قد تبدو تجربتها للوهلة الأولى شبيهة بالعديد من التجارب المحلية، التي لجأت إلى الموروث الشعبي في بحثها الإبداعي في صناعة المالح، وحتى تبرهن على خصوصيتها، حوّلت المواطنة ليلى أحمد الشحي التي تلقب بـ”ملكة المالح”، أحلامها إلى حقيقة من خلال إلحاق مشروعها المنزلي الذي يصل عمره إلى 6 سنوات إلى تمويل من صندوق الشيخ خليفة لتطوير المشاريع. وهي تقطن في منطقة مربح التابعة لإمارة الفجيرة.
استطاعت بفضل إرادتها وما تمتلكه من حس ابتكاري تطوير موهبتها جذرياً، لتصنع لنفسها خطاً ونمطاً ابتكارياً في مجال صناعة المالح. وفي لقاء معها قالت:
” لقد تعلمت من والدتي وكذلك من عدد من أفراد أسرتي من حيث لا أدري، سر عالم “المالح” الذي كنت اعتبره شيئاً روتينياً ومن الطبيعي معرفة طرق التعلم عليه كونه جزءاً من العادات والتقاليد، ولكن اكتشفت عندما جلب زوجي مؤخراً الأسماك إلى المنزل من رحلات الصيد اليومية شغفي الكبير بعالم التمليح، ومهارتي في صنع مأكولات تقليدية ” كالآشار، والسحناه، والبهارات” التي حظيت بإعجاب كل من يتذوق منها”.
وأضافت وجدت وتعلمت الكثير من الأسرار في هذه الحرفة، ومنها أن الفخامة والحرفية في صنع شيء مميز ويعشقه الجميع يصنع ببساطة متناهية، فحين استرجعت طرق التمليح في السابق بنظرة تفحّص، وجدت أن التاريخ يعيد نفسه، واستطعت منذ ذلك الحين صنع المالح منزلياً وبمعاونة زوجي ووضعه بشكل يليق لكل من يتناوله ويشتري منتجي، مشيرة إلى أنها لم تتوقف على الصنع بالطريقة التي تعلمتها بل أنها سعت إلى المزيد من التعلم والتطور، ليكون لها ذوق خاص بتفاصيله الدقيقة. ويتأكد ذلك في حصولها على الميدالية الذهبية عن إمارة الفجيرة للعام 2013 بعد مشاركتها في البطولة العالمية للضيافة فئة المأكولات المنزلية.
مرحلة التسويق
وحول الفكرة والانطلاق، قالت ليلى: ” أعلم جيداً صعوبة التخصص الذي أبحر فيه لأن الكثير من الناس يعرفون طريقة تصنيعه من طقوس الآباء والأجداد وأساسيات العمل فيه وليس من اليوم بل من مئات السنين، لكنه بالنسبة لي بمثابة حُلم، وأطمح إلى الريادة في هذا المجال، بتعزيز اسمي ضمن الأوائل في الدولة، وطموحي ينحو في اتجاه صنع مستقبل رائد تتبعه الأخريات في الإمارات عموماً والذي بدأ من خلال وضع السمك المالح في علب زجاجية فاخرة. في حين أخطط إلى المرحلة القادمة في الدراسة عبر قراءة السوق واكتساب الخبرة بشكل كبير واحترافي، وأيضاً المشاركة في المعارض والمهرجانات التي تتعلق بهذه الوجبة المفضلة، فضلاً عن التواصل والإبحار في التعريف بمشروعي عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي، وإنشاء مخزن كبير للتخزين وإيجاد طرق جديدة في تسويق المنتج وتغليفه”.
الدعم الأسري
وأكدت الشحي أهمية الدعم الأسري، إذ وجدتُ رعاية من أسرتها وزوجها بصفة خاصة، وهو ما خفف عليها صعوبة المجال لكثرة متطلباته، وهي ممتنة لهم على ذلك. موضحة بأنه لا يخلو هذا الطريق من التحديات والمصاعب. مضيفة: ” يدهمني الوقت من حيث لا أشعر وخصوصاً وأنه لوحدي أقوم بصناعة المالح بالمنزل بمساعدة زوجي، فالساعة تجري، والعمل الاحترافي في مجال التمليح يحتاج إلى التدقيق والبحث والتنسيق، بخاصة في توفير الجديد من منتجاته في المعارض والمهرجانات”.
وعن رأيها في مستوى جودة منتجها مقارنة بنظرائها في المجال ذاته: أكدت أنها تتفنن في إنتاجه بمذاقات مختلفة، حيث تتم إضافة نكهات معينة أثناء وضع شرائح السمك في البراميل مثل نكهات (الليمون والفلفل وأوراق الليمون والزعتر والنعناع والقرفة ) حسب رغبة الشخص، لافته إلى أنها تحاول قدر المستطاع ابتكار نكهات خاصة تُشكّل خطاً خاصاً مبتكراً بها.
مشيرة إلى محاولة إضافة لمساتها في طبخ المالح الذي يؤكل بهيئته المائية مع الأرز أو المدفون “بالعيش” أو المطبوخ بالخبز، فهي تحاول ابتكار طبخات أخرى من المالح، مبينة إلى أنها تصنعه من مختلف أنواع الأسماك، (كالصد والقباب والخباط وكذلك أسماك الشعري)، ولكن أجود هذه الأنواع هو الكنعد والقباب الذي – على حد وصفها – الأكثر تداولاً وطلباً من قبل الناس.
وعن الأسعار، أشارت إلى أنه مهما بلغ سعر السمك المملح، فالجميع يحرص على اقتنائه، غير أن أسعارها في متناول اليد، ويصل سعر البيع في عبوات الزجاج بـ 300 درهم، فيما يباع في “السطل” بـ 250 درهماً.
مراحل الحفظ
ذكرت الشحي طريقة صنع المالح التي تعتمد على الطريقة التقليدية التي تمر بمراحل عديدة أولها تنظيف كل سمكة جيداً، بإزالة الرأس ونزع الأحشاء، ثم شقها من النصف، حتى تصبح قطعة واحدة مفرودة، وتتم إزالة كل “الكسل” أي العظام منها، ووضع كميات كبيرة من الملح الطبيعي المدقوق. ويوضع المالح بعد ذلك في أوان ٍفخارية عملاقة أو علب من صفيح توضع فوقه قطعة حجر كبيرة حتى يتماسك ويغطى بقطعة من القماش، استُبدلت في الوقت الحاضر بعلب بلاستيكية أو في “سطل” أو “دبات” كبيرة التي تكون محكمة الإغلاق حتى لا تسمح بدخول الهواء.
ثم يمكث مدة تتراوح بين شهر إلى شهرين ونصف تحت أشعة الشمس المباشرة وبعدها ينقل إلى الظلال. أمّا إذا حُفظ منذ البداية تحت المظلات أو في الغرف المغلقة فهو يحتاج إلى ثلاثة أشهر أو أربعة أشهر، يصير بعدها صالحاً للأكل. وتعتبر الشمس ضرورية لكافة أنواع المالح، خاصة في الشهرين الأولين من صناعته، لأنها تساهم في إنضاجه وتشرب الشرائح بالملح، منوهة بأنه إذا كانت السمكة صغيرة الحجم تقسم إلى قسمين، أما إذا كانت كبيرة فتقسم إلى أربعة أقسام.
وجبة مرغوبة
وجبة المالح بسيطة وتعتبر صناعتها من أقدم الصناعات على مستوى الخليج عامة والإمارات خاصة، ابتكرت ذات يوم لحاجة ملحة لأسباب خارجة عن إرادة الإنسان، لكنها لا تزال حية وأصبحت اليوم وجبة مرغوباً بشدة على الرغم من الرفاهية والتمدن والتطور التكنولوجي وتوافر مئات الأنواع من الوجبات والمواد الغذائية، ولم تعد كما كانت وجبة للبسطاء والمسافرين لمسافات بعيدة، كما لم تعد وجبة يتحايل من خلالها الأهالي على الظروف، كي يصبح السمك متوافراً في وقت الحاجة، ولو على هيئة مالح أو سمك مجفف، متمنية أن يتحقق حلمها الريادة بصناعته.