أقامت جمعية دبا للثقافة والفنون والمسرح ندوة بعنوان “التراث الموسيقي الإماراتي.. رحلة الكلمة والنغم” بمقرها في مدينة دبا الفجيرة، بمشاركة الفنان ابراهيم جمعة مستشار الفنون في مركز حمدان بن محمد لإحياء التراث بدبي، والباحث الأديب مؤيد الشيباني، وأدارها الشاعر والإعلامي خالد الظنحاني.
حضر الندوة، خليفة خميس مطر الكعبي رئيس غرفة تجارة وصناعة الفجيرة، وحمدان كرم الكعبي مدير عام هيئة الفجيرة للثقافة والإعلام، وعبدالله محمد الظنحاني رئيس جمعية دبا للثقافة والفنون والمسرح، نخبة المثقفين وجمهور الشباب.
وقال الظنحاني في مستهل الندوة ” إننا نعود اليوم قليلاً بشريط الذاكرة إلى الوراء، لنسترجع بعضاً من عبق الماضي الأصيل لنتعايش معه ونستنشق هواءه النقي، وبالتالي نستلهم منه المعاني الجميلة لتراثنا الأصيل، لنعزز من خلاله هويتنا الوطنية في وجدان أجيالنا الجديدة. مؤكداً أن دولة الإمارات تعمل منذ نشأتها على استدعاء التراث وربطه بالحاضر لتستشرف من خلاله المستقبل”.
وأضاف: لدينا كنوز إماراتية خالصة، متمثلة في الموروثات الثقافية والموسيقية والإنسانية.. تلك التي أسهمت في تشكيل شخصية الإنسان الإماراتي الفذة، ومكّنته من التصالح مع ذاته وبالتالي القبض على الحقيقة.
وفي بداية مداخلته، طرح الملحن الإماراتي ابراهيم جمعة أسئلة التراث الموسيقي في الإمارات، والمصير البحثي والتوثيقي لهذا التراث الغني بموضوعاته الفنية المتنوعة. ثم تحدث عن رحلات الغوص التي كانت تشهد ألواناً من الغناء الفلكلوري، بداية من أغنيات رفع الأشرعة فوق سطح السفينة، ومروراً بالغناء الخاص بدفع المجاذيف ودور النهام، الذي يعتبره أهل السفن هو المحور والركيزة التي يقوم عليها الغناء وأداء بقيةالبحارة على متن السفينة، فهم الكورال بمفهوم هذا العصر ووظيفته الأساسية تكمن في أنه يحثهم ويشجعهم على مواصلة رحلاتهم الطويلة، وأشار جمعة إلى أن أهل الإمارات اختلفوا عن سواهم في منطقة الغوص في طريقة تعاملهم مع الفلكلور الغنائي البحري، فالكويتيون استخدموا الإيقاعات في سفنهم، أما الإماراتيون فاعتمدوا على الأداء الصوتي والضرب بالأقدام على سطح السفينة. وشرح الموسيقي إبراهيم جمعة، أثر استيعاب التراث الموسيقي، كفن العيالة مثلاً، الذي يشكل في أدائه، صياغة حربية، تشهد معتدياً، وهجوماً، ودفاعاً، وفلسفة حسية تعتمد على رأس الطبل، ورفع العصا ثم عرج على أصوات الطرب الإماراتية، ومنهم الإماراتي محمد عبد السلام الذي تأثر في بدايات دخوله في هذا المجال بالفن البحريني، خصوصاً لدى أسماء كبيرة مثل محمد بن فارس، وضاحي بن وليد، كما تأثر رواد الفن في الخليج بالتراث الموسيقي والغنائي العريق في اليمن، وأشار إلى الأسماء الغنائية الرائدة في الإمارات وهي محمد بن سهيل الكتبي الذي كان يعمل في السعودية، وأسس في الدمام شركة لتسجيل الأغاني، وكان له دور كبير في تبني المطربين، وقد استفاد كثير من المطربين الإماراتيين الأوائل من رحلاتهم إلى البلاد ذات الإرث الحضاري والموسيقي المتنوع، ومنها القاهرة وبيروت وبومباي وصنعاء وزنجبار وكراتشي. كما تطرق إلى صوت المرأة، طارحاً نموذج الفنانة الإماراتية موزة سعيد، وهي التي تمثل حالة فنية، كأول فنانة في الخليج، ارتبطت موهبتها بالفطرة الموسيقية، في التكوين الإنساني. وشارك الفنان إبراهيم جمعة الحضور، بنغمات وألحان وأوبريتات من تأليفه، لاقت استحسان مزيج من الجهمور المتلهف للتراث الإماراتي الأصيل.
القصيدة الشعبية
وأوضح الباحث مؤيد الشيباني أن القصيدة الشعبية في الغناء، حققت عبر تراكم الخبرات منذ أكثر من مئة عام، حضوراً مهماً في حميمية التلقي في عموم البيئات العربية، وأسست عمقاً عاطفياً أكثر بكثير من قصيدة الفصحى المغناة. لقد حدث هذا وانتهى الأمر، سواء بسبب تكرار استخدام المفردة الشعبية بحيث رسخت في الذاكرة الجماهيرية عبر العصور، أو بسبب ملامسة تلك المفردة ومحاكاتها لتلقائية الناس بكافة شرائحها، أو ربما بسبب تأخر التعليم في حقبة زمنية ليست قصيرة، وبالتالي أصبحت اللهجات المحلية بديلا واسعا في التعبير. إن هذا الامر لم يقتصر على الأغنية وإنما ساد
فيما بعد في السينما والمسرح والدراما التلفزيونية وكافة أجناس الفنون، ما أدى إلى انسيابية في التلقي بين مختلف شرائح المجتمع..
وأضاف إن الرموز الغنائية على مدى عشرات السنين وفي مختلف الساحات الفنية العربية، كرست اللهجات المحلية في الأغنية، وأصبح للقصيدة الشعبية عمقها المؤثر في عواطف الناس، ونحن مثلا نسمع فيروز وأم كلثوم وعبد الحليم والغزالي ومداح وغيرهم العشرات “بين كل ثلاثين أو أربعين أغنية باللهجة العامية هناك واحدة بالفصحى” كنظرة عامة. وإذن نحن أمام دور حقيقي للقصيدة الشعبية في الأغنية العاطفية “عاطفة الحب أو عاطفة الوطن أو عاطفة المعتقد أو عاطفة الحياة” منذ “الطقطوقة المصرية” وحتى “البستة العراقية” ومنذ “الأوف اللبنانية” وحتى “النهمة الخليجية” وهكذا بالنسبة لقصيدة القوالب المعروفة بالأبوذية والزهيري والونة والشلة والدان دان، وعشرات الألوان الشعرية الفنية الموسيقية الجماعية والفردية عبر العصور.
وذكر الشيباني أن هذه الرؤية تحيلنا إلى تجربة مهمة هي محور دراستي طيلة عشرات السنين، متمثلة بدور القصيدة الشعبية في نشأة وتطور الأغنية الإماراتية منذ الأربعينات تقريبا على يد الرواد. فحين بدأت رحلة البحث والتأسيس من قبل أفراد عملوا على إطلاق النبرة الإماراتية الغنائية الحديثة، وجدوا أنفسهم أمام قصيدة شعبية عميقة ورصينة وذات بعد ثقافي إنساني، تتلخص فيه خبرات الحياة وتجارب المكان وطبيعة العلاقات والأسئلة. هذه القصيدة هي التي كانت سببا في تكريس الأغنية الشعبية الأولى بحيث أصبح لدينا اليوم إرث لائق بجمعه وصونه ودراسته وتبويبه ومعرفة مكامن إبداعاته، صحيح أن بعض المراحل والمواقف لجأت إلى الجانب الاستهلاكي في لحظة ما، استجابة لرؤية تجارية فرضتها بعض محال التسجيلات والتوزيع، لكن ذلك لم يكن شائعا بين جميع المطربين الاماراتيين وفي كل المراحل. مؤكداً أن قصائد الماجدي بن ظاهر وابنته “فتاة الحي” وكذلك قصائد سعيد بن عتيج الهاملي وجويهر الصائغ، وقصائد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان وقصائد فتاة العرب الشاعرة عوشة بنت خليفة وقصائد الدكتور مانع سعيد العتيبة وصولا إلى أحمد الكندي وعتيج بن روضة ومحمد سلطان الدرمكي وسالم الكاس وسلطان بن وقيش وسالم الجمري وغيرهم، إن تلك القصائد التي تحولت إلى أغاني في ذاكرة الأجيال جعلتنا أمام أرث مهم، ومن غير اللائق تجاهله أو نسيانه أو تأجيله!!.
الفجيرة نيوز