على الحدود الشرقية للدولة، وعلى بعد نحو 17 كيلو متراً من مدينة خورفكان، تقع منطقة شيص النائية بين أحضان الجبال الشاهقة، ورغم قسوة جغرافيتها الصحراوية، فإنها تمتاز بطبيعة خضراء ساحرة، حيث تطوق مساكنها العصرية سلسلة ممتدة من أشجار النخيل، وتنتشر فيها المزارع الخضراء الغنية بثمار المانغو والخضراوات كالبقدونس والطماطم والخيار والنعناع والجرجير. وتكثر أشجار التين والموز والجوافة والبرتقال والليمون. وتستمد المزارع حياتها من ينابيع المياه الجوفية المنتشرة بالمنطقة كنبع «القاوه»، والشلالات الطبيعية.
المنطقة الحدودية الواقعة في أقاصي الجبال، شهدت نقلة حضارية كبرى خلال السنوات الأخيرة، ويرجع ذلك إلى حزمة من المشاريع المنبثقة عن مبادرات صاحب السموّ الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، والآتية بتوجيهات سموه.
حرص سموّه على تنمية المنطقة وتوفير كل سبل العيش الرغيد لعشرات المواطنين، هم قوام سكانها، لم تحل دونه الطبيعة الجغرافية الوعرة ل«شيص»، فكانت توجيهات سموّه، بضرورة العمل على تطوير المنطقة مهما كانت النفقات.
من واقع ما تشهده المنطقة من مشاريع تنموية ضخمة، يتبين حجم التكلفة التي تكبدتها حكومة الشارقة، فلا أدل من القول في هذا السياق، إن مئات الملايين تصرف في سبيل خدمة منطقة يقطنها العشرات.
فالمشاريع الآتي ذكرها تباعاً لها أبعاد استراتيجية عدة، ففضلاً عن كونها أداة لتسهيل حياة الناس، فهي أدوات توفر مسارات عدة أمام حركة التنقل في بقعة تتداخل فيها جغرافيا ثلاث إمارات، هي الشارقة ورأس الخيمة والفجيرة، مما يعزز من وسائل الربط بين مناطق ومدن عدة، ويسهل حركة العبور لآلاف المواطنين والمقيمين يومياً من تلك المناطق وإليها.
أيادي التعمير تنتصر على الصخور
يقول خميس محمد النقبي، والي منطقة شيص، إن بعد المنطقة عن الحضر ووقوعها في عمق جبال المنطقة الشرقية، كان عائقاً دون حركتنا، حيث كان من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، شق طرق وسط هذه الطبيعة الجبلية القاسية، وكغيرها من قرى المنطقة الشرقية ومدنها، كان سكانها في الماضي البعيد يضطرون إلى الهجرة بحثاً عن الرزق، فلم تكن هناك وظائف وكان الرزق خاضعاً لفطرة الطبيعة وحسب فصول العام، وما يصاحبها من تغيرات مناخية قد يشحّ الرزق معها، كالجفاف القاحل الذي يقضي على الرطب أو الشتاء الغزير الذي يغرق الأرض ومن عليها.
وقال، إنه بفضل جهود صاحب السموّ الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، تحولت المنطقة إلى واحة غنّاء تنبض بالحياة، فانتصرت أيادي التعمير على الصخور، وتحولت البيوت من سعف النخيل إلى منازل عصرية وفيلات، وشُقت الطرق وعُبدت الجبال وأصبح التنقل سهلاً بفضل الأيادي السخية للقيادة الرشيدة التي لم تثنها قسوة الطبيعة عن توفير شتى سبل الراحة لأهالي منطقة شيص، ورغم قلة الكثافة السكانية في المنطقة، أنفقت الحكومة المليارات حتى وصلت كل الخدمات إلى هذه المنطقة.
ثلاثة أنفاق مزدوجة ضمن مشروع الربط
تشهد المنطقة اهتماماً بالغاً من حكومة الشارقة، حيث تحوي المنطقة عدداً من مشاريع البنية التحتية التي تتصارع فيها إرادة الإنسان مع قوى الطبيعة الصخرية الصلبة، ومن أبرز المشاريع القائمة مشروع الربط الجغرافي الذي يتضمن 3 مراحل بتكلفة إجمالية تزيد على ملياري درهم.
في هذا السياق أوضح محمد خميس النقبي، القائم بأعمال والي منطقة شيص، أن هيئة الطرق والمواصلات بحكومة الشارقة، أنجزت المرحلة الأولى من مشروع ربط منطقة شيص بمدن عدة.
تتمثل المرحلة الأولى من المشروع في مشروع طريق وأنفاق دفتا – شيص، ويتضمن إنشاء نفقين مع طريق يخترق منطقة جبلية لربط قرية شيص بطرق مسافي – الفجيرة عند منطقة دفتا.
ويتكون الطريق من طريق مزدوج بحارتين للسير في كل اتجاه بعرض 3. 7 أمتار وطول يبلغ 8. 9 كم مع أكتاف إسفلتية بعرض 5. 2 متر، فضلاً عن طريق آخر مفرد يتكون من مسارين بعرض
3إلى 7 أمتار وبطول 9 كم مع أكتاف إسفلتية بعرض 5. 2 متر. و يشتمل المشروع على إنشاء مجموعة من العبّارات الصندوقية لتصريف مياه الأودية المتقاطعة مع الطريق، فضلاً عن أعمال الخدمات التطويرية.
والنفقان المنجزان، يبلغ طول كل منهما 1300 متر، وعرضه من الداخل 5. 13 متر وارتفاعه 9.7 متر، حيث يتسع لمرور طريق مزدوج من حارتين للسير بعرض 3. 7 متر، مع أكتاف إسفلتية وممرات من الانترلوك.
وتضم المرحلة الثانية من المشروع، التي يجري العمل بها، رصف طريق وإنشاء نفق مزدوج يربط المنطقة بمدينة خورفكان، وأُنجز ما يعادل 80% من الأعمال الإنشائية للنفق الممتد إلى نحو 800 متر، ويشكل الانطلاقة الثانية في حلقات الربط الجبلية في مسار الطريق.
وأشار النقبي إلى أن المرحلة الثالثة تضم إنشاء نفق مزدوج هو الأطول في الشرق الأوسط، ويقع في عمق الجبال المؤدية لخورفكان مروراً بوادي «شي»، وتجري حالياً الأعمال التمهيدية للبدء بإنشاء النفق الذي يعدّ النفق المزدوج الثالث في المشروع، ويبلغ طول النفق المزمع إنشاؤه 2600 متر.
فوائد المشروع
يمثل مشروع طريق وأنفاق دفتا – شيص – خورفكان، نقلة نوعية كبرى في حياة أهل المناطق المستفيدة، بحسب راشد خميس النقبي، عضو المجلس البلدي في مدينة خورفكان، إذ سيسهم في تقوية الروابط الاجتماعية بينهم، بتنقلهم المستمرّ بسهولة ويسر. كما أنه سيختصر المسافة من خورفكان إلى الشارقة، من ساعتين إلى 45 دقيقة فقط، ويستفيد منه أيضاً سكان دبا الفجيرة وضدنا وشرم والبدية واللؤلؤية والقرية ومربح وقدفع، وغيرها من المناطق، مثل مدحاء والصاروج وحجر بن حميد في سلطنة عمان، ومن المتوقع أن يستفيد من خدمات الطريق الجديد ما يزيد على 150 ألف نسمة على مدار العام.
مساكن حديثة
تزخر منطقة شيص بعشرات المساكن الحديثة التي شيّدت خلال السنوات القليلة الماضية، لتوفير سبل الاستقرار لأهالي المنطقة، وضمن مبادرات صاحب السموّ رئيس الدولة، تم الانتهاء مؤخراً من إنشاء 15 مسكناً بقيمة إجمالية بلغت 12 مليوناً و335 ألف درهم. وتتكون هذه المساكن من طابقين أرضي وأول، وتبلغ مساحة الطابق الأرضي 158 متراً مربعاً، ويحتوي على مجلس وحمام وغرفة معيشة وغرفة نوم، مع حمام، ومطبخ ومخزن وغرفة للخدم مع الحمام، وتبلغ مساحة الطابق الأول 131 متراً مربعاً، ويحتوي على 3 غرف نوم مع حمام في كل غرفة، وغرفة للعائلة، وشرفة ومطبخ تحضيري، كما يضمّ ملحقاً بمساحة 56 متراً مربعاً يحوي مجلساً ومطبخاً وحماماً.
مركز صحي متطور
تحظى المنطقة بمركز صحي متطور للرعاية الأولية، ويخدم مركز شيص الصحي أهالي المنطقة وعمال الشركات العاملة في المشاريع الخدمية في المناطق القريبة من شيص، ويعمل فيه 10 أطباء وفنيين وإداريين، وهو مجهز بشكل متكامل بالاحتياجات اللازمة لعمليات الإسعاف الأولية والطوارئ، وتتعدد أقسامه بين العيادة الطبية والتمريض والمختبر، فضلاً عن صيدلية فيها كل أنواع الأدوية اللازمة لأهالي المنطقة، وسيارة إسعاف مجهزة.
ويضم المركز ملحقاً سكنياً خاصاً للعاملين به من كادر طبي وتمريضي وإداري متخصص.
وبحسب مدير المركز، فقد وجه صاحب السموّ الحاكم مؤخراً، وعلى هامش زيارة سموّه الأخيرة إلى المنطقة بتوسعة المركز، وإنشاء إضافات تشمل وحدات طبية وإدارية وسكنية. كما وجّه سموّه بعلاج الفئة العمالية بمنطقة شيص بالكامل مجاناً، سواء من عمال المزارع أو العمال والخدم في منازل أهالي المنطقة.
50 % إنجاز حضانة نموذجية
تشرف دائرة الأشغال العامة بحكومة الشارقة، على تنفيذ مشروع إنشاء حضانة نموذجية لأطفال منطقة شيص بتكلفة تبلغ نحو مليوني درهم، ضمن مبادرات صاحب السموّ الحاكم، وبتوجيهاته المباشرة، وبلغت نسبة الإنجاز في المشروع وفق مصادر هندسية نحو 50%.
وتخدم الحضانة أهالي المنطقة، حيث تخفف من أعباء نقل أطفالهم يومياً إلى حضانات خورفكان، فضلاً عن توفير الكثير من فرص العمل لمواطنات شيص.
خدمات متكاملة لراحة المواطنين
توجه محمد خميس النقبي، بالشكر إلى صاحب السموّ حاكم الشارقة على دعمه اللامحدود لأهالي المنطقة، وتوفير كل الخدمات لهم. وأوضح أن حكومة الشارقة لا تدخر جهداً في تلبية احتياجات أهالي المنطقة، فتم بناء المساكن الحديثة. وتحتوي شيص على محطة توليد كهرباء مستقلة تخدم قاطنيها ومحطة لشبكة اتصالات، فلدينا كل الخدمات من ماء وكهرباء وإنترنت، وتخصص مواصلات الإمارات حافلات لنقل أبنائنا إلى مدارسهم في خورفكان، وتم إنشاء حواجز عملاقة لحجب الصخور. وفي المنطقة 14 جسراً عملاقاً تتيح لمياه الوادي المنحدرة من أعالي الجبال، أن تسير بأمان، دون أن تتسبّب في أي خسائر، بعد أن تمرّ في مجارٍ صغيرة مخصصة من بين البنايات.
ويوجد في المنطقة، مسجد للرجال وآخر للنساء، وحديقة عامة تتوافر فيها كثير من الأشجار وألعاب الأطفال. وخضعت الحديقة للصيانة والتطوير مؤخراً.
من جانبه أضاف المواطن سالمين النقبي، أن شيص تتمتع الآن بكل الخدمات، وكان آخرها تعهيد شركة «بيئة» بتنفيذ عمليات النظافة اليومية، كما تم الانتهاء من مشروع تسييج المقبرة القديمة.
وتوجه بأسمى آيات الشكر والعرفان إلى صاحب السمو حاكم الشارقة، على ما يبذله من جهود جبارة في سبيل إسعاد المواطنين وتلبية احتياجاتهم.
تقرير: وليد الشيخ