يقول الشواب في الساحل الشرقي، إن طعم ونكهة التمر وهو في «ليراب» أو «الخصف» يختلف عن وجوده في أكياس وعلب بلاستيكية، الأمر الذي جعل التمر يفقد مظهره القديم ويشده الحنين إلى تلك الأيام التي توارت عن الأنظار، حسب وصف كبار السن الذين تربطهم ذكريات جميلة وسنوات من علاقة الود والحب المتبادل.. كيف لا والنخلة هي أساس الحياة في تلك الفترة حيث كان للخصف المصنوع من خوص النخيل بريق خاص في أثناء التعبئة.
ذاكرة النخيل
وحسبما يقول الوالد راشد بن علي، إن الاستعدادات في الماضي لخياطة الخصف تبدأ مع قرب انتهاء موسم الرطب، حيث يقوم المزارعون رجال ونساء باستخلاص الخوص من الجريد، وهذه الطريقة تسمى حسب مصطلح أهل النخيل في دبا والساحل الشرقي باسم الخوص من الجريد، والجريد المسحول يسمى حسب أهل المزارع في الفجيرة ودبا بالزور ويصنع منه الردة وهي واجهة بيت العريش، حيث تسمح الردة بمرور أشعة الشمس والهواء إلى البيت. وبعد عملية السحال تقوم النساء من أهل الخبرة والتخصص بسف الخوص ليصل طوله إلى ما بين عشرة إلى خمسة عشر باعاً حسب نوع وحجم الخصف وبعد عملية السف يقوم المزارع، أو أي شخص خبير بخيطه ليصبح جاهزاً لتعبة التمر.
وكانت العلاقة حميمة جداً بين الخصف والتمر والمزارع لأنها تشكل جزءاً من تاريخ وذاكرة النخيل، وهناك فرق بين اسم الخصف واسم ليراب، فقبل التعبئة يسمى خصف وبعد التعبئة يطلق عليه المزارعون اسم ليراب الذي يشكل أهمية بالغة للمزارع فهو مصدر الرزق والعيش، فالذي كان يملك عدداً كبيراً من الآيربة يتمكن من بيع معظمها وتحسين وضعه المعيشي حيث يعتبر التمر في الماضي الزاد الرئيسي للحياة.
مهرجان جني الرطب
أما الوالد عبدالله حسن، فيتذكر كيف كان الناس يحملون الآيربة من المصاطيح، وهي الأماكن التي يتم من خلالها تعبئة التمر ونقلها إلى السفن أو على ظهر الإبل والحمير في رحلة الشتاء والصيف والتنقل بين المناطق، حيث يقضي معظم الناس فصل الشتاء وهم على قمم الجبال لرعي أغنامهم وزراعة البر والقمح وقد تزودوا بحاجتهم من التمر بعد أن قضوا فصل القيظ وهم بجانب مزارعهم في مناطق الواحات مثل مسافي والحلاه ودبا والبدية وقدفع ومربح وخورفكان والغرفة في الفجيرة، وكان للتمر مهرجان يبدأ مع بداية موسم جني الرطب وينتهي مع آخر إيراب يتم حمله على الأكتاف وحفظه في أماكن آمنة خوفاً من فقدانه أو سرقته لأنه لا يوجد خلال تلك الأيام ما هو أهم من يراب التمر، لذلك لابد أن يعي جيل اليوم، أهمية التمر في حياة الإنسان الإماراتي منذ القدم، والحفاظ على موروث الآباء والأجداد.
جريدة الاتحاد