التاريخ والإرث الإماراتي العريق العنوان الأبرز لفعاليات مهرجان الشيخ زايد منذ انطلاق نسخته الأولى في مدينة الوثبة بأبوظبي قبل عدة سنوات وحتى الآن، وذلك عبر سرد الكثير من القصص والحكايات القادمة من أعماق التاريخ على الجمهور القادم من كل حدب وصوب، ليتعرف على جوانب من ثقافة وتاريخ الشعب الإماراتي بشكل مباشر، عبر تنظيم ورش عمل حية وإقامة شواهد حضارية تعكس مراحل مهمة في حضارة وتاريخ شعب الإمارات.
ويأتي النموذج المحاكي لمسجد البدية والمقام ضمن فعاليات مهرجان الشيخ زايد، من أهم تلك الشواهد الحضارية التي تعكس عراقة شعب الإمارات واعتزازه بخلفيته العربية الإسلامية، وهو ما جعل من مسجد البدية واحداً من الآثار المهمة التي تدهش الرائي لفنون العمارة فيه، على بساطة الأدوات والخامات المستخدمة في بنائه، وطالعه زوار مهرجان الشيخ زايد التي تستمر فعالياته حتى الأول من فبراير المقبل.
4 قباب
شامخاً وسط ساحات المهرجان، يطل نموذج يحاكي مسجد البدية الذي يعود بناؤه إلى مئات السنوات، وإلى الآن لا زالت تقام فيه الصلوات، ويزوره الناس من كل حدب وصوب، كأحد المزارات السياحية والأثرية ذات المكانة الكبيرة في الدولة، ونجحت إدارة مهرجان الشيخ زايد في إقامة مسجد على ذات الطراز المعماري الفريد لمسجد البدية ليستقبل أعداداً غفيرة من زوار المهرجان، يؤدون الصلاة فيه، وفي الوقت ذاته يعيشون نفحة من عبق الماضي، عبر مطالعة جماليات المسجد بقبابه الأربع ومنبريه والمحراب الوحيد في قاعة المسجد التي تتسع لعشرات المصلين، غير المئات منهم الذين يؤدون الصلاة في الساحات الخارجية للمسجد الذي يعتبر أحد المعالم الرئيسة لمهرجان الشيخ زايد، ويحرص الكثير من الجمهور على زيارته وأخذ قبس من المعارف المتعلقة به، عبر لوحة المعلومات المجاورة للمدخل الوحيد للجامع.
ويقول الدكتور أحمد خليفة الشامسي، رئيس مجلس إدارة هيئة الفجيرة للسياحة والآثار، إن مسجد البدية يعتبر من أهم الشواهد التاريخية والحضارية في إمارة الفجيرة ودولة الإمارات العربية المتحدة، وبني قبل 570 عاماً، ويعتبر أقدم مسجد ماثل تقام فيه الصلوات الخمس، ولذلك فإن تواجده في مهرجان الشيخ زايد، للتعريف بجزء من حضارة وتاريخ الشعب الإماراتي الذي يمتد إلى آلاف السنين، بحسب كثير من الشواهد الأثرية المكتشفة في كثير من مناطق الدولة.
البازلت و«الصاروج»
ولفت الشامسي إلى أن المسجد يحظى بعناية خاصة، وقامت هيئة السياحة والآثار في الفجيرة بإعادة ترميمه بذات المواد التي استخدمت في بنائه قبل عدة قرون، وهي صخور البازلت، و«الصاروج» وهو عبارة عن طين محروق ممتزج مع القش والتبن، وهذه المواد تمنح المسجد درجة أعلى من المقاومة والمتانة، كونها مستخرجة من ذات الطبيعة والبيئة التي وجد فيها المسجد، ما جعل المختصين يختارون هذه المواد في إعادة ترميمه، ليبقى محافظاً على الشكل الذي أطل به على العالم، للمرة الأولى، في قديم الزمن.
وذكر أن مسجد البدية ليس له شبيه في الإمارات بنفس الطراز المعماري، ما يمنحه تفرداً مدهشاً، فضلاً عن رمزه كأحد دور العبادة لا يزال باقياً على رونقه وبهائه ويزوره السائحون من كل أنحاء العالم. فالمسجد بني بشكل مختلف عمّا سواه، حيث أقيم على عمود واحد من الداخل، وهذا بحد ذاته شيء غير متكرر في المباني المختلفة، ولذلك فإنه يجذب الكثيرين للتعرف على هذا النمط الحضاري والأثري ذي التصميم المختلف منذ مئات السنين، ولا زال محافظاً على طبيعته وبنيانه، وصار ملتقى لكل الجنسيات إلى جانب المواطنين الذين يزورونه، ليطالعوا آليات هذا البنيان الذي يجمع بين البساطة والجمال في آن.
مرحلة تاريخية
وأورد رئيس مجلس إدارة هيئة الفجيرة للسياحة والآثار، أن تاريخ الإمارات له بعد زمني كبير، ونحن في الفجيرة لدينا مبانٍ تعود إلى 815 عاماً قبل الميلاد، وهو موقع قلعة «بوحلة»، التي تؤكد مع غيرها من المكتشفات الأثرية تاريخ الدولة الضارب في القدم، حيث يعود عمر بعض المواقع الأثرية إلى أكثر من 35 ألف عام قبل الميلاد، ولذلك فإن مسجد البدية يعكس مرحلة مهمة في تاريخ دولة الإمارات الممتد إلى آلاف السنين، غير أن القلاع والحصون والمباني الأثرية تعتبر شاهدة على البعد الحضاري والتاريخي لدولتنا وما تركه لنا الآباء والأجداد من إنجازات عمرانية في تلك الفترة، اعتماداً على جهودهم الذاتية ورؤيتهم الإبداعية الخاصة، لافتاً إلى أن مسجد البدية المقام في مهرجان الشيخ زايد، يشجع الكثيرين على زيارة المسجد الذي يعتبر واحداً من المزارات السياحية المهمة في الدولة، وله إدارة كبيرة تهتم بتنظيم أمور المترددين عليه، سواء من المصلين للعبادة، أو السائحين لقضاء جولتهم في رحابه، في أجواء من الفائدة العلمية وكرم الضيافة الإماراتي.
ثراء حضاري
من الجمهور، يقول يوسف إسماعيل، الذي اصطحب ولديه سلطان وخليفة، في زيارة إلى مهرجان الشيخ زايد، إن المهرجان يعبر بشكل واضح عن ثراء حضارة وتاريخ الإمارات، عبر كثير من الأجنحة والأقسام والنماذج التاريخية المقامة فيه، ومنها مسجد البدية، ما يشجع أولياء الأمور على اصطحاب أبنائهم للتعرف على جزء من ثقافة وتاريخ بلدهم عبر كثير من الفعاليات التي تنظمها إدارة المهرجان، ما يجعلنا نتوجه إليهم بالشكر على هذه الجهود الكبيرة في تعريف الأجيال الجديدة والجمهور من الجنسيات المختلفة على بعض جوانب موروثنا المحلي ومدى اعتزازنا بهذا الموروث، لافتاً إلى أن المهرجان يتسم بالتنوع الكبير في الفعاليات وطول مدة إقامته، ومشاركة بلدان مختلفة في عرض أنواع من الحرف الشعبية وألوانها الثقافية، ما يجعل من زيارة المهرجان لأكثر من مرة ضمن أهداف أي رب أسرة يريد أن يكسب أبناءه بعض من معارف الأقدمين، بشكل مبسط، عبر ورش العمل الحية المنتشرة في ساحات المهرجان.
اعتزاز بالهوية
أشاد خليفة المهيري، بتصميم مجسم لمسجد البدية ضمن ساحات المهرجان، لأن في ذلك دليلاً على اعتزازانا بهويتنا الإسلامية التي تحضنا على الأخذ بأسباب العلم والنهضة الكبيرة التي تشهدها دولتنا الحبيبة، بفضل جهود القادة الذين ساروا على النهج، وعملوا على دعم كل ما يتعلق بتراثنا وهويتنا وترسيخها في النفوس عبر مهرجان الشيخ زايد، وغيره من الفعاليات الثقافية والتراثية الناجحة التي تنظمها الدولة على مدار العام.
أحمد السعداوي – الاتحاد