يتساءل بعضنا عن مهمة الكاتب الحقيقية، هل تنحصر مهمته في منح العلم والمعرفة، أم في نقل الأفكار إلى عقول القُراء، أم في تحليل الظواهر التي تحدث في المجتمع، أم في الإجابة عن الأسئلة التي تدور على ألسنة الناس؟ والإجابة عندي أن مهمة الكاتب فوق ما سبق، وأعظم مما قيل بكثير، مهمة الكاتب هي إيقاظ الفكر في ذهن القُراء؛ فليس الصواب أن تطيب نفس القارئ لما يقرأ، وإنما أن تثور نفسه، وينشط عقله، ويبدأ في حوار داخلي بين اتفاق واختلاف، وأخذ وعطاء، وبحث وتنقيب.
عمل الكاتب مثل القلب؛ يضخ الدماء في العقول، وبدوام عمله يضمن للإنسان الحياة. |
ولا أتمنى أن يتحول القارئ إلى متلقٍ سلبي، يكشف غطاء عقله ليصب الكاتب فيه رؤاه وأفكاره؛ فالكاتب الحقيقي هو الذي لا يعطي من حكمته؛ وإنما يصل بالقارئ إلى عتبة فكره هو وحكمته الغائبة بين طيات نفسه.
الكاتب الحقيقي هو الذي يستطيع أن يكوّن الرأي عند القارئ؛ فيحرره من الأغلال والقيود التي وضعها على عقله وفكره، ولست أعني هنا التحرر السلبي، أي أن القارئ لم يعد مغلول الفكر مقيد العقل، ولا يدري ماذا يفعل ليحيا؟ وإنما أعني الحرية الإيجابية التي تنطوي على قدرة الإنسان على أداء عمل، وتكوين رأي، وبناء شخصية. إن واجب الكاتب أن يخلق الذاتية عند قارئه، ويساعده على تكوين الشخصية الناقدة والمحللة.
عمل الكاتب مثل القلب؛ يضخ الدماء في العقول، وبدوام عمله يضمن للإنسان الحياة.
إن مهمة الكاتب تحريك الرؤوس وليس إراحة النفوس، وأتمنى أن يحرك الكاتب بحيرة الفكر الراكدة في عقول القراء، حيث يسري مداد قلمه في عقول قرائه ليبعث فيها الحياة، وينتهي بذلك دوره ليبدأ القارئ استكمال المسيرة.
وأسلوب الكاتب لا ينفصم عن أفكاره، وأنا هنا أختلف عن المعنى التقليدي للأسلوب؛ فليس الأسلوب نمطاً في الكتابة يلتزمه الكاتب، وإنما يكون للكاتب أسلوب إذا استطاع أن يسلب ذهن قارئه وشعوره، فيأخذه إلى عالمه، ويشده إلى بستان فكره؛ فيقفز القارئ كالعصفور المرح بين أفنان الشجر، ينهل منها ما يريد، ويأخذ منها ما يطيب.
عميد كلية الآداب في جامعة الحصن