تبعد قرية البليدة الجبلية 18 كيلو متراً عن الفجيرة من جهة الغرب، وتقع على الطريق ما بينها ومنطقة مسافي . ويحدها من الشرق منطقة البثنة ومن الغرب جبال منطقة ام سكنة القديمة ومن الشمال منطقة دفتا التابعة لرأس الخيمة .
تتميز القرية التي ترتمي بين أحضان الجبال الشاهقة الارتفاع والهضاب الصخرية ذات الألوان المتعددة بانتشار المزارع الخضراء وبوجود عدد من بقايا البيوت القديمة والآبار وينابيع المياه التي استخدمها سكان البليدة في الماضي، كما تتميز بكثرة الأودية فيها حيث يجري بين أراضيها وادي حام ووادي البليدة الكبير وعدد من الشعاب الصغيرة التى تجري بها المياه من على رؤوس الجبال في مواسم هطول الأمطار، وتعد البليدة من أخصب الأراضي وتتوافر فيها المياه مما ساهم في انتشار زراعة العديد من الأشجار والمحاصيل المتنوعة والعديد من الأشجار والنباتات البرية .
يقول الحاج سالم راشد الزيودي: عاش أهالي البليدة قديماً وسط جبال أم سنكة الواقعة في الجهة الغربية لمنطقة البليدة في منازل شتوية من الحصى والطين ويتم وضع أغصان الأشجار والحشائش على شكل مثلث وبطريقة لا تسمح بتسرب مياه الأمطار إلى داخلها، ومازالت هناك العديد من بقايا هذه البيوت موجودة حتى الآن متناثرة هنا وهناك بين جبال منطقة أم سكنة رغم مرور وقت طويل على هجرة أهلها .
كان بعض الأهالي يقومون ببناء بيوت العريش من سعف النخيل وأغصان الأشجار في المنطقة، ويعملون في الزراعة بجميع أنواعها لكثرة مياه الأمطار والآبار العذبة والينابيع التي كانت تكثر فيها كما أن وجود وادي حام ووادي البليدة الكبير والعديد من الأودية والشعاب أسهم في جعل المنطقة زراعية خصبة لذلك تتميز بوجود عدد كبير من المزارع، ومنها ما يعود إلى أكثر من 200 عام محددة بحاجز صخري يسمى “الطية” مصنوع من الطين والصخر القاسي إلا أن بعضها تعرض للإهمال مؤخراً بسب قلة الأمطار . كما كنا قديماً نزرع الفندال والشعير والبر والغليون والذرة بأنواعها . ويقول راشد محمد البريكي: “معيشة الأهالي في الماضي كانت بسيطة واعتمد فيها على الزراعة وتربية الحيوانات مثل الأغنام والأبقار وبعض الطيور وجمع العسل البري وجمع الحطب كما اعتمد العديد من أهالي القرية على تجارة المحاصيل الزراعية والحطب والعسل البري وذلك من خلال رحلات تجارية حيث كان بعض الأهالي يقومون بتحميل الجمال والحمير بالسخام “الفحم” والحطب والسمن والتمور والعسل لبيعه في أسواق دبي والشارقة وشراء الأرز والدقيق والسكر والبن والهيل وغيرها من احتياجات الأهالي . وكما كان يقول الآباء والأجداد إن الرحلة التجارية الواحدة قد تستغرق نحو 5 إلى 6 أيام ذهاباً وإياباً . وكانوا يطبخون على الطريق الأرز والسمك أو اللحم المجفف .
وأشار علي محمد البريكي أبو عبيد: إلى أن عدد بيوت أهالي البليدة قديماً نحو 15 منزلاً مبنية من الطين والحجارة وأغصان أشجار النخيل والسدر والسمر واستمرت حياة الأهالي في العيش في هذه البيوت حتى انتقلوا عام 1978 إلى أخرى حديثة ومتطورة بناها لهم الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم – رحمه الله – كما تطورت الحياة من الجوانب جميعها .
ويقول: على الرغم من تعدد القبائل الموجودة في منطقة البليدة إلا أن ما يميز أهلها الترابط والتراحم والتعاون في كل الأوقات وفي جميع المناسبات استمرارا لعادات الأجداد والآباء حيث يسكن المنطقة العديد من القبائل وهم قبيلة البريكي واليماحي والزيودي والزحمي والحمودي وكلهم من القبائل العربية الأصيلة وهم متعاونون في جوانب الحياة المختلفة والصغير يحترم الكبير والكبير يشفق على الصغير .
وأضاف: “يتميز أهالي البليدة بالكرم والشهامة والشجاعة وحب العمل والاخلاص للوطن وللقيادة الرشيدة كما يمتلكون موروثا يعتزون به دائماً” .
يقول عبيد محمد عبيد البريكي: “على الرغم من أن الحياة في الماضي كانت قاسية وشاقة لكن تعلمنا منها القوة والمهابة والشجاعة حيث اعتمدنا فيها على مصادر عيش محدودة مثل العمل بالزراعة وتربية المواشي وجمع العسل البري والحطب من كهوف الجبال، وعلى الرغم من ذلك كانت الحياة في الماضي بسيطة وهادئه واستطاع الأهالي أن يسخروا كل إمكانات الطبيعة لمصلحتهم كما كانت تتميز بالمحبة والتعاون والترابط بين الأهالي حيث يعشون كأسرة واحدة .
ويؤكد البريكي أن البليدة تتميز منذ القدم بخصوبة أرضها وبطبيعتها الخلابة وكثرة مزارعها الخضراء وبوجود الأشجار والنباتات الطبيعية التي تستخدم في علاج الكثير من الأمراض .
كما كانت تتميز بكثرة انتشار الآبار العذبة والينابيع التي ساهمت في تشجيع الأهالي على زراعة العديد من المحاصيل والأشجار المتنوعة . كما امتهن الأهالي قديماً مهنة القنص حيث كانوا يصطادون الطيور والغزلان والحجل والأرانب البرية والظباء وغيرها من الحيوانات .
وعن العادات والتقاليد في البليدة قديماً يقول الحاج علي محمد اليماحي 87 عاماً: “كانت الأعراس في الماضي تنظم على مدى يومين ويكون الفطور والعشاء في اليوم الأول على أهل العروس بينما الغداء وبقية وجبات اليوم الثاني ينظمها أهل العريس وكان أهالي المنطقة والمناطق المجاورة متعاونين لإتمام العرس على أكمل وجه وبأبهى حلة وكانت النساء يرددن أغانيهن والرجال في الخارج يؤدون الرقصات والدبكات والأهازيج الشعبية حاملين سيوفهم وأسلحتهم القديمة . كما أن العرس لم يكن مثل وقتنا الحاضر فلم تكن المهور غالية فلم تتجاوز 500 درهم ولم يكن هناك تكاليف كثيرة على العريس” .
وأضاف اليماحي: “عشت أنا وأسرتي قديماً في منزل طيني مطعم بالحصى وقمته مغطاة بنباتات العسبق على شكل قبة وكان البعض من أهالي القرية يقومون ببناء حظيرة من أغصان أشجار السمر والسدر وشجر العسبق ويتخذها حدوداً للمسكن كما كانت حياتنا بسيطة وطبيعية قائمة على مبدأ التعاون والمساعدة والمحبة بين الجميع، وكنت معتمداً قديماً على جمع الحطب وعمله سخام “فحم” والقيام بأعمال الزراعة إضافة إلى مهنة القنص وكنت اصطاد العديد من أنواع الطيور البرية والوعول الجبلية والغزلان التي كانت تكثر في جبال البليدة والمناطق المجاورة .
وأوضح أن أهالي البليدة والمناطق المجاورة كانوا في الماضي يأتون بالأعشاب والنباتات الطبية من الجبال حيث تكثر في فصل الربيع ومواسم هطول الأمطار ويستخدمونها في علاج الكثير من الأمراض مثل المغص والتهاب اللوز والمعدة وارتفاع الحرارة ويوضح أن من بين تلك الأعشاب عشبة تركة صالح وكانت تستخدم لعلاج آلام الصدر وعشبة جيشوم لمكافحة الإمساك، وعشبتي الحرمل والجعدة ونباتات البان والتمر والخطف وهي أعشاب تستخدم للعلاج بين جميع أهالي المنطقة والمناطق
المجاورة حتى الآن ما زال العديد من الاهالي يستخدموها . كما استخدم الوسم “الكي” كأحد الحلول النهائية للأمراض التي لا تعالج بالأعشاب الطبيعية” .
يقول محمد سيف اليماحي: البليدة تتميز عن غيرها بالهدوء الشديد وبمناطقها الساحرة ووجود الوديان كما تتميز أنها ذات أرض طيبة تحيط بها الجبال الملونة من الجهات جميعها وتتميز بكثرة مزارعها الخضراء التي تكثر فيها أشجار النخيل والهامبا والحمضيات وغيرها من المزروعات والمحاصيل . وأضاف: “لايزال الأهالي يزرعون حشائش الدخن التي نستخرج منها الحبوب الحمراء ونصنع منها المقطوعة وهي تشبه الحلوى العمانية . حيث تطحن الحبوب ومن ثم يضاف إليها العسل أو الدبس والسمن العربي إلى أن تتشكل وتصبح سميكة نوعاً ما وبعدها تقطع إلى مربعات وتؤكل، كانت تلك الوجبة تشبع آكلها يوماً كاملاً لكنها لا تصنع حالياً إلا نادراً .
ويضيف: “هناك العديد من النباتات التي تنمو في جبال منطقة البليدة وأهمها النباتات الطبيعية مثل الزبيدية والحماض والسيداف والعرجون وأشجار السمر والسدر ويرجع السبب في كثرة هذه النباتات إلى خصوبة التربة ووجود مياه آبار عذبة وهطول الأمطار في مواسمها على المنطقة .