بين النخيل والبحر في منطقة كلباء، عاشت خبيرة التراث المحلي فاطمة عبيد المغني طفولتها وسط أجواء تراثية مشبعة بجمال الطبيعة والحكايات الشعبية التي كانت والدتها تسردها لها كهدايا من الماضي، هذه الحكايات شكلت وجدانها، وجعلتها ترتبط بالموروث، وهي في سن التاسعة من عمرها إلى أن حققت أحلامها وشاركت مجموعة من الباحثين المخلصين في جمع وتدوين الكثير من مفردات التراث، فحازت ألقاباً عدة، أهمها «عميدة المتطوعين في الإمارات»، فضلاً عن أنها أصدرت أربعة مؤلفات ثرية عن البيئة القديمة في الدولة، والحكايات الشعبية، والعادات والتقاليد، بالإضافة إلى المشاركة في العديد من المؤلفات التراثية مع عدد من الباحثين، والتي تعد منهلاً عذباً في تصوير حياة الماضي.
شاهدة على الأصالة
تقول فاطمة عبيد المغني: «كنت محظوظة لكوني عشت فترة ما قبل الاتحاد، وعاصرت التطورات الكبيرة التي تحققت على أرض الواقع حتى غدا حلم الدولة الحضارية حقيقة كضوء الشمس، وهو ما جعلني أسافر في عالم الماضي، وأسجل مفردات أصيلة ارتبطت بالأهل والأجداد، وكونت عوالمهم المجيدة في حلهم وترحالهم، وما تركوه لنا من ثروة شاهدة على الأصالة وعمق ورسوخ العادات والتقاليد».
متحف شخصي
وتشير المغني، إلى أنها خصصت جزءاً من بيتها لتقيم عليه متحفها الشخصي الذي تتعدد أقسامه بين الأسلحة القديمة، وزينة المرأة والقهوة العربية وأدواتها القديمة، إضافة إلى جزء خاص بالبيئة البحرية، وكذلك البيئة الزراعية والألعاب الشعبية، وغيرها من الأقسام الأخرى التي تشكل مفردات الزمن القديم في أبهى صورة، مبينة أن هذا المتحف يعبر عن قصة شغفها بالماضي، ومدى إخلاصها لقضية جمع وتدوين الموروث الشعبي الأصيل.
وتلفت إلى رحلة امتدت لعشرات السنين في توثيق التراث، حيث اهتمت بالتعبير عن هوية المرأة الإماراتية في الماضي من ناحية الزي وقيامها بأدوار مهمة داخل البيئة الإماراتية قديماً، موضحة أن الملابس النسائية في الإمارات متماثلة تقريباً في المناطق الساحلية والصحراوية في طريقة الملبس وأنواع الأقمشة وطريقة تفصيلها.
الشيلة والغدقة
وتشير إلى أن الرواة أجمعوا على أن الهند، تحديداً مدينة «بومبي» كانت أشهر مدينة تصدر الأقمشة النسائية والأحذية إلى الإمارات، وكذلك الصين، وكان في دبي ميناء يستقبل هذه الأقمشة ليتم توزيعها، وكانت النساء يتلقين هذه البضاعة من الشخص الذي كان يسمى بـ «الحواي أو الدوار أو الحواط»، والذي يمتلك جميع البضائع التي تحتاجها المرأة من أقمشة وعطور، وغيرها.
وتقول المغني إن سكان الإمارات في الماضي استخدموا خيوط الفضة التي تستعمل في تزيين الملابس النسائية، وبرعوا في صناعة العباءات من صوف الغنم، موضحة أن أدوات الخياطة والتطريز كانت عبارة عن المطوي «المطوه» المقلمة، والدحروي «بكرة الخياطة»، والقفة، والإبر، والمصقلة، ولوح المصقلة، والمقص، والخيوط القطنية «اللهدوب»، وكانت اليد هي أساس القياس والذراع أو الشبر أهم مقاييس القماش الخام، فمن المعروف أن كندورة المرأة سبعة أذرع.
وتلفت المغني إلى أن ملابس المرأة الإماراتية كانت تتمثل في أغطية الرأس بحسب الشريعة الإسلامية أو حسب العرف والعادات والتقاليد، ومن هذه الملابس الوجاية أو الوقاية الغدقة «الشيلة – الملفع»، وجمعها وقي أو شيل أو غدق.
أزياء الأعراس
ترى فاطمة عبيد المغني أن استخدامات الشيلة القديمة كانت كثيرة، إذ إن المرأة كانت ترتديها في أثناء العمل بالحقول الزراعية، وفي حلب الأبقار، كما كانت الفتاة الصغيرة ترتديها لتعتاد على لبس الشيلة، وتربطها على رأسها كغطاء واق عند البرد.
وتؤكد المغني أن المرأة الإماراتية ترتدي الكثير من الأزياء في المناسبات والأعراس، وتمتاز هذه الأقمشة بغلاء ثمنها بألوانها اللامعة والزاهية، ومنها «أطلس وسلطاني ومزراي وبو جليم وبونسيعة وصالحني بوطيرة وأبوشيرة وبريسم أبو دكة، وأبو المقص ليل ونهار، وبرشوت».
أشرف جمعة (أبوظبي)