في منطقة مسافي وعلى أحد جبالها حكاية نسج فصولها المواطن علي خميس المحرزي الذي دأب على حفظ التراث منذ نعومة أظافره ليوثّق حياة عاشها من كانوا قبله بأدواتها وأساليبها، ونقلها إلى أجيال طمس عنهم تطور الحياة ورفاهيتها الكثير من تفاصيلها، فمنزله يكتظ بالعديد من الآلات والأدوات والمسميات والصور القديمة التي تروي تفاصيل كثيرة قل ما تجد لها شبيهاً، وحتى الأشجار التي كانت بثمارها وأوراقها في قائمة استخدامات الإنسان القديم كان لها نصيب من المساحات التراثية التي فرد لها الجزء الأكبر من حياته.
علي المحرزي أمام شلال منزله
معلم رائع
من شغفه بالتراث انطلق وألقى على عاتقه مسؤوليات كثيرة حرص على القيام بها بكل محبة ورغبة، وعمل على تحقيقها بدون كلل أو ملل، فشلالات مسافي ذلك المعلم الرائع الذي حوله إلى تحفة تراثية ومعمارية امتزجت فيها أصالة الماضي مع رفاهية الحاضر ليستقبل الزوار عند مدخل مدينة مسافي بمنطقة رأس الخيمة، ويحكي لهم أصالتها التي انفردت بها عبر التاريخ.
أما الجبل الذي شيد في وسطه المحرزي منزله فهو فصل آخر من فصول الحكاية، إذ إن هذا الموقع يحتضن أقدم مغارة طبيعية في المنطقة، والتي تكثر حولها الحكايات والروايات ولكن لا يمكن الجزم ببعضها كونها ضرباً من الخيال، ولكن مكانتها الحقيقية المعروفة بين أهالي المنطقة أنها كانت ملاذهم حينما تشتد بهم الأمطار ومخزناً لغذائهم عند حدوث تقلبات في الطقس، وهذه المكانة التي تتمتع بها هذه المغارة دفعته ليستغل شهرتها وتحويله إلى وجهة يقصدها السياح من خلال عرض بعض مقتنياته التراثية التي جمعها منذ طفولته وورث بعضها عن أبائه وأجداده، وهذا ما شرع فيه منذ عدة سنوات وأعد له مخططاً وتصوراً واسعين، حيث بدأ في وضع المقتنيات القديمة والآلات من بداية دخولها الدولة مروراً بمراحل تطورها.
اليازرة أداة قديمة لاستنخراج المياه
الزائر لهذا المعرض سيكتشف سيرة تاريخية وتفاصيل لن يجدها في كتب التاريخ ولا في شبكة الإنترنت، وعلى الرغم من إمكانية استغلال الموقع ليدر عليه أموالاً طائلة إلا أنه يرى أن رد دين الوطن ولو بجزء بسيط منه وخدمة الناس ورسم الابتسامة على وجوهم ذلك أهم المكاسب، كما أن جهوده لم تقتصر على جمع التراث وتوثيق حياة الماضي، بل حول موقع منزله إلى وجهة رئيسية يقصدها السياح بحثاً عن الترفيه مع أفراد عائلتهم خصوصاً في أيام العطلات.
مساحات خضراء حول المنزل
جذع المانجو
والحديث عن «شلالات مسافي» منزل المحرزي المفتوح لاستقبال الزوار يضم حديقة متكاملة المرافق كأنها قطعة من غابات الأمازون خصصها المحرزي لخدمة الزوار بدون مقابل، إذ تتيح زيارة هذا الموقع الفريد التعرف على أشياء كثيرة منها بعض أنواع الأشجار القديمة التي كان الإنسان الإماراتي يستخدمها لتلبية احتياجات حياته، فضلاً عن مشاهدة أقدم جذع لشجرة المانجو والتي يزيد عمرها على 300 عام، ويحكي هذا الجذع شهرة هذه المنطقة بزراعة شجرة المانجو، إضافة إلى ذلك دأب على عمل الاستراحات والمجالس المفتوحة لمشاهدة جمال منطقة مسافي من على أماكن مرتفعة.
جذع شجرة مانجو عمرها أكثر من 300 عام
لم تتوقف طموحات المحرزي عند حد معين، بل طموحاته تتجدد بين الحين والآخر، فكان دافعه الحفاظ على التراث وخدمة المجتمع لذلك بدأ يشق مجاري جديدة لشلالات المياه ويخلق لها مسارات مختلفة، ليزين مدخل مسافي بلوحة طبيعية فريدة ويستقطب السياح من خارج المنطقة وداخلها، ولم ينس في خضم هذه المسؤوليات الأطفال وذوي الاحتياجات الخاصة وكبار السن، حيث كان يجمعهم في منزله وينظم لهم الفعاليات بصورة مستمرة، وإلى جانب ذلك حرص على تعدد وسائل الترفيه والخدمات فأنشأ ألعاباً للأطفال وحدائق خضراء، كما خصص حظيرة مصغرة للحيوانات.
مجموعة من الفخاريات التي أنتجها مصنعه
أما المنطقة المحيطة لشلالات مسافي التي كانت تستوقف السياح يجاورها مصنع الفخار الذي أنشأه للحفاظ على مهنة الآباء والأجداد، ويعد أول مصنع للفخار في الدولة، وتحيط جوانبه معارض عديدة فردت على مساحات واسعة استحوذت انتاجيات المصنع على الجزء الأكبر من معروضاتها، وعلى حافتي الطريق تنتشر المطاعم الشعبية التي تقدم وجباتها للزوار مثل الهريس واللقيمات والخبيص والعديد من المأكولات الشعبية التي يحرص الزائرون على تناولها عند مرورهم لهذه المنطقة.
المصدر:
رأس الخيمة- سعيد الوشاحي – تصوير ــ محمد منور