تم بناؤه عام 1446 ميلادية، ليبقى صامداً طوال هذه القرون، ويكون خير دليل على عراقة وأصالة الشعب الإماراتي وتجذر علاقة أبناء الإمارات بممارسة كافة الشعائر والطقوس الدينية، منذ قرون عديدة حين ظهر هذا الصرح إلى العلن في إمارة الفجيرة. الحديث هنا عن «مسجد البدية»، الذي يعتبر أقدم مسجد أقيم في الدولة ولا يزال قائماً إلى يومنا هذا تمارس فيه الصلوات الخمس من قبل سكان المنطقة التي بني فيها الصرح التاريخي أو الزائرين له القادمين من كل حدب وصوب، ليتعرفوا على أحد المراحل المهمة في تاريخ دولة الإمارات عبر مطالعة الطراز المعماري الفريد الذي يتميز به مسجد البدية.
قيمة كبيرة
يقول الوالد سيف راشد الدهماني، من أبناء إمارة الفجيرة، إن المسجد يحظى بقيمة كبيرة في قلب كل إماراتي، كون هذا المسجد يعكس مدى اهتمام أهل الإمارات من سنوات بعيدة بإنشاء المساجد وفق طرز معمارية جميلة بحسب مقاييس تلك الفترة، وهو ما جعل من المسجد مكانا للعبادة ومقصدا سياحيا أيضاً، يطالع الزوار من خلاله القباب المتميزة التي تزين أعلى المسجد، الذي جرى بناؤه بخامات بسيطة من البيئة الإماراتية، ولكنه لا يزال قائماً إلى يومنا هذا بفضل الإتقان في مراحل بناءه، والذي يعد بمثابة درس في فنون العمارة الأصيلة تتعلمه الأجيال المتلاحقة يتعرفون من خلاله على كيفية القيام بإنشاء مبنى بهذا الشكل الجميل والخامات البسيطة، ليبقى على مر العصور.
موقع متميز
فيما يذكر خليل السعدي، الذي تجاوز الثلاثون عاماً بقليل، وهو من مواليد الفجيرة، ولا يزال يعيش هناك، إن مسجد البدية بموقعه المتميز على الطريق من مدينة خورفكان إلى مدينة دبا الفجيرة وعلى بعد 35 كم شمالاً من مدينة الفجيرة، يعتبر من أشهر الأماكن في الفجيرة نظراً لقيمته الدينية والمعمارية، فهو يتسم بقبابه الأربع التي تزين سقفه، فضلاً عن المحراب والمنبر ذوي الحجم المتناسب مع مساحة المسجد الصغيرة، حيث جرى بناؤه باستخدام الحجارة مختلفة الأحجام، وتم الربط بينها باستخدام الطين المحروق، وهي المواد التي كانت سائدة في ذلك الوقت، وسمي مسجد البدية بهذا الاسم نسبة إلى منطقة البدية التي يقع فيها، وهي قرية كبيرة من قرى إمارة الفجيرة.
توزيع هندسي
ومن المشاهد اللافتة في هذا المسجد، بحسب خليل السعدي، أن كل قبة مكونة من ثلاث قباب بنيت كل واحدة فوق الأخرى من الأكبر فالأصغر، لتعطي في النهاية شكلاً بديعاً يبرز دقة الصانع الإماراتي في هذه الفترات الزمنية البعيدة، فضلاً عن مراعاة نظام التهوية والإضاءة من خلال الفتحات الداخلية الموزعة بشكل هندسي في جنبات المسجد، الذي تبلغ مساحته 53 متراً مربعاً ويستوعب ما بين 50 إلى 70 مصلياً.
توثيق الذكريات
الاهتمام بمسجد البدية أسهم في زيادة مشاهد العمران والتطور في قرية البدية، وأصبحت منطقة ذات أهمية خاصة في إمارة الفجيرة، في ظل الاهتمام المستمر بها من كبار المسؤولين، بحيث أصبح زيارتها هدفاً لكثير من المقيمين والسائحين الذين يتوافدون عليها باستمرار لالتقاط صور تذكارية إلى جوار مسجد البدية والتي توثق لحظات لا تنسى ضمن ألبوم ذكرياتهم الشخصي، في محيط هذا الأثر.
احمد السعداوي – الاتحاد