الحنين للمكان الأول؛ حيث دبا الفجيرة، هو أثر ما زال عالقاً في وجدان الشاعر الإماراتي خالد الظنحاني، ومن خلال هذا المكان، نبغت الموهبة، وتطورت لاحقاً إلى شعر وحالة وجدانية وثقافية يعيشها، فدبا الفجيرة شهدت ولادة ديوانه الأول «أول منزل» وهو يحضر لرواية من وحي ذلك الحضن الدافئ، وهو عمل أدبي يجمع فسيفساء هذه الذاكرة، فيصل ماضيها بحاضرها، ويحمل رسالة وفاء لهذه الذاكرة العريقة مستقبلاً.
يتحدث الظنحاني عن هذه البدايات كما يتحدث عن مصادر ثقافته وأبرز اهتماماته الثقافية وشواغله الأدبية.
يذكر الظنحاني كتابه الأول «أول منزل» بفخر كبير، كما يؤكد يحتل مكانة كبيرة لديه؛ لارتباطه بمحطات مختلفة في حياته، وذكريات قيّمة يحن إليها دائماً بين أحضان أسرته وبيئته الأم في دبا الفجيرة؛ حيث ترعرع وتشبع بمعاني الجمال والقيم الأصيلة، ويقول: «هذه البيئة بذرت فيّ ذرة الشاعر والأديب، وفي الكتاب حملت القارئ في رحلة مشوقة بين يومياتي وتجاربي وذكرياتي الخاصة بالطفولة والشباب؛ حيث غرس فيّ الوالد حب الكلمة، وألبست بيئتي هذا الغرس، وشاح البهاء والسحر والأصالة وساهمت الحياة والاطلاع على الثقافات في تعهد هذا الغرس؛ فأثمر نتاجات أدبية كان أولها (أول منزل)».
دبا الفجيرة
ولكون بعض الكتّاب يترددون في الاعتراف بنتاجاتهم الأولى، فالظنحاني ليس من هؤلاء، فهو يعتز بهذه التجربة؛ ويقول: «يحتل هذا الكتاب مكانة خاصة عندي، وأعتز به أيما اعتزاز، فهو من أهم الكتب التي وثقت ذاكرة الإنسان في دبا الفجيرة، وفيه تسكن ذاكرة اجتماعية خاصة بهذه المنطقة، ارتبطت بأحداث وشخصيات ذكرتها باستفاضة، ووثقت يومياتها المتغلغلة في الأصالة» ويتابع: «في الكتاب تتعانق الأحداث والصفات مع معجم تراثي عريق، يرحل بين الكلمات والمعاني، ويتشبع بدلالات ورموز ثقافية نعمل على حفظها في ذاكرتنا المجتمعية، وعلى ترسيخها بين الأجيال».
ينظر الظنحاني إلى القراءة بوصفها شغفاً وإيقاعاً، لا يكاد يفتر في حياته، وجزء لا يتجزأ من معيشته ويقول: «مجالسة الكتاب من أكثر الجلسات التي تمتعني، وتجعلني أسافر بين الأزمنة والثقافات، وأنهل دون توقف من المعاني والدلالات، وهي رياح طيبة تحافظ على جذوة عشقي للكلمة المقروءة متقدة على الدوام».. وهو يعد القراءة ذات تأثير كبير على المبدع، والتأثر بالكتب مسألة بدهية، فهي تغذي الذائقة وتجعل الكاتب أكثر قدرة على انتقاء الأجمل بينها، ويقول: «لدي عدة كتب ومؤلفات، أكن لهم الاحترام والتقدير والإعجاب، على ما تتضمنه من أقلام راقية، وطروحات عميقة».
تنويع القراءات وعدم الانحياز لجنس أدبي محدد، هو ما يؤكده خالد الظنحاني، فيذكر أنه يهتم الآن بكتب التاريخ والأدب والرواية، ويحرص على تنويع قراءاته ويقول: «الكتاب يرحل بك بين العصور والثقافات ويجعلك تحلق بذائقتك الأدبية بعيداً في عنان العطاء والإبداع».
والظنحاني يتبنى مشروعاً ثقافياً يعمل عليه، وفي هذا يقول: «منذ 11 سنة أطلقت مشروعي الثقافي الدولي في العاصمة الفرنسية باريس، ويهدف إلى إبراز الوجه الحضاري لدولة الإمارات، والتعريف به لدى شعوب العالم، وتعزيز التواصل مع الثقافات الأخرى، وقد تم ذلك عام 2008 على هامش مشاركتي في فعاليات «الفجيرة الثقافية» ونظمتها هيئة الفجيرة للثقافة والإعلام بالتعاون مع معهد العالم العربي في باريس».
ويتابع عن ملامح هذا المشروع، فيؤكد أنه خلال الأحد عشر عاماً الماضية قام بإحياء أكثر من 42 ندوة شعرية وثقافية في 13دولة،
كما ترجمت قصائده إلى لغات عدة، وحصل من خلالها على جوائز وأوسمة وتكريمات محلية ودولية.
مصادر المعرفة
يعتقد الظنحاني بأن الكتاب سيظل، وسيبقى هو المصدر الأول للثقافة والمعرفة، وفي هذا يقول: «مهما تغيرت وسائل المعرفة وتنوعت الوسائط وتطورت، فالكتاب يبقى المرجع والأساس لإثراء الزاد المعرفي للناس، ومن خلاله نتجول بين الثقافات والطقوس والعادات، وبواسطته تتلاقح التجارب والخبرات». ويتابع: «فمهما تحدث المتحدثون عن أفول شمس الكتاب الورقي، فإن الحنين والتعلق بالكتاب ما زال يثبت وجوده، وأن وجود وسائط رقمية وغيرها من مسائل المعرفة اليوم مهم جداً، لكنه لا يعزل الكتاب الورقي، ولا ينزله عن عرشه».حيث يؤكد أننا اليوم ما نزال نعمل على تمرير هذه الثقافة لأبنائنا ليظل نجم حب الكلمة المقروءة ساطعاً عبر الأجيال، فنحن نشجع على اعتماد وسائل المعرفة الحديثة، لكننا نربطها ثقافياً وعاطفياً بحب الكتاب الورقي أيضاً، ويقول: «هناك تكامل بين ماهو حديث وعريق في وسائل المعرفة اليوم».ترميم الذاكرةفي هذه الأيام يحضر الظنحاني لإصدار رواية تتمحور حول ترميم الذاكرة الثقافية لدبا الفجيرة بشكل عميق من خلال عمل أدبي يجمع فسيفساء هذه الذاكرة في مشهد إبداعي أصيل، يصل الماضي بالحاضر، ويحمل رسالة وفاء لهذه الذاكرة العريقة مستقبلاً.
عثمان حسن