معلومات عن وجود غواصة ألمانية غارقة على عمق كبير قبالة شواطئ الفجيرة، وتملّكه الفضول لاستكشافها، على الرغم من صعوبة المغامرة التي تحتاج إلى تدريبات مكثفة، وبالفعل قضى فترة طويلة يتدرب ويطور معداته، واكتساب خبرات من خلال السفر إلى مختلف أنحاء العالم لمتابعة الجديد في هذا المجال.
وأشار إلى أنه بعد نحو ثلاث سنوات من التدريب، وتحديداً في عام 2018، علم أن هناك فريقاً من الغواصين قرر استكشاف الغواصة، ولم تنجح محاولتهم، وتوفي أحد أعضاء الفريق على الرغم من أنه كان على درجة كبيرة من الاحترافية، الأمر الذي أدى إلى قلقه، ودفعه إلى التفكير في إلغاء فكرة استكشاف الغواصة لوجودها على عمق كبير ووجود تيارات مائية خطرة هناك، وكذلك لوجود شباك وخيوط صيد أسماك مهملة تشكل خطراً إضافياً.
وأشار المزروعي إلى أنه على الرغم من خطورة المغامرة، لم يستطع أن يتجاوز رغبته في استكشاف الغواصة، وقرر العودة للمحاولة مرة أخرى لتحقيق حلمه، وسعى إلى معرفة الأخطاء التي وقع فيها الفريق وسبب وفاة أحد أعضائه لتجنّبها، وكذلك لتطوير مهاراته، حيث اكتشف أن الخطأ الذي أدى إلى وفاة الغواص هو أنه علق في خيوط صيد وتوفي بسبب الضغط العالي.
وذكر أنه واصل التدريب لمدة ثلاث سنوات مع المدرب سايمون نديم، الذي يملك خبرة جيدة في استكشاف الكهوف المائية، والتزما بالتدريب لمدة ثلاثة أيام أسبوعياً، والغوص أكثر من ثلاث ساعات تحت الماء، كما شمل التدريب على كيفية التواصل معاً تحت الماء، ومحاولة رصد الأخطاء التي يمكن أن يقعا فيها خلال الغوص وكيفية تداركها، ثم قرر تنفيذ المغامرة.
وأضاف أنه «في اليوم السابق للغوص، أصابني شعور بالخوف لأنه كان غوصاً إلى المجهول، فلم نكن نعرف ما يوجد في الغواصة وما يمكن أن نواجهه هناك، ولم تكن لدينا أية صور أو فيديو للغواصة، ولا نعرف طبيعة المياه في الأسفل ودرجة حرارتها، وما هي الكائنات التي تعيش في ذلك العمق».
وأكمل المزروعي «قررنا تأجيل الغوص لنتأكد من سلامة المعدات، وحل بعض المشكلات، وحددنا موعداً جديداً للغوص، لكنه تزامن مع العاصفة المدارية (شاهين) التي ضربت المنطقة وشواطئ سلطنة عمان، فاعتبرتها إشارة للتراجع عن الفكرة، ولكنني شعرت أنه هدف لا أرغب في التنازل عنه، فانتظرنا انتهاء العاصفة وعودة الهدوء للبحر، وانطلقنا للرحلة، وكلما كنا نقترب من الموقع كان خوفي يزيد، ويرتفع صوت نبضات قلبي ليس خوفاً، ولكن من الحماس».
وأوضح أنه كان يردد في نفسه أنها رحلة غوص عادية، وعندما بلغ عمق 90 متراً، بدأت الرؤية تتضح أكثر، وظهر له جسم ضخم يرقد في الأعماق، مثل مقبرة لجنود لا يدري أحد ما واجهوه قبل موتهم، وشعر أنه يتوجه إلى مكان يخفي قصة تاريخية كبيرة.
وتابع: «شاهدت غواصة ضخمة ترسو مستقيمة في مشهد رهيب، وشعرت أن خوفي بدأ يذهب، وأنني موجود في مكان أنا أملكه، وأن هذه غواصتي ومكاني وهدفي الذي سعيت خلفه ست سنوات حتى حققته، وغمرتني سعادة لا يمكن وصفها. وقمت بربط الحبال حول الغواصة لاستكشافها من كل الاتجاهات، حيث كان كثير من الحطام على سطحها، ورغم قدم الهيكل إلا أنه كان متماسكاً، يشبه المجسّمات التي شاهدتها في الأفلام الوثائقية التي تتناول الحرب العالمية، كما شاهدت المدفع الضخم الذي تحمله».
إيناس محيسن