من نسل الصمود ولد الشهيد نقيب طيار ماجد أحمد الشملان وفي سبيل الله رحل، تاركاً “روضة” دنياه إلى “رياض” الجنة… يعرفه الجميع في مدينته خورفكان، وذكراه خالدة في القلوب… لنتعرف على قصة حياته واستشهاده.
الشارقة 24 – آدم عبد المنعم:
ينتمي الشهيد نقيب طيار ماجد أحمد الشملان، لأسرة نموذجية باقتدار… الأب أحمد الشملان النقبي، مهندس بترول متقاعد، قضى عمره في الحل والترحال، وتولت الأم “مريم” المعادلة الصعبة بين عملها كمربية أجيال، ورسالتها كمربية “أبطال”… فلها من البنات اثنتين، ومن البنين 5 جميعهم ينتمون للسلك العسكري، ولا يقلّون عن فقيدهم الشهيد جدا واجتهادا، ولهذه قصة، بين السطور!
في صباح يوم 22 من شهر نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2010، تلقى الأب أحمد الشملان النبأ من نجله سلطان… ماجد استشهد في حادث عرضي أثناء مهمة تدريبية بمنطقة وادي البيح بإمارة رأس الخيمة.
يصف الأب تلك اللحظة بالأقسى في حياته، متابعاً “كانت حوادث الطيران آنذاك قليلة للغاية، وبسرعة البرق انتشر الخبر على المنتديات والمواقع الإخبارية، وهو ما أكد الخبر لي، حيث هرع الزملاء في العمل لمواساتي وكنت يومها في عملي في إمارة أبوظبي”.
ويشير أحمد شملان النقبي إلى أن الشهيد ماجد كان عمره وقتها نحو 24 عاماً، وكان حديث الزواج، حيث لم تتجاوز طفلته الأولى والوحيدة وقتها حاجز الـ 10 أشهر… “كانت فاجعة كبيرة لي ولأمه وزوجته وإخوانه؛ كنا قد عدنا للتو من رحلة إلى “بانكوك” وكان ماجد برفقتنا… أيام قليلة وارتقى إلى ربه شهيداً راضياً مرضيا”.
وعن يوم استشهاد ماجد، قالت الأم إنها بمجرد وصولها الخبر، فزعت إلى الصلاة حيث صلت ركعتين شكر لله، مضيفة أن الله منحها الثبات والصمود، حيث صرخت في الحضور ممن فقدوا السيطرة على أنفسهم، طالبة من الجميع عدم البكاء على الشهيد.
وأضافت إن الشهادة شأن عظيم، يختص الله بها من أحبه، وديننا الحنيف نستقي منه الصبر على الشدائد، ولعل الفراق شيء قاس على أي إنسان، خاصة الأم، إلا إن الفوز بالجنة ومنزلة الشهداء هي السبيل إلى الطمأنينة والسكينة.
الشهيد… سيرة ومسيرة
ماجد يحتل الترتيب الرابع بين أفراد أسرته، فقبله من الأشقاء عبد الله وسلطان وشملان، ويليه إخوانه قضيب وناصر، إضافة لشقيقتين… أنعم الله عليّ بخير الولد، تقول الأم بنبرة الفخر وبثقة المؤمنة بقضاء ربها، متابعة “كان ماجد أشد ما يوصف بحسن الخلق والخُلق، وشديد الذكاء منذ صغره، مثابر وقليل الكلام، متداركة بابتسامة مسموعة… ابنته روضة الآن عمرها 6 سنوات… هي قطعة من أبيها شكلا ومضمونا”.
وتضيف الأم “كان ماجد يحلم بالطيران منذ الصغر… حاول كثيراً الانتساب لمدرسة عسكرية إلا أن ضعف بنيانه الجسدي كان حائلاً دون قبوله، ولم يستسلم ماجد للأمر، فلم تنقطع محاولاته بعد التخرج من ثانوية الخليل بن أحمد بخورفكان، حيث مارس رياضة كمال الأجسام، ونجح في الالتحاق بكلية خليفة الجوية وانضم للدفعة 37 والتي ضمت أمهر الطيارين المقاتلين ومنهم بنت مدينة خورفكان المقاتلة مريم المنصوري”.
الأب قائلا “كان ماجد متفوقا في دراسته وكليته على المستويات النظرية والعملية، وتلقى تدريباته على الطائرات من طراز “هوك”، كما نال العديد من الدورات التدريبية في هذا المجال داخل وخارج الدولة، وكان واحداً من أمهر الطيارين على هذا النوع من الطائرات وفق شهادات الزملاء، وكانت تقديراته دائماً لا تقل عن “جيد”، وكان قدوة لأقرانه ولا أذيع سراً حين أقول أنه كان أحد أروع الشباب في المدينة، ويكفيني فخراً أنه أول شهيد طيار في إمارة الشارقة بأسرها، ويزداد فخري برسالة استشهاده، ألا وهي الدفاع عن أهله ووطنه شأنه شأن المقاتلين في حرب اليمن، وربما لو كان حياً لكان هناك اليوم يؤدي واجبه مع بني وطنه”.
ويتابع الشملان حديثه عن الشهيد “كان يحلم بالطائرة المقاتلة “اف – 16″، وكان شغوفاً جداً بهذا النوع من الطائرات، حيث كان يسعى جاهداً للعمل بها بعد طراز “هوك”، إلا إن القدر لم يمهله الوقت… الآن يستكمل أولادي سيرة ومسيرة ماجد”.
تعود الأم مريم للسرد، فتقول “ماجد كان يصبو للمراكز الأولى، وكان شاباً باراً بوالديه… ومن أهم سماته رغم طبيعة عمله الجادة، كانت الخجل الشديد، وكان وقته مقسم بدقة بين عمله ومنزله، قليل الاختلاط والكلام، ولديه أصدقاء عددهم قليل، ومازالوا حتى اليوم يحلون علينا كزائرين، ونحرص نحن على دعوة جميع أصدقاء ماجد إلى فطور جماعي كل عام بمنزل الشهيد”.
وتشير المعلمة مريم إن الراحل، كان مرحاً، بسيطاً في تعاملاته، محباً لأهله وأسرته، وكانت “روضة”، طفلته الوحيدة هي الأقرب إلى روحه، ورغم صغر عمرها آنذاك إلا انها كانت مرتبطة به ارتباطا وثيقا، وعزائي أنه ترك “روضة” وفاز بروضات الجنة بمشيئة الله.
وتبرهن الأم على عوض الله عليها عن ماجد، بإخوانه، حيث أوضحت أن جميع أولادها ينتمون للحقل العسكري، وبعضهم اختار طريق الشهيد، فأحد الأبناء أبى إلا أن يحترف الطيران العسكري بعد استشهاد أخيه، مشيرة إلى أنها قامت بتشجيع أولادها على المضي قدما في استكمال مسيرة أخيهم الراحل.
وعبرت أم الشهيد عن خالص مواساتها لأمهات الشهداء، مناشدة إياهن بالصبر والاحتساب عند الله، موضحة أن تضحياتهن لها الأجر العظيم في الدنيا والآخرة.
زوجة الشهيد: كان يرفض العطلات
قالت زوجة الشهيد إيمان سليمان، إن ماجد كان شغوفاً بالطيران، وكان يضعه هدفاً نصب عينيه لم يحيد عن تحقيقه، ولعشقه الشديد لعمله كان يرفض الإجازات في أوقات كثيرة، واحتل عمله النصيب الأكبر من اهتماماته باعتباره واجبا مقدساً.
وتشير الزوجة إلى أن الشهيد كان هادئ الطباع، مرحاً، باراً بأهله، شديد التعلق بطفلته، “وكان حريصا على التواصل اليومي بي، حتى ليلة الاستشهاد، ظل معي على الهاتف أكثر من ساعة، كما تواصل معي برسالة نصية قبل صعوده للطائرة يوم الحادث”.
وأوضحت إيمان سليمان، أن السنوات تمر وترى في ابنتها “روضة” شخصية أبيها بكل معاني الكلمة، معتبرة أن هذا الأمر كان له بالغ الأثر في صبرها على فراق ماجد الذي احتضن روضة بقوة في المرة الأخيرة حين غادر إلى عمله، كأنه كان يودعها.
القيادة الرشيدة
اعتبرت أسرة الشهيد ماجد الشملان، أن أصحاب السمو الشيوخ وعموم القيادة الرشيدة للدولة، شملت أسرة الشهيد برعايتها، كأن هذا الشهيد هو ابن لهم، وقال والد الشهيد إن الشيوخ حرصوا منذ اللحظة الأولى من نبأ الاستشهاد على زيارة منزلهم ومواساتهم، متكفلين بكل ما يخص الشهيد وأسرته.
وأشار أحمد الشملان إلى أن أسرة الشهيد توجت بوسام التقدير من الدرجة الثانية، فضلاً عن ترقية الشهيد إلى رتبة نقيب بتعليمات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة.
وأشاد الشملان بزيارة أصحاب السمو الشيوخ لمنزل الشهيد لمواساة أسرته، وفي مقدمتهم صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، مبيناً أن القيادة الرشيدة تتعاطى وبصدق مع الشهداء على أنهم أولادهم، ويتبين ذلك في مدى الحرص والرعاية لأسرهم والعمل بجد وإخلاص على تلبية متطلباتهم واحتياجاتهم.
وتمنى والد الشهيد على أصحاب السمو الشيوخ والمسؤولين، بإطلاق اسم الشهيد ماجد الشملان على أحد الشوارع تخليداً لذكراه وتضحيته.
من جانبها قالت أم الشهيد، إن “شيوخنا هم تاج رؤوسنا، ولهم في القلب منزلة الآباء، ونفتديهم بأرواحنا”، موضحة إن وقوفهم إلى جانب أسر الشهداء، يخفف من المصاب، ويزيدنا فخراً فوق الفخر”.
واعتبرت مريم إن المبادرات المتكررة لتكريم الشهداء وأسرهم لهي أكبر دلالة على إيمان القيادة الرشيدة بضرورة تخليد ذكرى الشهداء وغرس الفخر في نفوس ذويهم وأولادهم.
ورأت زوجة الشهيد، أنه مهما مرت السنوات، فإن شيوخنا لا ينسون تضحيات أبطالنا من أبناء القوات المسلحة في الداخل والخارج، وكلمات الشكر لا توفيهم حق وقفتهم إلى جوارنا، داعية الله عز وجل أن يحفظ شيوخ الإمارات زخراً للوطن والمواطنين.