وسط عبق التاريخ الممتد منذ مئات السنين، وفي أجواء رحبة من السحر والجمال، وبالقرب من مدينة الفجيرة في قرية وادي مي يعيش خميس عبد الله الكندي في تلك المنطقة التي تفرد سحرها وسط جبال الفجيرة، وهي ترسم ملامح الفخر والعز بتاريخ عريق، لترسم على سفوح الجبال لوحات من العلاقات الاجتماعية والإنسانية التي نعتز بها، والتي نقلها الأجداد والآباء إلى الأبناء فخورين بها.
يعد خميس الكندي واحدا ممن عاشوا في الماضي حياة قاسية بكل تفاصليها، صاغتها طبيعة شحيحة، حيث كل شيء كان يحتاج إلى جهد وكفاح، لتوفير مصدر رزق بسيط للحصول على الطعام والماء والكساء وكل ما يعتبر من ضروريات الحياة الإنسانية، حيث ولد وعاش في بيت مبني من الطين اللبن والحجارة السوداء، وبالرغم من عمره الذي تجاوز ال 82 عاما إلا أنه لا يزال محافظا على مهنة الزراعة التي عمل فيها منذ الصغر فيقوم حاليا بزراعة المحاصيل وأشجار النخيل، ومحافظا ومهتما بالمهن التقليدية القديمة، مثل جمع خلايا النحل البري وجني محاصيل التمور وغيرها من الأعمال القديمة.
يقول الكندي: ولدت عام 1935 في بيت قديم مبني من الحجارة السوداء والطين ونبات العسبق بين أحضان الجبال، وعشت يتيم الأب، حيث توفي والدي وعمري 4 سنوات، ونشأت عند أخي الكبير سالم، وهو من علمني العادات والتقاليد العربية الأصيلة، واهتم في كل الجوانب، وعندما كان عمري 10 سنوات حفظت القرآن الكريم وكيفية الوضوء والصلاة على يد مطوع من سلطنه عمان كان يدعى «حمد بن عبد الله الرمضاني» كان يجمع أبناء المنطقة تحت شجرة السمر الكبيرة، ليعلمنا القراءة والكتابة مقابل حصوله على التمر أو البيض أو بعض المحاصيل الزراعية، كما نشأت أنا وأقراني على حب الناس والتعاون وتقديم المساعدة للجميع، وصله الرحم وإكرام الضيف وحسن استقبال الضيف.
ويشير الكندي إلى أنه منذ بداية حياته العملية كان يقوم بزراعة المحاصيل الزراعية المتنوعة خاصة نبات الغليون، حيث كانت تشتهر منطقة وادي مي بوجود آبار المياه العذبة، وكان الوادي يمتاز بمياه غزيرة جعل من أرضها خضراء خلابة، حتى أصبحت منطقة تتميز بأراض خصبة مزروعة بأشجار النخيل والمانجو بأنواعها المختلفة، إضافة إلى أشجار الليمون والسدر وحبوب البر والشعير والذرة ونبات الغليون.
كما امتهن الكندي منذ القدم مهنة قنص الغزلان والوعل الجبلي والأرانب البرية التي كانت تنتشر في جبال الوادي والمناطق المجاورة لها، إضافة إلى أنه امتهن مهنة جني محاصيل عسل النحل البري من كهوف وسراديب الجبال العالية.
يقول الكندي: عشت في الماضي حياة بسيطة أنا وجميع أهالي الوادي، واعتمدنا في أرزاقنا على جمع الحطب والعسل والتمور وبيعها في أسواق كلباء والفجيرة والشارقة، كما اعتمدنا على زراعة أشجار النخيل والمانجو وزراعة الدخن وحبوب الشعير والبر، وإلى جانب تربية الأغنام والأبقار، وكانت منازلنا لا تتجاوز 10 بيوت كانت مبنية من الطين والحجارة السوداء، وبقيت هذه الحياه على هذا النمط إلى ما بعد قيام الاتحاد، ومنذ تلك الفترة تغيرت الحياة في كافة مناطق الدولة، وأصبحت الإمارات بلد الخير والعطاء، وبلد الأمن والأمان وانتقلنا في عام 1976 إلى حياة رحبة بعد الانتقال إلى العيش في بيوت شعبية حديثة مجهزة بكافة الخدمات، وغلب عليها الطابع المعماري الحديث كما تطورت المنطقة من كافة الجوانب وعبدت الطرق، ووصلت الكهرباء والمياه والاتصالات إلى كل بيت، وتوافرت كافة سبل الراحة والسعادة والأمان للمواطنين.
يؤكد الكندي أن التطور الذي حدث بمنطقة وادي مي لم يمنعه هو وأهالي المنطقة من التمسك بالعادات والتقاليد العربية الأصيلة، إذ لا يزالون يحافظون على ما بينهم من صلات وعلاقات اجتماعية، حيث تميز كغيره من الأهالي بالعديد من العادات العربية الأصيلة التي تعبر عن الإنسان الإماراتي الأصيل بإكرام الضيف وتقديم العون والمساعدة لمن يحتاج إليها، إضافة إلى الشهامة والشجاعة والنخوة والكرم واحترام العهد والصبر والتراحم والترابط بين الجميع.
بكر المحاسنة