«لم أكن أعلم أنني سأكون شاهدة على وداع أطفالي السبعة في فاجعة ستبقى في ذاكرتي ما حييت».. بهذه الكلمات تختزل سليمة خميس الصريدي، والدة الأطفال السبعة الذين توفوا الاثنين الماضي، اختناقاً، نتيجة حريق منزلهم في رول ضدنا بدبا الفجيرة، قصة اللحظات الأخيرة في مأساة وفاة أبنائها.
وقالت لدى زيارة «البيان» لها في منزل ذويها بمنطقة العكامية بدبا الفجيرة لتقديم واجب العزاء في مصابها الجلل: «كعادة أبنائي كل ليلة، بدأت استعداداتهم للنوم نحو الساعة العاشرة، وكانوا يتوسلون لي ليمضوا مزيداً من اللحظات معي هرباً من النعاس واستئناساً بالجلوس معي، فأمضوا نصف ساعة يتبادلون الحديث معي، ويروون شيئاً من أحلامهم، ولا تزال كلمات طفلتي التوأمين تحرق قلبي حين قالتا لي بفرح: «سنبني منزلاً من 7 طوابق وستختارين أنت أي طابق تفضلين العيش فيه».
وتضيف: «قبّلوني جميعهم وذهبوا للنوم، فتوجه الأولاد خليفة وعلي وأحمد إلى غرفتهم المحاذية لغرفتي، في حين توجهت البنات للنوم في غرفتي، وما هي إلا لحظات حتى عاد أحمد ليذكرني بأنني لم أقل لهم عبارتها المعتادة «تحفظكم عين الّي ما ينام» فابتسمت وقلتها لهم جميعاً.. ذهبوا جميعاً للنوم وتركت باب غرفة الأولاد مفتوحاً، ليدخل إليه نور الصالة، لكون خليفة ذا الـ13 عاماً يخاف من الظلام». وتقول: «تعودنا النوم في الملحق الجديد، لكون باقي ملاحق المنزل غير مدعومة بالحديد القوي ونخاف المبيت فيه حفاظاً على حياتنا، والملحق الجديد مكون من صالة وغرفتين وحمام».
وتكمل سليمة الحديث عن مأساتها: «بعد أن نام أطفالي تناولت أدويتي لأنني أجريت أخيراً، عملية خارج الدولة، ثم نمت نحو الساعة الحادية عشرة ليلاً، وفي منتصف الليل استيقظت ابنتاي التوأمان سمية وسارة ذواتا الخمسة أعوام بسبب الزكام والكحة وقمت بوضع الفكس وزيت الزيتون لتخفيف أعراض السعال، ورجعنا للنوم». وتقول: «في تمام الساعة الـ 3:45 دقيقة فجراً صحوت على رائحة الدخان.. كان الظلام دامساً يغطي جميع أرجاء المكان، بسبب انقطاع الكهرباء فبحثت عن هاتفي النقال ورحت أضغط أزراره بشكل هستيري لأحظى ببصيص نور من خلال سطوع الشاشة فكانت أول صدمة رؤية ابنتي شوق الكبرى 14 عاماً وابنتي التوأمين وقد فارقن الحياة، بينما كانت ابنتي شيخة 10 سنوات تنازع وتحرك رأسها فحاولت إنعاشها بالماء من زجاجات حولي فلم أنجح في إنعاشها، فخرجت نحو الصالة بحثاً عن حل لا أدري كنهه، فكانت صدمتي الأخرى بابني علي مستلقياً في وسط الصالة يصارع الموت، بينما كان خليفة وأحمد في غرفتهما قد أسلما روحيهما لبارئهما..
كنت كالمجنونة أجري هنا وهناك وحاولت جاهدة فتح باب الصالة فلم أستطع إلا بعد عدة محاولات، وهرعت إلى الخادمة لتساعدني واتصلت بشقيقي راشد ليحضر ويساعدني هو الآخر.. فقدت التركيز وكنت أعاني آلاماً في صدري بسبب الدخان. قدِم شقيقي إلى منزلي، وكان الدخان كثيفاً في الملحق، دخل شقيقي بعد أن غطى وجهه بالغترة لإنقاذ أبنائي ولكنهم كانوا قد فارقوا الحياة اختناقاً ليقوم بالاتصال بالشرطة والإسعاف التي حضرت بسرعة، إلا أن الموت كان أسرع، ونقلت جثامين أبنائي إلى المستشفى.
ذكريات لا تنسى
تقول سليمة إن أبناءها طلبة جيدون في المدرسة ومهذبون يشاركون دوماً في الفعاليات الدراسية المتنوعة، وحرصت على إدخالهم مراكز تحفيظ القرآن، وقد حفظ خليفة جزء تبارك، مع أنه كان يعاني ضعفاً في النظر وكان مصاباً بمرض الربو، في حين كانت ابنتي شوق شاعرة تحب كتابة الخواطر والأبيات الشعرية القصيرة، وماتت وفي يديها الحناء الذي وضعته قبل يوم من وفاتها.
أثر إيجابي
شكرت سليمة الصريدي دعم القيادة الرشيدة لها ووقوفهم إلى جانبها الذي كان له الأثر الإيجابي في تخفيف مصابها الجلل، داعية المولى عز وجل أن يتغمد أطفالها بواسع رحمته وأن يسكنهم فسيح جناته، وأن يمدها العلي العظيم بالصبر على فراقهم، فهي مؤمنة بقضاء الله وقدره، معبرة عن امتنانها لجميع شعب الإمارات لوقوفهم معها في محنتها، الأمر الذي منحها الثبات، وجعلها تشعر بالأمان وسط جموع المعزين الذين قدموا لها من كافة أنحاء الدولة.
عائشة الكعبي