تعد فاطمة المغني من أوائل الباحثات الاجتماعيات في الإمارات، اهتمت بالتراث منذ نعومة أظفارها، وسعت لنشره وحفظ الذاكرة للأجيال المقبلة، تشارك في القضايا الإنسانية والتطوعية، ومسيرتها حافلة بالمشاركات في الفعاليات المتعددة في الدولة حيث تربت في أسرة إماراتية كبيرة اعتنت بتربية أبنائها وفق التقاليد الأصيلة، وتطوعت في مجالات متعددة، كما أسست متحفاً للتراث سعياً للحفاظ على إرث عائلتها رغم بعض التحديات.
ترى المغني أن المتاحف انعكاس للحياة الاجتماعية التي تمر بها المجتمعات، وأن الإمارات تحافظ على تراثها لأن القيادة تدرك أن الحفاظ على المكتسبات المادية والمعنوية أساس البناء والتنمية.
وأكدت المغني أن التطوع بالنسبة لها هو حياة أخرى، كما أنه ضرورة لأي فرد لكي يشعر بالرضا والسعادة.
وأشارت إلى أنه لو كان هناك شيء تود تغييره، لكان بقاءها في نفس الوظيفة لمدة 34 عاماً، ناصحة الجيل الجديد بالتغيير والتنوع حتى تتوسع مدارك الإنسان، ليترك في كل مكان أثراً ويأخذ خبرة، فالتغير سنة الحياة.
حدثينا عن البدايات.
لم تكن البدايات سهلة على جيلنا، ولدت ونشأت في أسرة كبيرة العدد، من الجد والجدة والعمات والخالات والأخوال والأعمام وكلهم يعيشون في نفس البيت، درست المرحلة الابتدائية والإعدادية والثانوية في مدرسة جميلة بوحيرد في مدينة كلباء، وهي مدرسة تحمل اسم مناضلة جزائرية ضد الاحتلال وكانت بالنسبة لنا فخراً وقدوة وكنت أتخيلها وأتخيل شكلها وقوتها وبطولاتها، وحين أذكر مدرسة جميلة بوحيرد فإنني أتذكر أنها من أوائل مدارس البنات في المنطقة الشرقية وكانت المدرسة الوحيدة التي تخرج المرحلة الثانوية، حيث كانت الطالبات يأتين من الفجيرة وخورفكان للدراسة.
متى أنهيتِ الثانوية؟
كنت من ضمن الطالبات اللاتي أنهين المرحلة الثانوية في عام 1977 وحينها افتتحت جامعة الإمارات، وكان شغلي الشاغل أن أنهي تعليمي رغم أن غالبية الفتيات اللاتي كن معي في المدرسة اكتفين بالمرحلة الثانوية، لكن جدي أصر أن أكمل تعليمي، ولعلي كنت محظوظة بذلك.
كيف تصفين انتشار ثقافة التعليم في تلك الأيام؟ ليست كما هي اليوم، كنت من ضمن 3 طالبات أنهين الثانوية العامة في المدرسة، حيث كانت الفتاة تتزوج مبكراً في تلك الأيام وأغلب الفتيات يكملن الرحلة الابتدائية فحسب، ولعل مرحلة الجامعة هي الأصعب فقبل افتتاح جامعة الإمارات أوفدت عدداً من الطالبات اللاتي أنهين الثانوية إلى الخارج لاستكمال دراستهن، أما نحن فكانت الدراسة في الدولة بعد افتتاح جامعة الإمارات.
ما الذي كان يشغل بالك في تلك المرحلة؟
كان يشغلنا نشر الوعي بالتعليم، وكنت أتمنى أن تكون هناك مراكز لمحو الأمية وتعليم الكبار، كنت أتمنى أن تستطيع كل مرأة أن تكتب وتقرأ وتكون مواكبة للعصر وتم تحقيق الحلم بقيادة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه حيث افتتح مراكز تحفيظ القران ومحو الأمية وتعليم الكبار واتجه كثير من الآباء والأمهات للمراكز ليتعلموا.
لمَ اتجهتِ للبحث الاجتماعي والثقافي؟
اتجاهي للبحث الاجتماعي بعد إنهائي الثانوية وتزوجت، حينها أعلنت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية آنذاك عن وظيفة للعمل في مركز التنمية الاجتماعية في خورفكان في عام 1979، ومنذ ذلك اليوم وأنا شغوفة بالعمل الاجتماعي حيث عملت على الدراسات والأبحاث في الزواج والطلاق والزواج من الخارج وكذلك الأبحاث المتعلقة بمستوى الأسرة المعيشي. كان لي دور في البحث الاجتماعي والعمل الاجتماعي وكانت لي بحوث ميدانية للأسر المحتاجة، وعملت على حصر ذوي الهمم وعلى إثرها أقيمت مراكز متخصصة لهم، وعملت على مبادرات الأعراس الجماعية ومسابقات صندوق الزواج وكنت عضو تحكيم فيها، وأسست مبادرة “نحو صيف هادئ للشباب في المنطقة الشرقية” لاستغلال وقت الفراغ في الصيف.
من كان له أبرز الأثر في شخصيتك ومسيرتك؟
الأسرة أثرت فيَّ كثيراً، كنا كخلية النحل. التي تبحث دائماً عن العمل والاهتمام بالصغير والكبير والبحث عن التميز، لكن جدي عبيد زايد المغني بالتحديد كان رجلاً استثنائياً حيث كان هو القدوة على رأس الهرم وكان يؤمن بالعلم والثقافة، وكان رجلاً يحب التطوع يصلح بين الناس ويحل مشاكلهم ولا يتوانى للسفر أحياناً لحل مشكلة تواجه عائلة في منطقة أخرى، كنا نسمع حكاياته عن العمل والكفاح وكنا نرى أمام أعيننا الكرم متجسداً، وكذلك والدتي شيخة يوسف المغني التي كان لها دور كبير في حياتي وكانت نموذجاً للسيدة الإماراتية التي دائماً تساعد المحتاج حيث كانت أم الجميع وتؤوي الكثير من الأيتام وذوي الهمم، أما الشخصية الأبرز في حياتنا فهي شخصية المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه، نحن الجيل الأول من السيدات كنا محظوظات بوجوده في حياتنا حيث حقق للمرأة الكثير من الأمنيات وحدث تحول جذري للمرأة الإماراتية في أحوالها وبدأت الرجال والنساء الاقتناع بتعليم المرأة والبحث عن الأشياء الحميدة لغرسها لدى الأجيال، وحث الأبناء على التعليم واتجاههم على الوعي وهذه الأمور أثرت بشكل كبير في كل من عاصر الشيخ زايد.
هل يمكن أن تتوقفي عن التطوع يوماً؟
التطوع بالنسبة لي حياة أخرى، تربيت عليها منذ نعومة أظفاري، كنا نتطوع لتنظيف الساحة، وكنا نساعد الجيران، ونقوم بأعمال عدة لأجل أي إنسان محتاج، لا يمكن أن أتوقف عن المساعدة يوماً وأعتقد أن التطوع ضرورة لأي فرد لكي يشعر بالرضا والسعادة.
وماذا عن متحفك الخاص؟
سعيت للحفاظ على إرث عائلتي رغم بعض التحديات التي واجهتني، واحتفظت بالمقتنيات في منزلي أولاً وجعلته متحفاً، ومن ثم أتيحت لي الفرصة بأن أحفظ المقتنيات في متحف باسمي في القرية التراثية بخورفكان، متضمناً قطعاً ترجع إلى قرنين، وضعت فيه أدوات المعيشة وأدوات البحث الاجتماعي وزينة المرأة والحلي والمجوهرات والحنا. المتاحف انعكاس للحياة الاجتماعية التي تمر بها المجتمعات، والإمارات تحافظ على تراثها لأن القيادة تدرك أن الحفاظ المكتسبات المادية والمعنوية أساس البناء والتنمية. المتاحف تعبير عما بداخل الإنسان من تقدير واحترام وتمسك بقيمه وعاداته، وتقدير لما قام به الأجداد في تلك الأيام برغم الصعوبات، وهذا يميز مجتمع الإمارات الذي يحافظ على تراثه بجانب الطفرة الإنمائية والاقتصادية.
ما الذي وددت تغييره في مسيرتك؟
لو كان هناك شيء أود تغييره، لكان بقائي في نفس الوظيفة لمدة 34 عاماً، أنصح الجيل الجديد بالتغيير والتنوع حتى تتوسع مدارك الإنسان، ليترك في كل مكان أثراً ويأخذ خبرة، فالتغير سنة الحياة.
أبرز المحطات
نشأت المغني في مدينة خورفكان ودرست في مدرسة جميلة بوحيرد في مدينة كلباء التابعة لإمارة الشارقة، وقد تأثرت بمسيرة المناضلة بوحيرد التي تحمل المدرسة اسمها.
عينت عضواً للمجلس الاستشاري في إمارة الشارقة في عام 2004 وكانت من أوائل الرائدات في المجلس الاستشاري، وعملت رئيسة لمجلس سيدات أعمال إمارة الشارقة في 2007 وعضو اللجنة التنفيذية لمجلس سيدات أعمال الإمارات، وكرمت كإحدى الرائدات في العمل التطوعي في جائرة الشارقة للتطوع 2003 فئة الأفراد وحصلت على وسام سمو الشيخة جواهر القاسمي للأداء المتميز.
أقول للشباب:
تمسكوا بعاداتكم وتقاليدكم وتراثكم.
التطوع ضرورة لأي فرد كي يشعر بالرضا والسعادة.
أنصحكم بالتغيير والتنوع حتى تتوسع مدارك الإنسان، ليترك في كل مكان أثراً ويأخذ خبرة، فالتغير سنة الحياة.