كان الهدوء يفرض نفسه على استاد صقر بن محمد القاسمي في خورفكان وسط أجواء الشتاء الرائعة، وحتى الدقيقة 61 لم يكن هناك ما يستحق أن تتوقف أمامه في أحداث المباراة التي تجمع بين الفجيرة وخورفكان في الجولة 11 من دوري الدرجة الأولى، سوى هدف التقدم للفجيرة عن طريق محمد خلفان في الدقيقة 48.
فيما عدا ذلك، هناك محاولات متواضعة من الفجيرة وأداء يتسم بالحذر لأصحاب الأرض.
وفجأة يتوقف اللعب.. وتتجه الأنظار إلى مقاعد بدلاء الفجيرة.
ماذا حدث؟
مارادونا هنا !
لا جديد في ذلك.
مارادونا يخطف الأضواء طوال الوقت، هنا أو هناك أو في أي مكان، بتاريخه واسمه وبريقه ونجوميته وتصرفاته وتصريحاته وهمساته.
إلا أنه هذه المرة كان يقدم لوحة إنسانية في أروع مشاهد الروح الرياضية، عندما سقط أمامه خليفة إبراهيم حسن مدافع فريق خورفكان يتألم من شدة الإصابة وغير قادر على الحركة، و هنا يقفز مارادونا من مكانه ويدخل الملعب ويذهب إلى اللاعب ليطمئن عليه، ويطالب الحكم بإيقاف اللعب رغم أن فريقه الفجيرة كان في هجمة واعدة على مرمى خورفكان.
ونقل المترجم محمد النجار كلمات مارادونا بالإسبانية إلى خليفة إبراهيم:«خبرتي التي تصل 40 سنة في الملاعب تقول إنك ستعود قريباً، لا تقلق، ستعود سريعاً، وأشعر بألمك لأنني كنت لاعباً مثلك في الملاعب».
ووضع قبلة علي رأسه وتمنى له سرعة الشفاء والعودة.
مشهد لم يستغرق سوى بضع دقائق، ولكنه يحمل الكثير من الصور الرائعة التي تعكس قيمة الرياضة ومبادئها وأهدافها النبيلة.
مارادونا «لاعب القرن العشرين» الذي أمتع العالم لسنوات بلمساته وأهدافه وتمريراته وإنجازاته، عاد ليقدم كمدرب أجمل دروس الروح الرياضية بلمسة إنسانية تعكس تواضعه وأخلاقه، وبالتأكيد كان هذا المشهد سيتصدر صفحات الرياضة والمنصات الإعلامية بكل لغات العالم إذا ما حدث في أحد الدوريات الكبرى.
وعن تفاصيل تلك الواقعة قال مارادونا لـ«الاتحاد»:«أصعب موقف يواجه لاعب الكرة هو الإصابة داخل الملعب وعجزه عن عدم القيام بواجبه، وعندما أجد لاعباً يطرد من الملعب أو يتعرض لإصابة تبعده عن المستطيل الأخضر أتعاطف معه جداً، ووجدت نفسي أقفز من على دكة البدلاء دون وعي، وذهبت نحو لاعب خورفكان وفور وقوعه وجدت بعض الجماهير تحاول التقليل من عزيمة اللاعب من خلال الضحك، فتحدثت لهم سريعاً عن دعمه بدلاً من السخرية منه فوجدت التجاوب السريع من الجماهير وأشكرهم على روحهم الرياضية التي تنم في النهاية عن الأخلاق العالية».
وتابع:«حاولت تهدئته بأن الإصابة لن تبعده عن الملاعب، والشد من أزره لأنني أعلم أن العوامل النفسية لها دورها المؤثر في مثل هذه الأمور، وربما تجمعنا مباريات أخرى للاطمئنان عليه، طالما أننا في ملاعب الكرة».
أما خليفة إبراهيم حسن لاعب خورفكان بطل المشهد فلم يصدق ما حدث، وقال:«المباراة كانت الأولى لي مع خورفكان، وأتمرن منذ أسبوعين فقط بعد فسخ تعاقدي مع نادي الشعب سابقاً، وكانت عزيمتي كبيرة قبل المباراة لأن مارادونا سوف يشاهدني وأنا ألعب أمام فريقه، وكنت لا أريد الخروج من الملعب بعد الإصابة لحبي ورغبتي في مساعدة فريقي في وضعه الصعب حالياً بالدرجة الأولى».
وتابع:«الإصابة التي طالتني هي تمزق في العضلة الأمامية، وشاءت الظروف والأقدار أن تكون الواقعة قريبة من مارادونا الذي وجدته ينطلق نحوي بسرعة غريبة ووضع يده على الإصابة، وقال لي بعد أسبوعين أو ثلاثة ستعود للملاعب، وشعرت بأن يد مارادونا هي الدواء لهذه الإصابة، وصدقني لم أكن أتخيل هذا الموقف من هذه الأسطورة التي كنا نسعد بمجرد رؤيته على شاشة التليفزيون، وأثناء خروجي طلب ممن حولي التحدث لي مجدداً، مؤكداً أنني سأعود قريباً للملاعب، إنها لمسة إنسانية جميلة من فنان كروي أسعد العالم بموهبته، وقام بتقبيل رأسي، وهي لحظات لن أنساها وهي بمثابة نصف العلاج بالنسبة لي».
وأضاف:«الحماس الذي أجده في لاعبي الفجيرة غير طبيعي؛ لأن معهم مدرب في حجم وروح مارادونا، ولو كنت في الفجيرة مثلاً لقتلت نفسي في أرض الملعب لكي أنفذ ما يريده كونه عالماً آخر في كرة القدم، وأكثر ما أدهشني أن «الأسطورة» ترك فريقه وهو يقود هجمة نحو مرمى خورفكان وجاء لكي يطمئن علي، وأوجه له شكري الكبير على ما قام به من لفتة إنسانية جميلة، وأن يأتي لكي يطمئن علي فهذا شيء كبير، ينم عن روح رياضية راقية جدا للأسطورة».
علي معالي – الاتحاد