على بعد 13 كيلومترا إلى الغرب من إمارة الفجيرة، وبين سلسلة جبال على جانبي وادي حام الممتد من الفجيرة حتى وادي السيجي، تقبع قلعة البثنة التاريخية، لتروي جدرانها التي لا تزال شامخة تاريخاً من الحروب والمعارك التي دارت في نهايات القرن الثامن عشر وبدايات القرن التاسع عشر.
وتعدّ قلعة البثنة ثاني أضخم القلاع في إمارة الفجيرة، مطلة على واحاتها الخضراء، حيث شيّدت القلعة على تلة نبع ماء، كانت تجري مياهها في الوادي، لتروي البساتين الممتدة على مسافة 4 كيلومترات. وتعكس قلعة البثنة بآثارها وموجوداتها سجلاً حافلاً بالنضال منذ فجر التاريخ، حيث كانت منطلقاً لحماية الأهالي من غزوات الاستعمار البرتغالي.
بنيت القلعة عام 1735 على يد ” قبائل الشرقيين” حكام إمارة الفجيرة؛ إذ كانت تشكل موقعا دفاعياً حصينا وخطّ صدٍّ أمامي من الناحية الاستراتيجية، كما لطالما كانت البثنة قديماً بمثابة عاصمة لإمارة الفجيرة، حيث أدت دورا كبيرا في صد غزوات الأعداء وحماية الفجيرة وأهلها من المهاجمين والغزاة.
تصميم المبنى الرئيسي في القلعة يتخذ شكلاً مخروطياً، ويتكون من 3 طوابق، ويمكن الدخول إلى الحصن ومنه إلى قاعة فسيحة يُطلق عليها “صحن القلعة” الذي يشكل بدوره قاعدة الحصن، وتنتشر في أعلاه 8 فتحات بشكل دائري تُغطي جميع الاتجاهات وتمثل نقاط ارتكاز لمدافع المحاربين وبنادقهم، كما تمكنهم من المراقبة من جميع الاتجاهات، ويساعدهم في ذلك الارتفاع الشاهق للقلعة والذي يصل إلى نحو 20 متراً عن الأرض.
وبحسب ما يقوله الموروث الشعبي فإنّه يوجد في صحن القلعة بئر ماء كان يتم النزول إليه من خلال درج، إضافة إلى مخزن يُستخدم لتخزين المواد الغذائية وقت الحاجة.
وكانت القلعة قد تعرضت لأضرار في الأيام الأولى لحكم الشيخ محمد بن حمد الشرقي، ليتم ترميمها وإعادة بناء البرجين الرئيسين بالطين والحصى، ثم جرت عمليات ترميم مرة أخرى أوائل السبعينيات، ولا تزال القلعة التي بنيت من قوالب الطين المحروق متماسكة حتى اليوم، كما تم الانتهاء من ترميمها في سبتمبر/أيلول من عام 2012 مع بناء سور محيط بها.
وتعد قلعة “البثنة” من أكثر القلاع ثراء من حيث المكتشفات الأثرية، كالمدافن التي تم اكتشافها من قبل البعثة الفرنسية للآثار في تسعينيات القرن الماضي، ما أشار حينها إلى قرية أثرية متكاملة، وعُثر أيضاً على مواقع أثرية شبه متلاصقة تقع خلف القلعة، أما تاريخ هذه القرية الأثرية، فيعود إلى نهاية الألف الثاني وبداية الألف الأول قبل الميلاد.
ويذكر الدكتور أحمد الشامسي رئيس مجلس إدارة هيئة الفجيرة للسياحة في كتابه “تاريخ الفجيرة شواهد ودلائل”، أن تعاون الهيئة مع البعثة الفرنسية أسهم في اكتشاف مزيد من الآثار في المنطقة، حيث تفيد القرائن والأدلة بوجود آثار أخرى بالقرب من القرية تعمل البعثة على كشف النقاب عنها لمعرفة تاريخ المنطقة بدقة.
كما أشار الكتاب إلى عثور علماء آثار من سويسرا في عام 1987 على بعض الآثار لأبنية قديمة، وبشكل خاص في المبنى الشرقي للقلعة، حيث اكتشفت أعداد كبيرة من قطع الأواني الفخارية عليها نقوش بارزة تأخذ شكل ثعابين ويعود تاريخها أيضاً إلى الألف الأول قبل الميلاد.
ويرى الشامسي أن المخلفات الحضارية المكتشفة في المواقع الأثرية في إمارة الفجيرة إبان حقبة العصر الحديدي، تؤكد ظاهرة الرخاء والازدهار الحضاري الذي عرفته المنطقة طيلة عصورها الزمنية القديمة واستمراره حتى القرون الثلاثة الأخيرة من الألف الأول قبل الميلاد.
العين الإخبارية – محمد عيد