بجعبة سفر مليئة بالعزم والإصرارعلى توثيق كنوز البلاد وتواريخ الأجداد، قررت الإماراتية رحاب الضنحاني، أن ترتحل في ثنايا الكهوف والجبال، وبين جنبات السهول والوديان، متسلحة بإرادة فريق إماراتي شاب يهوى اصطياد المغامرة واستكشاف المجهول.
رحاب الضنحاني مغامرة إماراتية، لم تمنعها ارتباطاتها المهنية الكثيرة، ولا مجتمعها المحافظ على التفريط في عشق قديم دفعها مبكراً نحو خوض عالم فسيح من الاستكشافات المثيرة التي بدأتها الضنحاني منذ ما يزيد على الثماني سنوات، مدفوعة بعشق المغامرة وشغف البحث، الذي ورثته رحاب من أهل دبا الفجيرة، ومن منعرجات مناطقها الجبلية الملوّنة التي اتسم سكانها برغبتهم الجامحة في الاستطلاع والتعرف إلى جغرافيا المناطق المجاورة، فبدأت منذ الثانوية العامة بملاحقة تفاصيل الماضي وأسرار التاريخ الإماراتي القديم على قمم الجبال المحاذية لمسقط رأسها، عندئذ شعرت الضنحاني بتوقها إلى معرفة جزء خفي من التاريخ المحلي، الذي لم تطرحه كتب التاريخ ولا المناهج التعليمية في المدرسة، فبدأت في تكريس هذه التجربة التي وصفتها بالقول: «في البداية لم يكن لدي وسائل وأدوات لعرض تجربتي على مواقع التواصل الاجتماعي ونشرها للعموم، فكنت أوثق تجاربي بالصور الفوتوغرافية والفيديوهات القصيرة التي كنت أسجلها بكاميرتي الخاصة وأحتفظ بها لاحقاً في أرشيفي الخاص، ولم أبدأ بتعميم هذه التجارب إلا منذ ما يزيد على السنة تقريباً، لإيماني بقدرة هذه المبادرة على تكريس جهد هذا الجيل، للحفاظ على مرتكزات التاريخ والهوية الإماراتية».
اكتشافات
من خلال ترحالها بين مختلف الجهات، عاينت الضنحاني كثيراً من المناطق، وربما استوفت معظم تفاصيل المنطقة الشرقية التي اكتشفت أجزاء كثيرة منها، ولعل أبرز المفارقات التي صادفت رحاب كانت بعض القلاع القديمة في منطقة «الخب» الواقعة بين بين الجبال الشاهقة لمنطقة الطويين التابعة لإمارة الفجيرة، التي وصفتها رحاب بـ«الكنز الأثري» الحقيقي، الذي لايزال غير موثق في معالم الدولة، حيث تضم هذه السلاسل الممتدة بين الجبال معالم تاريخية عريقة ظلت شاهدة على حياة هذه الشعوب، التي عمّرت هذه المناطق الجبلية ولعل أبرزها «كهف الخفافيش»، أو ما يسميه قاطنو منطقة «وم» «كهف الخنافيش»، أو«حصاة الخنافيش»، وهو عبارة عن مغارة أسفل صخرة ضخمة ومربعة تضم كهفاً يمتد طوله إلى 72 متراً، ويتسع إلى ما يقارب 50 شخصاً، وهو كهف منتصب بطريقة رأسية وموجود في أعلى القمم الجبلية بالمنطقة، ويعرف أنه استخدم منذ 200 سنة ملجأ وقت الحروب ومكاناً لتخزين العتاد والذخيرة، كما عرف بكونه مسكناً لإحدى القبائل التي كانت تعتمد كلياً على الخفافيش، وعلى مجرى المياه العذبة، الذي يقع تحت الكهف، والذي استخدمه ساكنوه في عملية سقي المزارع الفلاحية.
امتدت رحلة رحاب لتتجاوز معظم مناطق دبا الفجيرة ورأس الخيمة والعين والمناطق الحدودية المجاورة لساحل عُمان، التي اكتشفت فيها رحاب أنماط حياة سكان بعض هذه المناطق المعزولة تماماً عن حياة المدن، خصوصاً المناطق الداخلية المغلقة مثل منطقة «وعظ صقر»، التي حافظ سكانها إلى اليوم على طرق عيشهم القديمة بين الجبال في رأس الخيمة، حيث ظلوا معتمدين إلى اليوم على زراعة القمح والشعير، وما تدره الطبيعة من منتجات الطبيعة ومياه الأمطار والبرك.
جهود شخصية
تعترف رحاب بثقل المسؤولية الملقاة على عاتقها وعاتق فريقها، في ظل غياب الدعم وكثرة الالتزامات وصعوبة تحصيل المعلومة والوصول إلى مصادرها، الذي قد يستوجب أحياناً أياماً طويلة من البحث والترحال بين مختلف المناطق الوعرة، التي وصفتها بالقول: «إلى جانب جهود الفريق أقوم دوماً بجهد بحث شخصي ورحلات استكشاف تكون أحياناً بشكل انفرادي، للتعرف إلى بعض تفاصيل المناطق التي أزورها، فأبدأ بالبحث والاستقصاء ومحاولة الإحاطة بمعالم كل منطقة واستيعاب تاريخها ومختلف تفاصيل الحياة فيها، وأقضي الساعات في محاورة عدد من الأشخاص الذين عاصروا بعض حقباتها، وقد يتطلب هذا الأمر أكثر من زيارة، هذا دون ذكر الجهد الاستثنائي والوقت المضاعف المرتبط بهذه التجربة، لكن شغفي بتوثيق تاريخ المنطقة هو الذي يدفعني دوماً إلى تكريس وقتي وحياتي لمواصلة طريق البحث، حتى وإن كان ذلك يأخذ من وقتي والتزاماتي المهنية والاجتماعية تجاه عائلتي وأصدقائي، لكنني مرتبطة بهذا الشغف الذي يسكنني ويحثني على الصمود».
• «تمرة الخشكار» صخرة يزيد عمرها على 500 سنة، وعرفت بتباينها مع الجيولوجيا الصخرية لمنطقة الفجيرة.
• «أتسلق الجبال بالساعات، وأقضي بين صخور ومغارات بعض المناطق الوعرة، أياماً كثيرة، أكرّسها في البحث والاستقصاء لرصد الظواهر».
• «غارة الظهر» هي عبارة عن صخرة كبيرة ذات شكل مميز وغريب، استعملت منذ القدم للتعرف إلى مواقيت الصلاة.
توثيق تاريخي
وعن أسباب هذا الخيار الذي كرّسته رحاب اليوم تقول: «كان لدي وازع دائم يحثني على توثيق هذه التجارب الاستكشافية بالصوت والصورة، حتى تظل رصيداً معرفياً ملموساً و(مرجعاً إلكترونياً) ثابتاً تتكئ عليه الأجيال المقبلة في بحثها المستفيض عن مختلف الأماكن التاريخية في الدولة، كما أردت نشرها لتكون شاهدة على تاريخ منطقتنا، وتحقق الاستفادة لمن يجهل بعض هذه الفصول الأساسية من تاريخ الإمارات». وتتابع: «لاحظت كثيراً من الأسف افتقار بعض الأماكن التاريخية لمراجع رسمية واضحة توثق بشكل واضح لمعالم الدولة، وتواريخ بعض المناطق فيها على محركات البحث الإلكتروني، ما جعل تاريخ بعضها مطموراً إلى حد اليوم من قبل الكثيرين».
فريق المغامرات الإماراتي
بالنبرة نفسها الواثقة التي تنم عن شخصية صاحبها، تحدثت الضنحاني عن فريق المغامرات الإماراتي، الذي يصاحبها طوال الرحلات قائلة: «أتسلق الجبال بالساعات، وأقضي بين صخور ومغارات بعض المناطق الوعرة، أياماً كثيرة، أكرّسها في البحث والاستقصاء، لرصد الظواهر الطبيعية لهذه المناطق، والظواهر الاجتماعية لأهاليها، وأنماط عيشهم وتاريخ ومميزات الحياة فيها، يصاحبني في هذه التجارب المثيرة مجموعة من الشباب الإماراتي العاشق للمغامرة ولكنوزها العلمية اللامتناهية، كما أشرف على عمليات تنظيم وتخطيط الرحلات وتفاصيل مساراتها ومخططات الرحلات ووجهاتها، وحتى نقاط تجمع الفريق والتقائه». وأضافت: «يضم فريق المغامرات الإماراتي جملة من أهم المستكشفين الأصدقاء من أبوظبي والعين ودبا الفجيرة ومختلف إمارات الدولة، الذين انضموا لتكوين فريق موحد قادر على استكمال رحلات البحث، واستكشاف بعض جوانب التاريخ الإنساني لدولتنا».
غياب التمويل
في غياب الجهات الحكومية والهيئات العلمية المختصة، تعول رحاب وفريقها على مختلف المرتكزات الشخصية والميزانيات الخاصة، لدعم هذا المشروع الاستكشافي الطموح، وتقول لـ«الإمارات اليوم»: «ليس لنا من يدعمنا وكل مستلزمات تنقلنا وتخييمنا لأيام في بعض المناطق ننفقه من مصروفنا الخاص، الذي نخصص بعضه للمستلزمات اليومية الضرورية للفريق، مثل الأكل والشرب والنوم ومختلف معدات السلامة المرتبطة بالخيام الليلية وتسلق الجبال واقتفاء أثر سير الفريق بين الصخور الشاهقة والمناطق الجبلية الضيقة المحفوفة بالمخاطر». وعن الدعم المؤسساتي الذي يمكن أن يحظى به هذا المشروع الشبابي الواعد تضيف رحاب: «أتمنى قبل أي دعم مالي للمبادرة، أن يتم تكريس مشروع (المرجع الإلكتروني)، ليس فقط لتاريخ الإمارات، بل لمختلف معالم المنطقة الشرقية، التي تتبناه الجهات البحثية بشكل يمكن تفعيله على أرض الواقع، ليكون متوافراً للأجيال المقبلة، خصوصاً أن الدولة منسجمة مع استراتيجية التحوّل إلى حكومة إلكترونية بحلول عام 2017، وقادرة بالتالي على توظيف كل إمكاناتها لخدمة هذا التحوّل الذكي، خصوصاً في المنطقتين الشرقية والشمالية».
مرجعيات
تضيف رحاب: «نتمنى أن تحظى جهود هذه المجموعة بدعم حقيقي قادر على تسهيل مهماتنا الاستكشافية، وتسخير جميع الآليات لتوثيقها وصيانتها ورعايتها بشكل احترافي ينقذها من مغبات النسيان، فنحن في المحصلة نستقي معظمها من سكان تلك المناطق وكبار السن الذين زامنوا فترات مهمة من تاريخ تلك المناطق، فكانوا على دراية تامة بمختلف تلوناتها التاريخية وتطوراتها الاجتماعية، ما يجعلهم بمثابة الموسوعة التاريخية المهمة الجديرة بالاقتناص، خصوصاً أننا إن كنا قادرين اليوم على استغلال هذه المنابع المعلوماتية وتوظيفها لصالحنا، فقد لا نكون واثقين مستقبلاً من إيجاد هذه المصادر التاريخية المهمة والاستفادة منها».
حياة الحرزي – دبي
الامارات اليوم