لفت الممثل والكاتب المسرحي حميد فارس، أنظار المسرحيين واقتنص إعجاب الجمهور عندما تسيّد الخشبة وفرض حضوره الجامح في مسرحية «السلوقي» التي عرضت في 2011 والتي صاغها المخرج المتميّز حسن رجب بحرفية عالية، وقدّم فيها فارس دوراً يمكن وصفه بالاستثنائي وفق مقاييس الأداء التي اعتدنا مشاهدتها في عروض المسرح الإماراتي، وفاز نتيجة هذا الأداء المتفرّد بجائزة أفضل ممثل دور أول في أحد المهرجانات المسرحية الخليجية.
منذ تلك الإشراقة التعبيرية، أصبح حميد فارس – الذي يتوسّط جيل المخضرمين والشباب- مثالاً ساطعاً للفنان المسرحي المخلص لطقسه الأدائي، لفرادته وتميزه أيضاً، ولعمله المتواصل في الحقول الفنية والأسلوبية التي ترتفع بها أركان المسرح، وهي الكتابة والإخراج والتمثيل، بحيث تنحاز المخرجات هنا وبشكل كامل للإبداع التوليفي، بما يحتويه من جماليات زاهية، وللابتكار البصري، بما يتضمّنه من مقاييس مبهرة. وبمناسبة اختياره الشخصية المكرّمة في الدورة القادمة من مهرجان كلباء للمسرحيات القصيرة التي تنظمها إدارة المسرح بدائرة الثقافة بالشارقة في الفترة من 26 إلى 30 سبتمبر الجاري، التقت «الاتحاد» بحميد فارس لاستقصاء مسيرته الفنية، ورصد معالم الشغف في تجربته المسرحية المحمّلة بوعود كثيرة قادمة.
عاد بنا حميد فارس في مستهل حديثه إلى العام 1990 ليشرع في توصيف علاقته بالمسرح، عندما خدمته الصدفة المحضة أو ضربة القدر الموفقة والتي جعلته مشاركاً وهو طفل في مسرحية «سكة طويلة» من إنتاج مسرح الفجيرة، حيث قاده شقيقه الأكبر إلى ساحة الخيال تلك وتركه في معية الدهشة التي انبثقت في روحه منذ ذلك اليوم ولم تفارقه إلى الآن، دهشة سوف تنقله بعد ذلك إلى مضمار حافل بالتحدي وإثبات الذات وتطوير القدرات الأدائية لتحويل الصدفة إلى ضرورة، والهاجس إلى فعل، والشغف إلى اشتغال، وكان هذا الاشتغال – كما وصفه – جديّاً وحقيقياً ومستنداً إلى رغبة مخلصة في مواصلة العمل والبحث والاجتهاد، سواء على المستوى النظري أو المستوى التطبيقي.
واستطرد فارس قائلاً: «كانت الاسكتشات المسرحية التي شاركت بها في الأعمال الجماهيرية المخصصة لفترة الأعياد، هي الخطوة التالية في مسيرتي الفنية والتي تعرفت من خلالها على قيمة وحجم المسؤولية الأدائية وثقلها، عند مجابهة جمهور عريض ومتعدد الأطياف والأذواق»، مشيراً إلى أن النقلّة الأهم والأكبر في تجربته مع المسرح كانت في العام 2009 عندما تم اختياره لتقديم دور محوري في مسرحية «على جناح التبريزي وتابعه قُفّه» من تأليف الكاتب المصري ألفريد فرج، وإخراج حسن رجب للمشاركة في المهرجان المسرحي بالقاهرة، وموضحاً أن هذه المسرحية كانت هي الانطلاقة الحقيقية له، وكانت بمثابة الشرارة أو الوهج الذي أضاء طريقه إلى الخشبة، حيث توالت العروض والترشيحات التي تلقّاها من عدّة مخرجين للمشاركة في أعمالهم، خصوصاً الأعمال المقدمة لأيام الشارقة المسرحية ذات التوجه الفني الخاص والمعتمد على نتاجات نوعية وراكزة في إطار تنافسي قوي، يحفّز المخرجين والممثلين والعاملين في المسرح لتقديم أقصى طاقاتهم للظفر بإعجاب وتقدير النقّاد والمتابعين لهذا المهرجان الكبير.
وفي سؤال حول مدى ارتباطه بالمسرح اليوم وهل وصل هذا الارتباط إلى الشكل الاحترافي الناصع، أجاب فارس بأنه ارتباط متأرجح بين الهواية والاحتراف، لأن الواقع المسرحي في الإمارات موصول بمناسبات معينة ومهرجانات موسمية للأطفال والشباب والكبار، موضحاً أن جل المسرحيين مرتبطون بوظائف أخرى لا علاقة لها بالمسرح، ولذلك فإن مسمى «مسرحي محترف» لا يمكن تعميمه هنا، مضيفاً أن زخم الفعاليات المسرحية هي وحدها التي تصنع حالة من الحراك المتواصل، وأن المسرح التجاري أو الجماهيري الذي يفرض حضوره في فترة الأعياد والإجازات، أصبح يمتلك تقاليد ومعالم خاصة به، وبات يستقطب شريحة واسعة من الجمهور بفئاته العمرية المختلفة، وقال إن هذا المسرح وبغض النظر عن الجودة الفنية أو انتفائها هو المسرح القادر مستقبلاً على صياغة الحالة الاحترافية الكاملة التي يمكن الرهان عليها في هذا السياق.
وحول اشتغاله في حقل التأليف المسرحي والدافعية الذاتية والفنية التي جعلته مهموماً بإشكالية الندرة أو الضمور التي تعاني منها الكتابة المسرحية بالإمارات، أوضح فارس أن خوضه مجال الكتابة المسرحية جاء في سياق تأثره بمقولة تشير إلى أن (أفضل كاتب هو أفضل قارئ)، وبالتالي عمل على تعميق قراءاته الذاتية في مجال المسرح، وتفاعله مع النصوص المسرحية المحلية التي تجسدت على الخشبة، وكان له نصيب في الاشتباك الروحي والذهني معها، وتقمص دور عدد من الشخصيات المكتوبة في هذه النصوص، وتأديتها أمام الجمهور، مضيفاً أن أول نص مسرحي كتبه كان بعنوان: «العزبة» وقدّمه العام 2008 في مهرجان دبي لمسرح الشباب، وتناول فيها قضايا اجتماعية حول صراع الأجيال وسؤال الهوية، منوّهاً أن النصّ جاء تتويجاً لمحاولات أولية كثيرة في مجال الكتابة المسرحية عند مشاركاته المبكرة في الاسكتشات المسرحية المرتبطة بفترة الأعياد في مدينة الفجيرة والتي وصفها بالتدريبات العملية والتحفيزية لكتابة نصّ موجه أساساً للخشبة.
ابراهيم الملا – الاتحاد