واصل مهرجان كلباء للمسرحيات القصيرة الذي تنظمه إدارة المسرح في دائرة الثقافة تحت رعاية صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، فعاليات دورته السادسة، لليوم الثاني على التوالي في المركز الثقافي بمدينة كلباء، حيث شهدت الفعاليات أمس الأول لقاءً مفتوحاً مع شخصية المهرجان المكرمة الفنان صابر رجب، وكذلك عرضين مسرحيين أحدهما هو «أغنية طائر التم»، والآخر «فلامنجو»، إضافة إلى ندوتين تطبيقيتين، وقد حضر الفعاليات جمهور كبير ونخبة من أبرز المسرحيين والأكاديميين من الإمارات والوطن العربي.
تحدث الفنان علي جمعة الذي أدار وقدم الحوار المفتوح مع صابر رجب، فأبرز تاريخه المسرحي ومحطاته المتنوعة والثرية، ودوره في تطوير وتأسيس المسرح في المنطقة الشرقية وفي دولة الإمارات بشكل عام.
وبعد ذلك تناول الحضور الحديث، فأبرزوا جميعا في شهاداتهم المتنوعة المميزات الفنية لصابر رجب، وأنه كان ولا زال مسرحيا يعيش الفن بكل تفاصيله، ويبذل فيه كل جهده، وأنه استطاع أن ينشط مسرح الفجيرة، وأبرز المتحدثون كذلك أن صابر رجب هو مسرحي لا يحب التكنيك العادي وأنه يعشق التطوير ووضع الإضافات والتجديدات على المسرح، واعتبروا أن ذلك يعني أن الرجل لا يستسهل المسرح، بل يحاول أن يعطي كل تفكيره وإبداعه كي يقدم شيئا مختلفا وجديدا دائما.
صابر رجب عبر عن امتنانه وشكره لكل تلك الشهادات التي صدرت في حقه، واستعرض مسيرته الفنية منذ بداياتها وكيف كان يعمل مع شقيقه المخرج حسن رجب، وكيف استفاد منه كثيرا وأضاف له فنيا. عروض اليوم الثاني من المهرجان والتي تلت اللقاء المفتوح مع شخصية المهرجان المكرمة، كانت على نفس منوال اليوم الأول من حيث الاشتغال على نصوص عالمية لكتاب مسرح كبار، والعمل على إعدادها بطريقة فنية تتوخى تقديم شيء إبداعي مميز.
وفي هذا الإطار كان العرض الأول وهو ضمن مسابقة المهرجان بعنوان «أغنية طائر التم» للمخرج أحمد عبد الله راشد، مأخوذا من مسرحية للكاتب الروسي انطون تشيخوف بعنوان «أغنية طائر البجع»، والتي تتحدث عن ممثل مسرحي هجره جمهوره وهو في حدود السبعين من العمر، بعد أن قدم لهم عروضا مسرحية كثيرة ورائعة، وهو في وحدته تلك فوق خشبة مسرحه، يستذكر على طريقة المونولوجات، والحوار الذاتي، جل ما عمله، ويعبر عن مخاوفه وهواجسه من تلك الوحدة، وكيف أنها سلبته الشجاعة والثقة في فنه وإبداعه، وسلبته كذلك من بين ما سلبته حب عمره الذي تحطم وباء بالفشل ليخلف مزيدا من الإحباط واليأس الدفين في نفس بطل المسرحية.
وفي خضم انتظاره لأي قادم إلى مسرحه يظهر صديقه وشريكه في المسرح الذي كان يلقنه أدواره المسرحية كلها، والذي يحاول جاهدا أن يبث فيه الأمل، ويبصره بإمكانياته وبكل ما أنجزه، ويزيح عنه حالة اليأس والانتظار المحبط تلك، غير أن الممثل لم يعد يرى في المسرح وخشبته إلا هوة سحيقة مفتوحة على جمهور سيلتهمه بمجرد ظهوره أمامه، وبالتالي فهو يكرس عقدة الخوف من مواجهة أي جمهور جديد بعد أن أحس بالفشل جراء هجر الجمهور لمسرحه.
وفي تناول المخرج أحمد عبد الله راشد للنص كان مصراً كما بدا على إحداث إضافات جديدة تماما عليه، وقام بحذف مشاهد كثيرة منه تماشيا مع الإمكانيات الزمنية من حيث مدة العرض، والجماهيرية من حيث إن الذائقة العربية المسرحية تختلف عن الروسية، واشتغل بنفسه ممثلا ليلعب دور نيكيتا الذي يساعد بطل المسرحية ويحاول تشجيعه، وحاول كمخرج توظيف الإضاءة والسينوجراف الذي بدا متماهياً مع المكان الذي تدور فيه أحداث العرض وهو خشبة مسرح، وقدم رؤية إخراجية لنص انطون تشيخوف تتحدث عن مأساة المثقف حين يفقد التواصل مع الجماهير، وحين يرى نفسه عديم الفائدة، ولا يستطيع التأثير في فترة زمنية ما.
وفي الندوة التطبيقية احتفى المشاركون فيها بالعرض، وأبرزوا كونه اشتغل على نص صعب جدا ولا ينتمي للكلاسيكية في المسرح ولا إلى النموذج الأرسطي في التراجيديا، كما اعتبروا أن المخرج أجاد في التعامل مع كل ذلك، لكن بعضهم أخذ عليه اشتغاله بالتمثيل داخل النص وهو ما رآه بعضهم معيقا لمهمة المخرج في أن يكون مراقبا خارجيا قادرا على التحكم في أية مناطق ضعف قد تظهر أثناء العرض، وانتقد بعضهم كيفية التعامل مع الإضاءة داخل العرض من حيث اختيار الألوان والمبالغة في استخدام إضاءة بعينها دون مبرر كاف إخراجيا، كما رأى البعض الآخر أن المخرج برغم إجادته العامة في التعامل مع النص إلا أنه لم يبرز الدلالات ولا الوظيفة المسرحية لبعض عناصر العرض.
العرض الثاني جاء خارج المسابقة، وهو بعنوان «فلامنجو» للمخرجة حنان دحلب، التي اشتغلت على نص للكاتب المسرحي الإسباني أنطونيو جالا بعنوان «قصر الحمراء»، حيث أبرزت المخرجة من خلال عرضها مأساة سقوط الأندلس وقصر الحمراء بيد القشتاليين، واستخدمت أدوات تعبيرية مميزة كرقصة الفلامنجو المعروفة، وعرضت فجيعة العرب والمسلمين في كل ذلك.
وفي الندوة التطبيقية المخصصة ل«فلامنجو» قيم المشاركون العرض واعتبر بعضهم أنه محاولة جيدة لتقديم حدث مكرر ومستهلك وهو سقوط الأندلس، وارتأى البعض أن تقديم مثل ذلك الحدث لم يعد يثير أي دهشة إلا إذا قدم بمميزات ورؤية إبداعية مختلفة تتجنب التكرار وتتوخى النظر إليه مسرحياً من زاوية لم تناقش من قبل.
وفي ختام أمسية اليوم الثاني من المهرجان تم تكريم الممثلين والمخرجين المشاركين في العروض.
الخليج