في لحظة كأنها الحلم يسترجع بعض الاهالي ذكريات قضت، يعيدنا اهلها الى ايام كانت الحياة اقل صخب واكثر هدوء..يتحدثون فيها عن عادات وتقاليد رمضانية كانت جزءا من ثقافتهم ووعيهم ..كانت جزءا من علاقتهم بهذه الارض التي ورثوا الحب والعناء في رمالها وعلى شواطئها وبين جبالها ..يتحدثون عن كل شيء ويحنون الى كل قديم، انها الاصالة والعراقة التي تسري في عروقهم، ينظرون الى الماضي بحنين، وحب، وامنيات ان يعود الزمن الاصيل بعاداته وتقاليده التي ترسخ وشائج القربى والرحم بين الاهل …اننا نعود معهم الى زمن كانت الناس فيه ترسم البهجة والفرح رغم العناء وقسوة الظروف.. انه زمن جميل وذكريات جميلة نعود بها من خلال هذا الحوار مع هؤلاء : مع قدوم شهر رمضان المبارك في كل عام تعود ذاكرة كبار السن إلى الوراء، عشرات السنين ليستذكروا بعض الذكريات الجميلة والأحداث الأجمل المرتبطة بالشهر الفضيل، والتي كانت تضفي عليه سعادة وحبورا، وتميزا أكثر من غيره من الشهور.
ولا ينفك كبار السن في جلساتهم يروون لأحفادهم طقوسا عايشوها في رمضان وقت طفولتهم وشبابهم، كما يقارنون بين الحياة في ذلك الوقت وما يعيشونه الآن في ظل التطور التقني والتكنولوجي، وفي ظل ارتفاع الأسعار وما طرأ على نمط الحياة من تغيير.
وبغض النظر عن بقاء أو غياب تلك المظاهر والعادات الرمضانية القديمة، إلا أن الذاكرة لم تنسها، فالأجداد والآباء يحكون تلك الذكريات على موائد الإفطار، لتبقى محفورة بالذاكرة، كونها إرثا يمكن تدوينه في الكتب والتاريخ.
عبد الله محمد الضنحاني رئيس جمعية دبا للثقافة والفنون والمسرح : بذاكرته إلى الوراء، إلى مائدة الإفطار في رمضان قبل عقود خلت، مستحضرا ذكريات طفولته في هذا الشهر المبارك، في منطقة دبا الفجيرة قائلا: سقا الله هذيك الأيام كانت الحياة بسيطة ومليئة بالحب والعفوية وكانت أجواء رمضان بالماضي مختلفة عن الان فقد كان الاهالي وأعيان البلاد يستقبلون رمضان منذ بداية شهر شعبان وذلك بالتجهيز لهذا الشهر فعلى سبيل المثال يقومون بجمع الحطب لاستخدامه في إعداد الطعام نظرا لعدم إمكانية القيام بهذه المهمة خلال الشهر الفضيل لما فيه من مشقه على الصائم . وكان لا يتم الدخول في الصوم الا بعد صدور الامر من ولي الامر لعقد الصوم وذلك بعد أن يتحقق لهم رؤية الهلال .
واضاف : انه لم تكن هناك وسائل لتبادل التهاني بالشهر الكريم حتى لم تكن التهاني بهذه الطريقة المتداولة حاليا وكانت تهانيهم بتبادل الوجبات الغدائية فيما بينهم والالتفاف حول مائدة الافطار ليس للعائلة ولكن لمجموعة منازل متجاورة يتجمعون أمام أحد المنازل ويتبادلون الإفطار جميعا ومن ثم الذهاب الى صلاة المغرب والعودة مرة أخرى لتناول شرب القهوة وتبادل العلوم وفي كل يوم يتم معاينة الهلال والحديث عنه. بعدها يذهب الناس لأداء صلاة العشاء والتراويح وفي حالة وجود مهمة جماعية يتم الإعلان عنها بالعد كبناء مسكن لأحد الطراف أو الذنانة أو أي عمل جماعي وفي حالة الفراغ من ذلك يتم تناول وجبة الفواكة كذلك جرت العاده أن يذهب الناس إلى مجلس ولي الأمر بالمنطقة وتناول الفواكة والتي كانت عبارة عن منتجات المحاصيل البسيطة وتمر . وكان بعض من الشباب يقومون بالالعاب الشعبية مثل لعبة الكوك ولعبة سرع عظيم ولعبة حيدوه.
مؤكدا انه في شهر رمضان كان يجتمع الأهالي، حيث تزداد الروابط قوة بين الناس في شهر الرحمة، ويتجمع الرجال مع بعضهم والنساء مع بعضهن، وكذلك الحال بعد صلاة التراويح، ولكن اليوم تبدلت الأحوال حيث كثر الخير والأمن والنظام والاستقرار، ولكن انتشرت القطيعة بين الكثير من الناس حتى تقاطع الأرحام إلا من رحم الله، ومن أسباب ذلك قد يكون كثرة المشاغل، حيث تأخذ الوظيفة جزءا من الوقت، والجزء الآخر يكون للأبناء ومتطلباتهم وكذلك متطلبات المنزل، وأيضا لأن الكثير من الرجال يعملون في الجيش أو سلك الشرطة، مما يحد من أوقات الفراغ بسبب نظام المناوبة، فأصبح العمل الوظيفي طويلا وتباعدت مسافات أماكن الوظيفة.
ويقول الضنحاني : قديما نجهز لرمضان فهو أعز الأشهر، والناس تنتظره لطلب العتق من النار، وذلك بالتقرب لله بالعبادات وبالعطف على الناس، ومن أجمل ما في رمضان أيضا أنه يجمع الناس ويوصل ما انقطع بين الأرحام والأصدقاء، وقد كان لرمضان في الماضي نكهة خاصة لولا المشقة والتعب في الكد والعمل، فكل المهن كانت شاقة بعيدا عن التقنيات والأجهزة التي تسهل العمل.
خالد بن جميع الباحث في التراث الاماراتي يقول : الافطار في رمضان قديما كان في المكان الذي يصلون فيه المغرب والتراويح وكان الفطور بسيطاً ويتكون من التمر و البثيث (اليقط أو الإقط) والخبز و الماء. ويجلس الرجال بعد صلاة التراويح للحديث مع بعضهم لمدة ساعة تقريباً او اكثر . و يقوم الأهالي بشراء حاجياتهم من كسوة العيد قبل شهر رمضان من الشارقة. وكانت حاجياتهم بسيطة نظراً لبساطة الحياة سابقاً. والسبب في شراء الحاجيات قبل رمضان هو بسبب عدم وجود المواصلات وصعوبة التنقل في الماضي.
و تقول ام ماجد من منطقة الطيبة : بأنهن كن يتجمعن مع جاراتهن على الفطور للإفطار معاً وكان الناس في رمضان يكتفون بزيارة جيرانهم في المنطقة نفسها خلال رمضان وخلال العيد يقومون بزيارة اقاربهم في المناطق البعيدة نظرا لصعوبة التنقل في رمضان في ظل عدم توافر وسائل حديثة للنقل.
الوالده عفراء ام راشد من منطقة الطويين بالفجيرة تفتقد صوت المدفع، وصوت المؤذن من دون مكبرات الصوت، وتبادل أطباق الطعام بين الجيران قبل الغروب، وتراكض الأطفال في الفريج قبل اذان المغرب . وتؤكد أن الناس قديما كانوا يستعدون لاستقبال رمضان بإعداد “المونة” المتمثلة في القمح والخضار والاسماك المجففة والتمور المتنوعه ، ومشتقات الألبان وسمن بلدي، مشيرة إلى أن أصناف الطعام التي تعد اليوم من الكماليات لم تكن معروفة من قبل.
كما تحن في حسرة، ام راشد ، إلى أيام زمان وتقول “كانت النساء والأطفال يحملون الهريس والرشوف والمجللة والفتة والتمور وكانت المرأة تعطي أي طفل تصادفه في الشارع كما ان الجيران كانوا قبل الإفطار بقليل يقومون بإرسال صحن كبير من طبخة ذلك اليوم، مع عدد من المحاصيل الزراعية مثل التمور والهامبا والنبق لبعضهم البعض.
بكر المحاسنة