كشفت الأمطار الغزيرة، التي شهدتها مناطق عدة في الدولة أخيراً، خصوصاً المنطقة الشرقية، عيوباً إنشائية في عدد من المنازل، إذ تعرضت جدران خارجية وداخلية للتصدع، بعد سقوط الأمطار، وتعرضت سقوف منازل لأضرار جعلتها آيلة للسقوط، بما يؤكد أنها لم تكن جاهزة لمواجهة حالات الطقس الاستثنائية من دون أضرار.
وأفاد ملاك منازل متضررة، بأنهم لجأوا إلى الجهات المسؤولة للمطالبة بإنشاء السدود في مناطق تجمع مياه الأمطار، قبل أن يتبين لهم أنهم تعرضوا لغش من المقاولين والاستشاريين الذين تعاقدوا معهم لبناء منازلهم، لافتين إلى اختيار هؤلاء مواد بناء لا تنسجم جودتها مع ما هو متوقع منهم، بعدما سددوا لهم مبالغ مالية كبيرة.
وبدوره، أفاد مدير بلدية الفجيرة، المهندس محمد الأفخم، بأن البلدية تعوّض المواطنين والمقيمين الذين تتعرض مساكنهم للضرر أو التلف نتيجة الأمطار الغزيرة، بحسب درجة الضرر، بعد تحديد أسباب التلف بشكل رئيس عبر فرق متخصصة، وشرح أنه في حال ثبت الضرر على جهات أخرى، يرفع الأمر إلى الجهات المعنية لإيجاد الحلول المناسبة، بما يكفل الحد من ظاهرة دخول مياه الأمطار إلى المساكن مجدداً.
وتفصيلاً، قال المواطن سعيد محمد، من منطقة مربض في الفجيرة، إن منزله يتعرض بشكل دائم لأضرار واضحة أثناء هطول الأمطار، ما يجبره على إجراء أعمال صيانة وإصلاح مستمرة له، مستعيناً باستشاري ومقاول معتمدَين، ويسدد مبالغ كبيرة لتأمين المنزل من الأمطار والعوامل الجوية خلال السنوات المقبلة، كما يقول.
وتابع أنه فوجئ برفض إصدار شهادة إنجاز، بعد تنفيذ أعمال الصيانة اللازمة لمنزله، باعتبار أن المبنى غير قابل للسكن، وآيل للسقوط بسبب وجود عيوب في المواصفات المفروضة في البناء، إذ لم تصبّ الخرسانات بشكل مطابق للقانون.
وأشار إلى أنه لم يتمكن من السكن في منزله بسبب هذه الأخطاء، على الرغم من أنها تسببت في خسارة مالية كبيرة له.
وأيده في الرأي المواطن محمد جمعة، من منطقة قدفع، قائلاً: «تعرض منزلي للضرر بسبب الأحوال الجوية السيئة، وفوجئت – بعد إرسال فرق من البلدية لدراسة أسباب تشقق الجدران وتقدير حجم الأضرار التي خلفتها الأمطار – بأن السبب الفعلي هو غش المقاول والاستشاري، إذ اختارا أردأ أنواع مواد البناء، على الرغم من حصولهما على أموال طائلة مقابل الأعمال الإنشائية».
من جانب آخر، نظرت محكمة جزاء الفجيرة في قضية مواطن اتّهم مقاولاً واستشاري بناء بالغش التجاري، بعدما أصبح منزله «في وضع لا يسمح له بالسكن فيه»، وفق تعبيره.
وتعود التفاصيل إلى أن المجني عليه استعان بمقاول واستشاري لبناء منزله، إلا أن أعمدة المنزل تشققت بسبب الأمطار الغزيرة، التي شهدتها إمارة الفجيرة أخيراً.
كما ظهرت عيوب في بناء المنزل أكدت استغلال المقاول له.
وأجرى المجني عليه أعمال صيانة لإصلاح ما تضرر من المنزل، إلا أنه فوجئ برفض الجهة المسؤولة إصدار شهادة إنجاز له، لأن المبنى آيل للسقوط، ولوجود عيوب في المواصفات، وعدم صبّ الخرسانات بشكل مطابق للقانون.
وطالب المجني عليه بمعاقبة المتهمَين بسبب خسائره المالية، ولاتزال القضية مؤجلة للحكم.
من جانبه، دعا المحامي والمستشار، راشد الحفيتي، المواطن المتضرر إلى اللجوء للقانون لمحاسبة الاستشاري أو الشركة التي اتفق معها، إذا ثبت أن هناك تقصيراً، أو عيوباً إنشائية أو نواقص في التنفيذ، تهدد سلامة المبنى وتجعله غير صالح للاستخدام، مؤكداً حقه في تقديم شكواه، ومطالبة الجهات المختصة بالفصل بينه وبين شركة المقاولات ومكتب الاستشارات الهندسية.
وبيّن الحفيتي الخطوات التي يتعين على المتضرر اتباعها في هذه الحال، وهي رفع دعوى أمام المحاكم المدنية، يطلب في ختامها الحكم له بندب خبير هندسي لمعاينة المبنى، وتحديد العيوب التي تسببت فيها شركة المقاولات، وقيمتها، وكيفية إصلاحها، وقيمة إصلاحها، والمتسبب فيها، ثم يعدل طلبه أمام المحكمة المختصة طالباً تعويضه عن قيمة الإصلاحات، إن كان هناك مجال لإصلاحها.
وأشار إلى أن المتضرر يستطيع أن يشكو مُلاك ومديري ومهندسي شركات المقاولات ومكاتب الاستشارات الهندسية لدى النيابة العامة، لكن يشترط أن يحصل على تقرير فني معتمد من الجهات المختصة (البلديات) بالعيوب الإنشائية الموجودة في المبنى من الناحية الإنشائية، وفي هذه الحال، توجه النيابة العامة لملاك ومديري ومهندسي شركات المقاولات ومكاتب الاستشارات، تهمة الغش التجاري، طبقاً للمادة 423 من قانون العقوبات الاتحادي، التي نصت على أنه «مع عدم الإخلال بأي عقوبة أشد، يعاقب بالحبس والغرامة، أو إحدى هاتين العقوبتين، كل من غش متعاقداً معه في حقيقة بضاعة، بطبيعتها أو صفاتها الجوهرية أو العناصر الداخلة في تركيبها، أو نوع البضاعة أو مصدرها في الأحوال، التي يعد فيها ذلك سبباً أساسياً في التعاقد، أو في عدد البضاعة، أو مقدارها أو قياسها أو كيلها أو وزنها أو طاقتها، أو في ذاتية البضاعة إذا كان ما سلم منها غير ما تم التعاقد عليه. ويعاقب بالعقوبة ذاتها من استورد أو اشترى أو روّج هذه البضاعة بقصد الاتجار فيها وهو يعلم حقيقتها».
وأضاف الحفيتي أنه – بعد ثبوت الغش التجاري، وإدانة شركات المقاولات ومكاتب الاستشارات الهندسية، في حال ثبت وجود تقاعس منها أو أنها اشتركت مع شركات المقاولات في هذه الجريمة – يحق للمواطن أن رفع دعوى مدنية أمام المحكمة المدنية ضد شركة المقاولات ومكاتب الاستشارات الهندسية، للمطالبة بإلزامها بالتعويض عن الأضرار.
ولفت إلى المادة 298 من قانون المعاملات المدنية، التي تنصّ على أنه «لا تُسمع دعوى الضمان الناشئة عن الفعل الضار بعد انقضاء ثلاث سنوات، من اليوم الذي علم فيه المضرور بحدوث الضرر والمسؤول عنه»، مؤكداً أن على المتضرر من الغش رفع دعوى للمطالبة بحقوقه المدنية والتعويضات خلال ثلاث سنوات من تاريخ علمه بالفعل الضار (الغش)، وبالمسؤول عنه (شركات المقاولات ومكاتب الاستشارات الهندسية) بعد ثبوت حدوث الغش، وصدور أحكام نهائية وباتّة تدين شركات المقاولات ومكاتب الاستشارات الهندسية، أو من يمثلها، من المحكمة الجزائية، حتى لا يتعرض لضياع حقه».
من جانبه، قال مدير بلدية الفجيرة، المهندس محمد الأفخم، إن البلدية تعوض المواطنين والمقيمين الذين تتعرّض مساكنهم للضرر أو التلف نتيجة الأمطار الغزيرة، بحسب درجة الضرر، بعد تحديد أسباب التلف بشكل رئيس عبر فرق متخصصة، وشرح أنه في حال ثبت الضرر على جهات أخرى، يرفع الأمر إلى الجهات المعنية لإيجاد الحلول المناسبة، بما يكفل الحد من ظاهرة دخول مياه الأمطار إلى المساكن مجدداً.
ولفت الأفخم إلى حرص البلدية على التعاون مع الجهات المعنية لتعويض أصحاب المساكن، داعياً المتضررين إلى مساعدة الفرق المختصة على حصر الأضرار وتقييمها، تمهيداً لتحديد قيمة التعويض.
أكد المهندس السياب معتصم تكرار حوادث سقوط الجدران نتيجة الأمطار، خلال السنوات الماضية، عازياً ذلك إلى تعرض أصحاب المنازل لعملية احتيال من المقاولين.
وحمّل أصحاب المنازل جزءاً من المسؤولية عما تعرضت له منازلهم «لأن ما جعلها متهالكة، وغير قادرة على الصمود أمام الأمطار الغزيرة، وعند عبور الأودية من أمامها، هو اللجوء إلى المقاول والاستشاري الأقل كلفة، على حساب جودة الخامات المستخدمة».
وشرح معتصم أن انخفاض الكلفة يعني اختيار مواد بناء أقل جودة أو مغشوشة، داعياً إلى تكثيف برامج التوعية للمواطنين الشباب، لإكسابهم الخبرة اللازمة عند اختيار المقاول والاستشاري لبناء منازلهم مستقبلاً.
سمية الحمادي – الإمارات اليوم