يحفظ عثمان باروت سليم الباروت سيرة مدينة كلباء بأزقتها وحاراتها القديمة وناسها وشاطئها، وأنواع الحرف التي كانت تنتشر فيها قديما قبل أن تطالها يد الحداثة وتنتشر فيها الأحياء الجديدة، وتشق الشوارع وتتغير الكثير من معالمها، فقد عاش طفولته وشبابه متنقلا بين خور كلباء والساف والغيل والسور وطريف والقرم، تلك الأماكن التي احتضنت أهله وأصدقاءه وأبناء منطقته، ونسج خلالها علاقات الود، وتعلم بين جنباتها قيم وتقاليد الترابط والتعاون والألفة، فحفرت في ذاكرته تاريخا من القيم الإنسانية الجميلة حوله باروت إلى حكايات شيقة تحفظ تاريخ المنطقة، وجانبا مهما من تاريخ الإمارات .
ولد الراوية عثمان باروت في كلباء عام ،1937 وذهب إلى “المطوع” فقرأ القرآن وتعلم الكتابة كسائر أبناء المجتمع آنذاك، ومارس في صباه الكثير من الألعاب وبرع فيها، وبدأ في مراهقته مزاولة العمل، ليسهم في إعالة أسرته، وكان الأطفال في تلك الفترة ينخرطون في العمل في فترة مبكرة .
عمل باروت في البداية مساعد بحار على قارب “الماشوه”، وهو سفينة تزويد تنقل إلى سفن الغوص الأدوات والمؤونة التي يحتاجها الغواصون في غيبتهم الطويلة لصيد اللؤلؤ في أعالي البحر، حيث يقيمون فترة طويلة هناك، ثم تطور عمله ليصبح ينقل البضائع بقاربه من السفن الكبيرة التي لا تستطيع الرسو في الخور لإيصالها إلى الشاطئ، ثم تنقل بين مهن كثيرة حتى استقر في شركة عالمية لمكافحة الجراد، وتنقل خلال عمله بين قطر والبحرين والكويت وإيران، وجزر الخليج العربي، وعاد إلى الوطن ليعمل في دائرة الجمارك في خورفكان، وانتهى به المطاف موظفا في بلدية كلباء حتى تقاعد سنة 2002 .
كانت تجربة العمل الممتدة من أول المراهقة حتى الشيخوخة والمتنوعة بين عدة مجالات منها ما هو تقليدي كالصيد وتنمية الماشية، ومنها ما هو حديث كالعمل في مكافحة الحشرات وفي الدوائر الحكومية، كانت هذه التجربة هي المنبع الثر الذي يستقي منه عثمان باروت حكاياته عن الزمان والإنسان في الإمارات، وشكلت أساسا لمرويات حفظت جانبا من تاريخ الإمارات والمنطقة الشرقية بشكل خاص، فهو يروي تاريخ مدينته مفصلاً وما كان فيها من معالم وحرف وصناعات، ويحكي عن البحر وعوالمه، والمشاكل التي يتعرض لها ربابنة السفن، والعلاقات التي تقوم بين البحارة، كما يحكي عن عوالم البدو الذين عاش بينهم ردحاً من الزمن .
في مروياته يركز باروت على الحكايات التي تحفظ تراث القيم الأصيلة في الإمارات، وتوثق أنواع العلاقات الاجتماعية التي كانت سائدة، وأشكال التقاليد التي كان تحكم المجتمع، كما توثق مهنا كثيرة، وتبين الترابط الأصيل والبناء الذي كان يربط الناس فيما بينهم، والقائم على تسيير مصالحهم وحفظ منافعهم، مما يعكس وحدة المجتمع وترابطه .
شارك باروت بنشاط ودأب في العديد من الأنشطة الثقافية التراثية التي أقامتها إدارة التراث في دائرة الثقافة والإعلام، وأنعش العديد من الفعاليات في هذا الصدد، وكان حاضراً بشكل لافت في عدة دورات من أيام الشارقة التراثية وقد كرمته الدائرة ضمن يوم الراوي كأحد الرواة الإماراتيين المهمين .
-الشارقة – محمد ولد محمد سالم: