خطة شاملة لإعادة إحياء كافة المواقع الأثرية القديمة في إمارة الفجيرة، تشمل أعمال الترميم الخاصة بالقلاع والحصون المنتشرة في مدن ومناطق الفجيرة، والتي يتجاوز عددها 20 موقعاً.
هذه المهمة التي تتولاها هيئة الفجيرة للسياحة والآثار، كشفت من خلال زيارة موظفي الهيئة لمنطقة حبحب التابعة لإمارة الفجيرة، عن انطلاق مشروع جديد لإحياء وصيانة منطقة حبحب القديمة، بعد أن أجريت أعمال المسح الأثري التي تكشف عن أسس البناء الأصيلة وموادها التي قامت عليها كل من: حصن حبحب القديم، ومبنى المسجد، والمباني الأثرية التي تحيط بمنطقة الحصن.
جمع المعلومات
الزيارة التفقدية لآثار منطقة حبحب شملت جمع المعلومات الوافية من أهالي المنطقة الذين عايشوا واقع الحياة التي شهدتها المنطقة، للوقوف على المتطلبات التي تستدعي دفع عجلة الإنجاز في مشروع الصيانة ومعاينة الإمكانات الكبيرة التي تتيحها تلك المواقع، لإبراز التراث والأبعاد السياحية المختلفة للمناطق التابعة لإمارة الفجيرة.
سعيد السماحي مدير هيئة الفجيرة للسياحة والآثار أوضح أن المنطقة تختزل حقباً من الزمن موغلة في القدم، قامت على يد أبناء المنطقة، وتعد آثارها في غاية الأهمية، وتعود إلى مئات السنين وتروي قصص الأجيال التي تواترت على المنطقة.
قلاع وحصون
وأضاف السماحي ان مشروع ترميم آثار منطقة حبحب، يأتي ضمن مشروع أثري تراثي ضخم تتبناه الهيئة مع مؤسسات بحثية محلية وعالمية، يهدف إلى إعادة ترميم وإحياء 20 موقعاً أثرياً، تضم عدداً من القلاع والحصون الأثرية الجبلية، لافتاً إلى أن الفجيرة ماضية في تطبيق مخططها الشامل الهادف إلى الكشف عن المزيد من الآثار في عدد من المناطق، خاصة الجبلية. وهذه الزيارة هي بداية لخطة ترميم مواقع جديدة في برج مربض أو «ميدق»، ومبانٍ تاريخية أخرى.
وأوضح صلاح علي حسن خبير الآثار في الهيئة، أن الموقع الأثري في منطقة حبحب، من المواقع الأثرية المهمة التي تحكي حقبة فريدة من الزمن عاشها أهالي المنطقة، وتعود إلى ما يقارب 300 عام، وتأتي هذه الزيارة ضمن الخطة الطموحة التي تقوم بها حكومة الفجيرة منذ بداية تسعينات القرن الماضي، من خلال مشروع ترميم وإحياء المباني التاريخية في الفجيرة التي تزخر بالكثير من المباني التاريخية، مثل القلاع والأبراج والقصور والمساجد وسواها.
وتطلع الحكومة من خلال إدارة هيئة الفجيرة للسياحة والآثار لهذا المشروع، تحت رعاية واهتمام صاحب السمو الشيخ حمد بن محمد الشرقي حاكم الفجيرة، إلى إعادة إحياء المواقع القديمة لتشكل رافداً سياحياً للمنطقة، ولتحافظ من خلاله على الصورة الحية لتاريخ المكان.
القرية القديمة
وأضاف: بعد النجاح الكبير الذي تحقق في قرية الفجيرة القديمة، وقلعتها الشهيرة، وقلعة البثنة، وقلعة أوحلة، وقلعة الغرفة في دبا الفجيرة، وبرج مسافي وآثار منطقة سكمكم، تأتي هذه الزيارة قبل الشروع في الأعمال التمهيدية التي تسبق أعمال الترميم، وهي تتمثل في التوثيق الشامل للمبنى التاريخي، ويعتمد هذا التوثيق على جمع المعلومات من أهالي المنطقة، خاصة من كبار السن والعارفين والمهتمين، وهي معلومات وأخبار متواترة عن الآباء والأجداد ذات أهمية كبيرة.
ذلك بالإضافة إلى شق أعمال المسح الأثري الاختبارية التي تكشف عن أسس البناء الأصلية، وتُفحص فيها التربة ومواد البناء، حتى يتم الترميم بالشكل العلمي والعالمي المتعارف عليه. وهذا ما أكدته نتائج الأعمال السابقة في الإمارة.
والي حبحب
عن القلاع والحصون والمباني القديمة في المنطقة، تحدث الوالد سعيد بن راشد الحمودي والي منطقة حبحب، مخبراً أنها إرث يؤكد العمق التاريخي لحبحب، حيث توجد قلعة حبحب المشهورة، التي تطل من أعالي المرتفع الجبلي المطل على المنطقة، بالإضافة إلى مربعة حبحب ومسجد حبحب القديم، ويعود تاريخ بنائهما إلى أكثر من 300 سنة، علي يد جده المرحوم علي الحمودي.
وأشار إلى قيام والده المرحوم راشد بترميم «البري» أي الحصن، وبناء مربعة الغرفة السفلية والمسجد، والتي هي اليوم بحاجة ماسة إلى عمليات ترميم وصيانة لإعادة رونق التاريخ إلى هذه المباني وصونها من الانهيار، لاسيما وأن مسجد حبحب القديم الذي تداعت أركان مهمة من أجزائه، قد سجل والمنطقة بشكل عام، بأحرف من نور، الزيارة التاريخية التي قام بها المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، في العام 1972م مع بداية قيام الدولة، برفقة الشيخ محمد بن حمد الشرقي حاكم الفجيرة السابق رحمه الله.
طريق القوافل
وسرد الوالد راشد تاريخ «أفلاج حبحب» الذي يعود إلى مئات السنين كما يؤكد أصحابها، فأرضها الخصبة اشتهرت منذ القدم بالزراعة؛ وكان الناس يترددون عليها باستمرار نظراً لموقعها المتميز على طريق القوافل، مما جعلها محطة رئيسية للتزود بالماء. لذلك اهتم المزارعون ببناء الأفلاج ومنها «فلج حبحب» الرئيسي الذي يقع في قلب المزارع، ويزود النخيل بالمياه المتدفقة من العيون والينابيع التي كانت تشتهر بها هذه المنطقة، والتي تحيط بها الجبال والسهول والوديان.
وأوضح الوالد سعيد محمد الحبسي أنه خلال السنوات الماضية جفت معظم هذه العيون، وحتى البركة الكبيرة المقامة وسط واحة النخيل والتي ينساب منها المياه إلى الأفلاج التي تتولى بدورها توزيع هذه المياه بنظام الحصص على المزارع سابقاً، إذ تعتمد المزارع حالياً على مياه الآبار الارتوازية، ويصل عدد المزارع فيها إلى 60 مزرعة تضم كافة أشجار النخيل وأشجاراً أخرى، مثل: الهامبا والليمون وباقي والرمان، وأصنافاً شتى من الخضروات والحمضيات. ومعظم المناطق الجبلية مثل حبحب تعتمد على الزراعة إلى جانب الرعي.
وأضاف: سكان حبحب يعيشون كأسرة واحدة تربطهم علاقات القربى والانتماء للأرض، ويتميزون بالهدوء وصفاء النفوس، ويحبون من يزورهم. وأتمنى أن يكتمل مشروع الترميم ليعيد للمنطقة القديمة، الحياة التي عاشوها.
سبب التسمية
تعتبر حبحب من المناطق المهمة في الإمارة، فقلعتها ومسجدها والبيوت المحيطة بها، في غاية الأهمية من الناحية المعمارية والتاريخية.
وهي تقع في الجزء الشمالي الغربي من إمارة الفجيرة على بعد 95 كيلومتراً تقريباً، وأخذت اسمها الذي عرفت به من الحُبّ الذي كان أهالي المنطقة يشتهرون به، إذ كانوا يُحبون من يزورهم حُباً جماً، ويفضلونه على أنفسهم، ورواية أخرى يرددها الأهالي بأن حبحب كانت تشتهر بزراعة الحبوب والقمح بكثرة، لذا سميت بهذا الاسم.
ومن ملامح الجمال الاستثنائي للمنطقة أنها تزخر بالوديان التي تعد من أخصب الوديان تربة، وأكثرها وفرة في المياه، مثل وادي «القلدي» و«السقيل» و«قظم»، وتمتد أراضيها الزراعية إلى مساحات كبيرة.