تقع منطقة مربض على بعد مسافة 33 كيلومتراً شمال غربي مدينة الفجيرة، على الطريق الرابط ما بين مدينة مسافي ومنطقة السيجي.
تتميز المنطقة التي تقع بين أحضان سلسلة الجبال، التي تعتبر الأعلى في دولة الإمارات بوجود العديد من المناظر الطبيعة الخلابة، وكثرة انتشار المزارع فيها، حيث إنها منطقة ذات طبيعة خلابة عامرة بالخضرة، كما تتميز بقربها من قلعة ميدق التي استخدمها الأهالي قديما، للحماية والدفاع عن المنطقة والمناطق المجاورة، وبوجود عدد من بقايا منازل الأهالي التي عاش فيها أهالي منطقة مربض، معتمدين في معشيتهم على الزراعة بأنواعها وتربية الأغنام والمواشي وتجارة التمور والمحاصيل الزراعية.. «الخليج» زارت المنطقة ورصدت التالي:
مربض منطقة منبسطة تحيط بها الجبال من كل جانب، مثل حضن يخفيها عن كل غريب، وطيبة أهلها كطيبة أرضهم ينتظرهم المساء للسهر على أضواء الفوانيس ومصابيح الإنارة، وينتظرهم الصباح والأرض للعمل، وأحداث اليوم التي تملأ حياة الجميع، واجتمع سكانها على الحب والتعاون وعشق الأرض التي لا تنبت إلا الطيب، وبعد جولتنا بالمنطقة، توجهنا إلى بيت الوالد محمد سعيد محمد القايدي «أبو راشد»، الذي لا يزال متمسكاً بالعادات والتقاليد القديمة، ومن الأشخاص المحافظين على هوية الأرض وتراث الأجداد والآباء، فحدثنا عن طبيعة الحياة في الماضي بمنطقة مربض قائلاً: عشنا في الماضي حياه صعبة وقاسية، نظراً لطبيعة المنطقة الجبلية القاسية، ولعدم وجود مصادر رزق متعددة، حيث كان مصدر رزق الأهالي الزراعة بأنواعها، وخاصة التمور ونبات الغليون وبيعه، إضافة إلى رعي وتربية الماشية وجمع الحطب والعسل البري، وكان سكن الأهالي في الماضي عبارة عن منازل بدائية تقليدية صغيرة، في الشتاء تكون عبارة عن حفرة محفورة داخل باطن الأرض، ويتم رصف جوانبها بالحجارة والطين وبناء خيمة فوقها، أو عريش من سعف النخيل، أو نبات العسبق، أو منازل مبنية من المواد المحلية، كالطين والحجارة، أما في فيصل الصيف، أي موسم القيض، فتكون منازل الأهالي عبارة عن بيوت العريش التي تقام بالقرب من المزارع أو على تلال المنطقة، وتكون مبنية من خوص وسعف وجريد النخيل، وكنا نعيش في تلك المنازل على مصادر رزق بسيطة، منها تربية الأغنام والأبقار، وزراعة بعض أشجار النخيل وأنواع متعددة من الخضراوات والفواكه وحبوب البر والشعير والذرة، كما اعتمد بعض أهالي منطقة مربض والمناطق المجاورة لها قديماً في تأمين مصدر رزقهم على تجارة التمور والمحاصيل الزراعية، والسخام «الفحم»، ومنتجات الأغنام والأبقار، وذلك من خلال الرحلات التجارية إلى أسواق: الشارقة ودبي ورأس الخيمة والفجيرة، وكنا نقوم ببيع تلك المنتجات وشراء احتياجات الأهالي البسيطة، من سكر وعيش وبن وهيل وملابس، وغيرها من الاحتياجات، التي لم تكن موجودة بالمنطقة.
وأضاف القايدي: منطقة مربض كانت تتميز بوجود العديد من طوى المياه «آبار المياه العذبة»، التي تكون داخل باطن الأرض، والتي كان يتم استخراج المياه منها بواسطة اليازرة، عن طريق سحب المياه بواسطة ثور كبير، وكانت المياه تستخدم في سقاية الأغنام والمواشي، وري المزروعات، ولاستخدامات الأهالي المتعددة، كما أن المنطقة تتميز بكثرة وجود الأودية التي تجري عبر أرضيها، منها وادي مربض الكبير، ووادي مسافي، والعديد من الشعاب الصغيرة، التي تجري فيها المياه في مواسم الهطول، حيث تتميز المنطقة بكثرة هطول الأمطار عليها بنسبة كبيرة، ولا تزال هناك العديد من أفلاج المياه وطوى المياه بالمنطقة، مما شجع الأهالي على امتهان مهنة الزراعة بأنواعها، وساهم في انتشار المزارع الخلابة بالمنطقة.
وعن سبب تسمية المنطقة بهذا الاسم، يقول: سميت منطقة مربض بهذا الاسم لوجود منطقة داخلها كانت تربض «تنام» فيها الغزلان، التي كانت تعج بها المنطقة بشكل كبير، حيث إن المنطقة كانت تتميز بوجود العديد من الحيوانات والطيور البرية منها الغزلان والضباع والذئاب والوعل الجبلي وغيرها، مما شجع أهالي المنطقة على امتهان مهنة القنص.
قيم عربية
أما الوالد عبد الله خميس محمد القريني، فيقول كانت الحياة في الماضي بسيطة قائمة على البركة والخير الكثير الذي تجود به السماء والأرض، وكانت الحياة تتميز بقوة العلاقات بين الأهالي ومع غيرهم من أناس خارج منطقة مربض، ويشير إلى أن هذه العلاقات كانت قائمة على القيم العربية الأصيلة التي ترسخ التعاون والمحبة بين الجميع، حيث إن جميع أهالي المنطقة كانوا متعاونين مع بعضهم بعضا في جوانب الحياة كافة، وعندما يقوم أحد الأهالي ببناء منزل أو جمع التمور، يفزع الكل إلى مساعدته، وتقديم يد العون له، كما كان الأهالي، يساعدون بعضهم بعضا في موسم دق الحبوب «القمح».
ويوضح القريني، أن مربض منطقة، يعيش فيها العديد من القبائل منها قبيلة القريني واليماحي والقائدي والدهماني، وغيرها من القبائل العربية الأصيلة، وكانوا يعيشون في بيوت بسيطة على تلة جبلية مرتفعة بجانب المزارع، ويقول: كان جميع الأهالي يدركون أهمية العمل، والسعي من أجل كسب لقمة العيش الكريم، من خلال أعمال الزراعة وتربية المواشي، وعشنا ظروف الحياة بحلوها ومرها، إلى أن انتقلنا إلى عام 1977، للعيش في بيوت حديثة بناها، المغفور له بإذن الله، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، وتغيرت الحياة في هذه الفترة على أرض مربض إلى حياة الخير والسعادة.
ويشير إلى أن أهالي مربض منذ القدم محافظون على تقاليدهم وعاداتهم أشد المحافظة، ويتمسكون بمعتقداتهم الاجتماعية والدينية، ويعيشون في مجتمع متماسك في كل المناسبات، سواء كانت فرحاً أو حزناً، لمعاونة وخدمة صاحب المناسبة، ويقومون بعرض كل ما يحتاج إليه، كما أنه في حال أقام أحدهم وليمة، يوزع بعضها على أهالي القرية، كما أن أهالي مربض ما زالوا محافظين على عاداتهم وتقاليدهم القديمة في المناسبات والأعراس والأعياد.
راشد محمد سعيد القايدي «أبو سيف»، يقول: عرفت منطقة مربض منذ القدم بخصوبة أرضها وبالزراعة، خاصة زارعة أشجار النخيل، وحبوب البر «القمح» والشعير، ونبات الدخن «الغليون»، وأشجار الفواكه والحمضيات، كما تتميز بالطبيعة الخلابة وكثرة انتشار الأفلاج والأودية، التي تتجمع فيها المياه على مدار أيام السنة، كما أنها منطقة تتميز بوجود قلعة ميدق التاريخية، التي استخدمها أهالي منطقة مربض، ومنطقة ميدق، لحماية الأراضي الزراعية، والدفاع عن المنطقة، والمناطق المجاورة، قديما.
وأضاف: الحياة في منطقة مربض، كانت في الماضي صعبة وقاسية، نظراً لوقوع المنطقة وسط الجبال العالية، ولعدم وجود طرق معبدة، أو سيارات لنقل الأهالي إلى المناطق الأخرى، فكان الاعتماد على البعير أو الخيول أو الحمير في التنقل، لكن في مدة الستينات وصلت إلى المنطقة سيارة بدائية من نوع «لاند روف» و«بكم»، من نوع نسيان، وكانت تنقل الأهالي، وكانت السيارة والبكم، في حال هطول الأمطار على المنطقة تعاني عدم قدرتها على السير، وكان العيش في منازل بدائية قديمة، وليس هناك أي نوع من الخدمات، لكن بعد قيام الاتحاد بسنة واحدة، تغيرت الحياة على أرض مربض، حيث بنيت المنازل الحديثة للأهالي، وتم تعبيد الطرق الداخلية والخارجية للمنطقة، ووصلت خدمات المياه والكهرباء والاتصالات إلى المنطقة، وأصبح المواطن يعيش حياة أفضل، عما كان عليه في الماضي، ويرجع ذلك إلى فضل الله، وفضل المغفور له بإذن الله، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، مؤسس الدولة، وإخوانه حكام الإمارات، ولا ننسى دور واهتمام صاحب السمو الشيخ حمد بن محمد الشرقي عضو المجلس الأعلى، حاكم الفجيرة، وولي عهده الأمين سمو الشيخ محمد بن حمد الشرقي في منطقة مربض، وتلبية احتياجات الأهالي، ومناطق إمارة الفجيرة كافة.
ويؤكد القايدي: تتميز المنطقة عن غيرها بوقوعها بين أحضان سلسلة أعلى جبال بدولة الإمارات، وبالهدوء الشديد وبمناطقها الساحرة، كما تتميز باعتدال مناخها على مدار أيام السنة وانعدام الرطوبة، مما يسمح بتعدد المحاصيل الزراعية، وكثرة انتشار المزارع الخضراء.
الدهماني: أدباء وشعراء ومثقفون في المنطقة
عن التعليم في منطقة مربض يقول محمد راشد الدهماني «أبو راشد»: في الماضي لم تكن هناك مدارس، وإنما التعليم كان على يد كبار السن من المطاوعة، ويكون عبارة عن حلقات دينية، وتعليم القرآن، وتعليم كيفية الصلاة والوضوء، والعديد من أمور الدين، أما في عام 1980، فكان أبناء منطقة مربض يذهبون إلى مدرسة مسافي الثانوية للبنين للتعلم، وكانت الدولة تقدم للطلاب في ذلك الوقت وجبة غذائية متنوعة، «سندويشات الجبن والمربى والتمر والفواكه»، وتقدم أيضاً الملابس الصيفية والشتوية، كما كانت تقدم بعض المعونات المادية للأيتام والمتعففين، وتوفر لهم الكراسات والكتب، التي كانت تحوي منهج الكويت، أو كما كانت تسمى بكتب الكويت، أما في الوقت الحاضر، فقد انتشر التعليم وتطور من النواحي كافة، وأصبح هناك العديد من المدارس للفئات العمرية من الإناث والذكور في منطقة مسافي القريبة من مربض، وأصبح بالمنطقة نخبة كبيرة من المتعلمين، حيث أصبح بالمنطقة الطيار والمهندس والمدرس والعديد من الأدباء والشعراء والمثقفين.