من داخل متحفه الصغير في منطقة الزبارة بمدينة خورفكان جلس الوالد محمد صالح النقبي يسترجع ذكريات الماضي البعيد وما كانت عليه المنطقة قبل قيام الاتحاد من عادات وتقاليد ومعاناة يومية في كسب الرزق وتوفير الاحتياجات داخل بيئة شحيحة في الموارد وتضاريس وعرة يصعب فيها الحركة والانتقال من مكان لآخر.
كان ت المنطقة في شبه عزلة عن محيطها الجغرافي، فالبحر من أمامها والجبال من خلفها ولكن بعد قيام دولة الاتحاد بدأت التغيرات الكبيرة تطرأ على المنطقة والدولة كلها وهذا بفضل الله وحكمة ورؤية حكامها والخطط المستقبلية التي وضعها الأب المؤسس زايد الخير طيب الله ثراه، وسار على نهجه صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله ومتعه بالصحة والعافية.
طريقة الزواج
في البداية يتحدث الوالد أبو صالح كما يحب ان يلقب في المنطقة، عن طريقة الزواج قديمًا وما كانت عليه من بساطة في الإجراءات وقلة التكاليف مقارنة بالوضع الحالي من إسراف وتبذير ومغالاة في المهور والتجهيزات مما دفع كثيراً من الشباب إلى العزوف عن الزواج.
يقول: عنما يبلغ الولد أشده ويصبح قادرا على تحمل مسؤولية بيت وأسرة يطلب من والده ووالدته أن يزوجاه وبعد تداول الأمر بين الأب والأم يقع الاختيار على العروس، وترسل الأم امرأتين من كبار السن متمرستين في اختيار العرائس واختبارهن لقضاء يوم كامل في منزل العروس لمعرفة مهاراتها في إدارة المنزل من تنظيف وطبخ وترتيب وغير ذلك، وبعد إتمام الزيارة تعودان إلى أم الشاب لإخبارها بمميزات العروس وأنها نجحت في الاختبار، وبعد أسبوع يرسل الأب رجلا كبيرا من اهل المنطقة لخطبة البنت.
سبعة أيام احتفالات
يقول الوالد أبو صالح برغم صعوبة الحياة وقلة الدخل وشح الموارد كنا نتعاون فيما بيننا لإتمام الأعراس حيث يقدم كل بيت ما لديه من مأكولات ومشروبات حسب مقدرته، وتستمر الاحتفالات لمدة أسبوع كامل من الخميس إلى الخميس من بعد صلاة العصر إلى قرب بزوغ الفجر وتكون الملكة بعد صلاة عشاء آخر يوم من الاحتفالات في منزل العروس وبعد إتمام إجراءات الملكة يدخل العريس بزوجته في منزل أهلها ويقيم لديهم لمدة أسبوع كامل وبعدها ينتقل العريس وعروسه إلى بيت أبيه في غرفة مجهزة بفرش بسيط وبعض الأدوات.
مسؤولية مشتركة
وبعد لحظات من الصمت يقول الوالد أبوصالح: كنا في الماضي نعيش حياة بسيطة في كل شيء وكانت المسؤولية مشتركة بين الزوج والزوجة، فهو يعمل في الخارج ليوفر نفقات أسرته والزوجة في البيت تقوم بكل الأعمال دون كلل أو ملل أما الأجيال الحالية فإنها بالطبع لم تر كل ذلك حيث جاءت بعد أن أصبحت الإمارات دولة متقدمة توفر العيش الكريم لأبنائها وتحميهم من كل مخاطر وتقلبات الحياة وكل معلوماتهم عن الماضي يتلقونها من حكايات كبار السن.
وبسبب الرفاهية والمستوى المعيشي المرتفع زادت متطلبات الحياة، وارتفعت المهور بشكل مبالغ فيه وأصبحت الرفاهية أساسية وحفلات الأعراس للتباهي واستعراض الإمكانات، واندثرت العادات والتقاليد تحت وطأة الحداثة والتطور، وانتهت روح التعاون التي كانت سائدة في الماضي لتطويها صفحات التاريخ وتصبح ذكرى جميلة من حياة الأجداد.
كلمات من ذهب
ويستطرد الوالد أبو صالح حديثه موجها نصيحة للأجيال الحالية من خلال تجاربه في الحياة والتي حفرت خطوطها العميقة في ملامح وجهه الطيبة فيقول: أدعو الشباب للتمسك بالقيم النبيلة والالتزام بتعاليم الدين الإسلامي الحنيف والرجوع إلى تاريخ الأجداد الأولين الذين عانوا الكثير للوصول إلى ما نحن عليه من رخاء وأمن وطمأنينة، والالتفاف حول القيادة الرشيدة التي تخطط لمستقبل اكثر إشراقا للأجيال القادمة فهي ترى ما لا نراه وتعلم ما لا نعلم، وتقود سفينة الوطن في عالم مليء بالصراعات وسط أمواج عاتية لتكون دولتنا دائما في المقدمة ومحط أنظار الجميع، وبرغم الصعاب وحجم المسؤولية الملقاة على عاتق القيادة إلا أننا لا نرى منها إلا كل خير وحب، ودائما نرى أن الابتسامة لا تفارق وجوه قادتنا لبث روح الاطمئنان والسكينة في نفوس شعب الإمارات من مواطنين ومقيمين.(محمد صبري) الخليج