تستمر مأساة مرضى التوحد في المنطقة الشرقية، والأزمة التي يعيش فيها أسرهم بانتظار الدعم الحكومي لرعايتهم، أطفال التوحد ينتظرون لسنوات على قوائم دخول مراكز التأهيل الحكومي، أو الوقوع ضحية استغلال مراكز التأهيل الخاصة التي جعلت هدفها الأول مادياً وليس علاجياً.
فلا يكفي هؤلاء آلام المرض، والمعاناة الشاقة التي تكابدها الأم مع طفلها المتوحد منذ ولادته، لتزيد معاناتها مع ندرة مراكز التشخيص المبكر للمرض، واستغلال مراكز التأهيل الخاصة لها. إلى أن أصبحت الإصابة بالتوحد تشكل هاجساً حقيقياً لدى الكثير من الأسر، التي لازالت عاجزة عن البحث عن جهات تستطيع تأهيل هذا الطفل، بطريقة منهجية علمية مدروسة، خاصة مع وجود جهات تصرح بعدم قدرتها على استيعاب أطفال التوحد، وأخرى تضع مبالغ خيالية، تعجز الأسر عن توفيرها.
ومن الملتقى الأول الذي نظمة مركز الفجيرة لتطوير القدرات ممثلاً بمبادرة اختصاصية النطق الأستاذة مريم سرور الشرقي تحت عنوان (كيف أدخل عالم طفلي) نقلت «البيان» معاناة أمهات أطفال التوحد الذين بلغ عددهم التقريبي في المنطقة الشرقية 38 أسرة، 95% من أبنائهم على قوائم انتظار التأهيل والدعم الحكومي، مما دفع بهن إلى تشكيل رابطة خاصة بأمهات مرضى التوحد في المنطقة الشرقية، شكلت بدافع البحث وتبادل الخبرات بينهن في سبيل توفير أفضل الطرق الناجعة لحالات التوحد التي تعتري فلذات أكبادهن، وتحقيق قدر من الهدوء والطمأنينة في محيط الأسر التي يعتصرها الألم، عندما تفاجأ بوجود طفل توحدي بين صفوف أسرتها.
وأطلقن على الرابطة اسم «كوني معي في عالمي» عبر قنوات التواصل الاجتماعي، بهدف إرشاد بعضهن البعض إلى كيفية التعاطي مع الطفل التوحدي، ووضع الأسس العلمية الكفيلة لتخطي حاجز هذه الإعاقة، من خلال كل جديد من الممكن أن يطلعوا عليه في علاج أو مساعدة أطفال التوحد.
رابطة دعم
وتشير أم خليفة مشرفة الرابطة وأم لطفل توحدي ذي أربعة أعوام بالقول: نحن أمهات طموحنا يدفعنا دائماً إلى السعي والمثابرة وعدم التوقف عند حد معين أو الاستسلام، حيث نقوم بدورنا ومسؤوليتنا تجاه أبنائنا المتوحدين بل والنهوض بالأسر التي تحتضن الطفل التوحدي، ودورنا يرتكز على عملية إرشاد وتوجيه الأمهات منذ لحظة اكتشافها أعراض وسمات حالة التوحد، إيماناً بأن عملية التدخل المبكر، تحقق نتائج مذهلة، وهناك حالات خرجت من طوق التوحد، وأصبحت تخطو بكل ثقة في علاقتها الاجتماعية، وأيضاً التعاون مع عدد من المتخصصين في حالات التوحد من خلال إقامة الورش والمحاضرات والكشف أيضاً على الحالات. إلا أننا نعاني الكثير الكثير في سبيل إيجاد منصة صلبة نستطيع أن نقف عليها دون قلق وخوف من مغبة هذا الطريق الذي كثيراً ما يتخلله الإخفاق والفشل والعودة إلى نقطة الصفر. وجاء خيارنا هذا بعد غياب الدور الحكومي لاحتضان مشكلة أطفالنا الذين لم يجدوا حتى اليوم مبادرة حقيقية تحتضن طاقاتهم الكامنة. بل تواجهنا الأعذار بضعف الإمكانيات في المراكز الحكومية التي أخذت في طابعها العام العناية بفئة ذوي الإعاقة فقط.
ونسعى اليوم من خلال هذه الرابطة إلى توعية المجتمع بحقوق هذه الفئة، والمطالبة بضرورة الالتفات لهم، حيث لا يجدي عزلهم وراء جدران المنزل. ومن الضروري أن توفر لهم مرافق حيوية في المجتمع.
قوائم الانتظار
وقالت أم أحمد: إن ابنها أحمد مسجل على قوائم انتظار في مراكز التأهيل الحكومي منذ أكثر من 4 سنوات ولا تجد أملاً في حصوله على فرصة التأهيل الوظيفي في ظل ضعف وتضائل الخدمات الحكومية في ذلك، ما دفع بها إلى الاستعانة بأحد المراكز الخاصة بإمارة الفجيرة التي تطالبهم بـ 5 آلاف درهم شهرياً مقابل 8 ساعات أسبوعية للعلاج الوظيفي والنطق. وهو أمر يرهق ميزانيتهم مع استمرار حاجة الطفل للعلاج.
وقالت إنه ـ حتى الآن ـ لم نلمس دور وزارة الصحة تجاه هذه الفئة، ولم نر دور وزارة الشؤون الاجتماعية حيال هذا الموضوع الذي تكرر رفعه لإدارة المراكز الـتأهيلية في الوزارة، فيما عدا الإعانة الشهرية التي تصرف للطفل المتوحد شهرياً والتي لا تغطي تكاليف حصصه العلاجية. وأشارت إلى أن المنطقة الشرقية بعيدة نسبياً عن الإمارات التي تحتضن المراكز التخصصية ويصعب على أهالي المتوحدين الذهاب لأجل تلقي العلاج الذي لا يجدي دون الاستمرارية والمثابرة. فلماذا لا تتوفر مراكز خاصة تُشخص حالة أبنائنا، وتوفر لهم الرعاية والاهتمام.
وبينت أم أحمد أن دور جمعية التوحد يتمثل في تدريب أُسر أطفال التوحد على كيفية التعامل مع أطفالهم، ولهذا نطمح إلى مراكز تأهيل كبيرة وشاملة في كافة إمارات الدولة. أو توسيع دور مراكز التأهيل الموجودة وتزويدها بعدد أكبر من الكوادر البشرية متخصصة لتستوعب تزايد حالات التوحد.
استغلال مادي
وترى أم قاسم إحدى عضوات الرابطة أن وجود هذه المراكز نعمة من الله، لأنها تساعدنا في تأهيل الطفل التوحدي، إلا أن ندرتها وعدم خضوعها لرقابة الحكومة يجعلها تستغل ذوي الحالات مادياً، حيث تبدأ أسعار الحصص في تزايد مع ضغط الطلب على المركز وتزايد الحالات المرفوضة من القطاع الحكومي سواء من برنامج الدمج في المدارس أو حتى مراكز الـتأهيل. فالرسوم الخيالية لا تتماشى مع ما يقدم للطفل من خدمات، كما أن الفترة التي يقضيها الطفل في المركز تعتبر فترة قصيرة، فلابد من إعادة النظر في أمر الرسوم والرقابة عليهم، تخفيفاً لمعاناة الأهالي المادية، وحتى لا يكون الطفل المتوحد عبئاً على الأسرة، فكم من أسرة عانت وتعاني من عدم قدرتها على إلحاق طفلها بمراكز خاصة بسبب الرسوم المرتفعة.
ابتسام الشاعر