«النجاح لا يأتي منفرداً، فيد الله مع الجماعة، ونجاحاتنا في الدولة لها أساسات صحيحة، بدأت بتكوين هذه الدولة مع المغفور له بإذن الله الشيخ زايد، طيب الله ثراه، وحكام الإمارات الذين بذلوا الغالي والرخيص لتحقيق هذا الحلم، وكنتيجة لهذا الجهد يجب الاعتراف بأن مقومات الدولة أتاحت لنا أن نساهم في رد بعض الجميل، وأنا واحد من الناس الذين درسوا في أمريكا على حساب الدولة، وعادوا ليخدموا وطنهم».
بهذه العبارات الممتلئة بالولاء والمحبة، وبهذا التواضع الجميل بدأ المهندس محمد سيف الأفخم، رئيس بلدية الفجيرة، والمدير العام لهيئة الثقافة والإعلام، ورئيس الهيئة الدولية للمسرح، رئيس مجلس مؤسسة الفجيرة للموارد الطبيعية، مدير مهرجان الفجيرة للمونودراما، حديثه المشوق عن رحلة نجاح ملأى بالمفاجآت، لإنسان يصعب حصره في حديث واحد، ليسمح لنا بالاقتراب من تفاصيل حياته بكل ود، ويطلعنا على طريقته في التعامل مع تلك المهام الكثيرة التي يشغلها وتشغله..
} أين كانت البداية؟
– درست هندسة الإلكترونيات والكهرباء في الولايات المتحدة، في ولاية أركسنس، مدينة هلتل روك، في الفترة التي كان فيها بيل كلنتون حاكماً لهذه الولاية، وعند عودتي وفرت لي الدولة الفرصة والدعم، وهذا علمنا حب التطوع والعمل.
} متى كانت بدايتك مع المسرح؟
كنت في المسرح المدرسي، وأنشأنا حينها فرقة مسرحية في عام 1986، وتطورت هذه الفرقة، وحصلت على الكثير من الدعم من قبل الحاكم، فأسسنا مهرجان الفجيرة للمونودراما عام 2003، الذي أسسناه على قواعد بعيدة عن فكرة التنافسية والجوائز، حتى لا يكون مخصصاً لفئة معينة، فالغاية لدينا كانت أن يختلط المبدع مع المحترف مع الفنان الناشئ والمغمور، حتى تُتاح مساحة للتواصل بين الفنانين من دون أن نجعل من فكرة المنافسة عائقاً، خصوصاً بالنسبة للمستويات غير المتعادلة، ليمد المهرجان جسراً حقيقياً للتواصل مع الثقافات الأخرى، ويكون منصة تثقيفية لشبابنا أيضاً، ومن خلال هذا المهرجان اختارني رئيس الهيئة العالمية للمسرح لأنضم إليهم بصفتي نائب رئيس الرابطة، وعندما دخلنا فيها عرفنا أنها أكبر منظمة دولية للفنون الأدائية تابعة لليونسكو، وأعجبوا كثيراً بنشاطنا، ورؤوا أننا نختلف عن الآخرين، كوننا نجذب الكتاب والنقاد والباحثين لنخلق حالة من التوهج على مدى أسبوع في الفجيرة، وهذا يخالف أيضاً القاعدة التي تقول بوجوب التعلم من الغرب، لأنه يمكن أن يكون لدينا تجارب أفضل.
} هل هناك ذكريات تتعلق بعملك مع الهيئة العالمية للمسرح؟
– في عام 2006 في إسبانيا دخلت المكتب التنفيذي كعضو رسمي في الهيئة العالمية للمسرح، فبدأنا العمل ونظمنا الكثير من الورش، فيها اللجان، والكتاب، والمونودراما، والرقص، وركزنا على دعم المسرح في المناطق المشتعلة أيضاً، ولا أغفل دور صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، في دعمه أيضاً، إذ اختير حينها ليكتب كلمة المسرح في الصين، في يوم المسرح العالمي، وبدعم من صاحب السمو الشيخ حمد بن محمد الشرقي، عضو المجلس الأعلى حاكم الفجيرة، أسسنا مكتباً إقليمياً في الإمارة، ومع كل هذه المعطيات تم انتخابي لأكون رئيس الهيئة العالمية للمسرح خلال العام الماضي.
} في كل حديث تعود إلى المسرح، كيف استطعت الوصول إلى منصب رئيس بلدية الفجيرة؟
– بفضل نشاطي في مهرجان المونودراما، ومشاركاتي في الأعمال التطوعية والثقافية برزت أمام صاحب السمو الشيخ حمد بن محمد الشرقي، فاختارني نائباً لمدير عام بلدية الفجيرة، لأصبح المدير العام لها بعد مدة، وبدأت العمل بكل ما أوتيت من قوة، لكن مع هذا لا يسلم أحد من الانتقادات والاتهامات بالتقصير، لكني وفريقي نسعى ليل نهار لتطوير البلد من كل النواحي، فتطوير البعد الفكري، وتغيير الفكر يحتاج إلى الكثير من الوقت.
} كما تشغل منصب رئيس مؤسسة الفجيرة للموارد الطبيعية، وكيف تستطيع السيطرة على كل هذه المسؤوليات؟
– كما أسلفت، فالنجاح لا يأتي منفرداً، ويمكن أن أكون مسؤولاً في كثير من المؤسسات، لكن طاقم العمل في كل منها يقوم بدور كبير، فلدى البلدية نائب، وفريق أجتمع بهم كل أسبوع مرة على الأقل، لأشرف على سير الأمور، ولعل أهم ما يساعدني هو أني من النوع الذي يمنح الصلاحيات للآخرين وأثق بقدراتهم، وكل ما أحتاج إليه هو المتابعة، ولولا هذه الآلية لما تمكنت من القيام بالأدوار العديدة المسندة إلي، وأحب أن أشير إلى أنه لدينا فريق رائع وجميل في هيئة الفجيرة للثقافة والإعلام أيضاً، أما في هيئة العالم للمسرح فعينت 4 رؤساء، هم أنفسهم الذين نافسوني على الرئاسة في الانتخابات، فعينت واحداً في بكين، وآخر في إفريقيا، و آخر في أوروبا، وأيضاً في آسيا، لأوزع المسؤولية عليهم كلهم، فينتدب كل منهم إلى الأماكن القريبة منه ويديرها، ونجتمع بشكل دوري.
} لننتقل للحديث عن الأولويات، مع هذه المسؤوليات والمشاغل الكثيرة، كيف ترتب أولوياتك؟
– لا شك أن أسرتي هي الأولوية الأولى في حياتي قبل أي شيء آخر، أما بالنسبة لباقي الأولويات فأنا أسعى لأن أعمل بما يرضي الله، وما يرضي ضميري كإنسان، وعندي مقولة أرددها دوماً: «لتكون قائداً جيداً يجب أن تكون إنساناً أولاً» فالتعامل بإنسانية هو أساس النجاح، ولا شك أننا كبشر نتخذ قرارات خاطئة فيما يخص عملنا بين الحين والآخر، لكني أحاول قدر الإمكان أن تكون قراراتي مأخوذة عن دراسة وتشاور مع مديري الإدارات والأقسام، حتى أكون مرتاحاً تجاه القرار، وأراعي أيضاً أن يكون المعترضون عليه أقلية وهذه ديمقراطية أؤمن بها، لأني أعرف بأن أي موظف لن يطبق القرارات التي لم يقتنع بها كما يجب، لكنه إن اقتنع فهو سوف يعطي أكثر وهو مرتاح وهذا المطلوب.
} أخبرنا عن وقتك، متى يبدأ ومتى ينتهي؟
– يومي لا يبدأ ولا ينتهي، فالعمل مستمر، بين البلدية وهيئة الثقافة، ومؤسسة الموارد البيئية، والهاتف طبعاً لا يهدأ، لكن مع هذا أشعر بأني أقدم شيئاً لوطني، وأؤمن بأن القدرة على قضاء حوائج الناس نعمة من الله.
} كيف تبدأ يومك إذن؟
– أبدأ يومي كأي إنسان عادي بفنجان قهوة، أو كوب من النسكافيه، لأرمي بنفسي في أمواج العمل بعدها، أتلقى الكثير من الاتصالات وأنا متجه للعمل، وقد أكون متجهاً إلى مكان، فأغير وجهتي فجأة تبعاً للاتصالات التي تأتي، وأرى أن الجميل في عملي أنه ليس لدي روتين أو تكرار في يومي، وهذا يبقيني في حالة نشاط متجدد، ويفصلني عن الملل، فأهرب إلى الثقافة لأبتعد قليلاً عن ضجيج البلدية، وأهرب إلى البلدية لأبتعد قليلاً عن ركود الثقافة.
} ما طموحاتك عندما كنت على مقاعد الدراسة؟
– كان طموحي منصباً على أن أنتهي من دراستي وأعود إلى خدمة بلدي، وأذكر موقفاً حدث لي في تلك الفترة، إذ كان يدرسني دكتور يملك رؤية خاصة، وكان كاتباً حينها، وطلب مني أن أغير التخصص الذي أدرسه وأتجه لدراسة فرع له علاقة في السياسة، فهو كان يتوقع لي أن أكون عمدة لمنطقتي في يوم من الأيام، ودخلت المجال العسكري، والهندسي، واشتغلت حتى أصبحت مدير البلدية، وهي رديف للمنصب الذي توقعه لي، ووقتها تذكرت كلامه.
} كيف تلخص طريقتك في الحصول على هذه النجاحات؟
– أي إنسان يخطط يصل إلى مبتغاه، لكن هناك أشياء تحدث لك وأنت لم تتوقعها، وهذا ما حدث معي، لكن الإخلاص في العمل كان هو الطريق الأجمل للتميز، وأنا أؤمن أن الله لا ينسى جهد إنسان يستحق، ولابد أن يرفعه يوماً.
} كيف هي علاقتك مع العاملين معك؟
– حين أجتمع مع الموظفين أؤكد أننا سواسية في الوظيفة مع اختلاف في المسميات، ولا أحد أفضل من الآخر، ولا يمكن لأحد أن يتخلى عن الآخر، فجميعنا نعمل كمنظومة وأنا أقدر هذا جيداً، فلا يمكنني أن أعمل لوحدي، وهم لن يستطيعوا العمل من دوني أيضاً.
} لعل هذا الكلام مثالياً وجميلاً، لكن أليس صعباً أن تطبق هذه المعادلة؟
– الغربة تُعّلم، وأنا تغربت سنوات طويلة، منها 5 سنوات في أمريكا، و5 أخرى في إيطاليا، ومثلها في هولندا، و أهم ما تعلمته أن التعامل بإنسانية هو أفضل طريقة، وهنا أؤكد أن الشعراء والأطباء والمهندسين تكون صورهم البيانية أفضل لأنهم يجمعون بين التفكير العملي والتأمل.
} كيف ترى أسطورة «الرقم الواحد» الإماراتية؟
– علينا أن نتبنى كل الأفكار التي تأتينا من قادتنا، وهذا السؤال ذكرني بسؤال طرح علي خلال لقاء مباشر على إذاعة صوت العرب، عن عقدة الرقم واحد، وأجبت حينها بأن الرقم واحد يخلق حالة من التنافسية بين الإنسان وذاته، وفي النهاية نحن نعرف بدولتنا من خلال هذه الأفكار المتسابقة، فلا أجمل من حالة الإبداع التنافسية التي نعيشها في مجتمعنا، وبسبب هذه التنافسية استطعنا أن نحقق الفوز لبلدية الفجيرة في القمة الحكومية بأفضل تطبيقات ذكية للهواتف، وكرمَنا صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، وأحب أن أدلل هنا على أن الحماس الداخلي والنية للنجاح هما اللذان يصنعان النجاح في الواقع، وهذه الحالة يخلقها حكامنا بروح المنافسة مع الذات.
} في زحام أشغالك، أين وقت العائلة؟
– دائماً أخلق وقتاً للعائلة، نقضي أيام العطل في مزرعة العائلة بعيداً عن روتين حياتنا اليومية، ونسافر في كل إجازة لمدة شهر تقريباً، وتنقلنا هذا العام بين تركيا، وسلوبينيا، وإيطاليا.
} أخبرنا عن عائلتك؟
– لدي زوجة أعتز بها، و4 بنات تدرس أكبرهن تصميم الأزياء في جامعة الشارقة، وأوصلها بنفسي أحياناً إلى عروض الأزياء التي ترغب في حضورها، وأحب في العموم أن أعيش حياتي كواحد من العامة، أتابع التفاصيل الجميلة لعائلتي وأشاركهم بها، وأؤمن بأني في عملي أدير مرحلة، ولا بد أن يأتي أناس غيري ليكملوا المسيرة، وأحاول أن أكون راضياً عن خطواتي التي سوف يكملها من يأتي بعدي.
حوار: زكية كردي