انطلقت مساء أمس الأول في المركز الثقافي بمدينة كلباء، فعاليات الدورة السادسة من «مهرجان كلباء للمسرحيات القصيرة»، الذي تنظمه إدارة المسرح بدائرة الثقافة في الشارقة، تحت رعاية صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، وحضر الافتتاح الشيخ سعيد بن صقر القاسمي نائب رئيس مكتب سمو الحاكم في خورفكان، والشيخ هيثم بن صقر القاسمي نائب رئيس مكتب سمو الحاكم في كلباء، وأحمد بورحيمة مدير إدارة المسرح، والمهندس خلفان الذباحي مدير بلدية مدينة كلباء، وعدد من الضيوف المسرحيين، وجمهور متنوع من أهالي مدينة كلباء.
بدأ الحفل بعرض فيلم وثائقي قصير عن المهرجان، وما تحقق خلال سنواته الخمس الماضية من نجاح وتجسيد لمفاهيم وخصوصية المهرجان، ودوره في تنمية المنطقة الشرقية، وكيف مهد الطريق أمام أجيال موهوبة من الممثلين والمخرجين، لتشق طريقها في عالم المسرح الجميل والهادف، ولتدخل عالم الاحتراف بعد ذلك بخطى واثقة.
كما عرضت مادة فيلمية أخرى عن مسيرة شخصية المهرجان لهذا العام، وهو الفنان صابر رجب، ابن مدينة خورفكان، الذي بدأ ممارسة المسرح بشكل مبكر جداً ومنذ طفولته عبر بوابة المسرح المدرسي، والتحق بعد ذلك بفرقة مسرح الفجيرة التي اشتهرت منذ ثمانينات القرن الماضي،وشارك كممثل وهو في سن السادسة عشرة من عمره في أول ظهور رسمي على الخشبة عبر مسرحية «سبعة صفر»، من تأليف الدكتور سليمان الجاسم، وإخراج بحر كاظم، وقد لاقت المسرحية نجاحاً واسعاً، وحظيت بصدى إعلامي كبير.
عرض الافتتاح جاء بعنوان «71 درجة» من إخراج مهند كريم، وهو معدّ من نص مسرحي للكاتب الإنجليزي وليم شكسبير بعنوان «تيتوس أندرونيكوس»، الذي يعتبر من أقدم النصوص الشكسبيرية ومن أكثرها مأساوية، إذ يحكي عن قصة انتقام مزدوج، فتامورا ملكة القوط، تسعى إلى الانتقام من تيتوس الذي أخذها أسيرة، وقتل ابنها، وتبلغ هدفها من الانتقام حين يعمد ولدان لها إلى اغتصاب ابنة تيتوس وتشويهها بشكل بشع، ويسعى تيتوس بالتالي إلى الانتقام من تامورا ومن زوجها، وينتهي الأمر بتيتوس إلى الوقوع في هوة الجنون، ولكنه يتمكن بمعاونة أخيه وآخر من بقي حياً من أبنائه، من ذبح أبناء تامورا وتقديم حلوقهم طعاماً لأمهم، وقتل ابنته من لحمه ودمه تخلصاً من عارها وطعن تامورا حتى الموت.
وحاول مهند كريم من خلال مفردات السينوغرافيا، والإضاءة والمؤثرات الصوتية، أن يجيب عن سؤال مهم وهو لماذا اختار تقديم هذا النص المشبع برائحة وروح الدم؟.
وعبر مفردات عصرية جداً، ظهرت في مشهده الافتتاحي حين ظهرت تامورا وأبناؤها وهم مستلقون على آلات رياضية تستخدم عادة لممارسة الجري داخل القاعات، ثم لا يلبث أن يكتشف المشاهد أن استخدام تلك الآلات من قبل المخرج مهند كريم، هو تعبير مزدوج عن رحلة الهروب الكبيرة من بطش وانتقام تيتوس، لكنها أيضاً رحلة رمزية أخرى للهروب من دموية العصر الحالي التي تستمد حمرتها القانية أحياناً من عمق التاريخ.
تنوعت السينوغرافيا والإضاءة وتضافرت لتصنع في بعض مشاهد العرض صورة وحش هائل يقبع في خلفية الخشبة ويطلق من حين لآخر نفثات دخان كثيفة، في إيحاء متعمد من المخرج بأن روح الوحش هي السائدة على حيثيات الصراع الدائر في العرض.
الجديد في عرض مهند كريم هو توظيفه لمفاهيم عصرنا الحالي من إعلام جديد، وانطباع عام تغوّل حتى طغى على الرأي العام، واللهاث وراء الصورة وسطوتها على عشرات وعشرات المتابعين، الذين يترصدون كل صورة مثيرة ليعجبوا بها عبر منصات التفاعل الآنية الاجتماعية، وذلك من خلال أدوار المتفرج 1 والمتفرج 2 والمتفرج 3، ومن خلال التقاط الصور، وإعطاء التصريحات الإعلامية، واستدعاء الإعلام الشبكي الفضائي لتغطية وقائع الصراع المسرحي وتوثيقه، وجاء نقده أحياناً لكل ذلك مباشراً.
وفي مشهد آخر يقول تيتوس في السياق نفسه الذي يهدف إلى تقديم نقد لتغوّل الإعلام وثقافة الصورة علينا في زمننا الحالي، واستخدامها من قبل منظمات إرهابية كداعش لإظهار فلسفتها الدموية البشعة: «مراسم العقاب ستبث مباشرة عبر كل الشاشات».
وقد حظي العرض بتفاعل كبير من قبل الجمهور الحاضر، وخصوصاً على مستوى إبهاره البصري الذي رافقه، غير أن الندوة التطبيقية الأولى التي تلت العرض، أخذت على العرض أنه لم يبدع آلية إخراجية تمكنه من تكسير النسق الثابت الذي طبعه، كما ركز المتداخلون على أن العرض لم ينجح في تبرير الإبهار السينوغرافي، بينما اعتبر آخرون أن العرض كان محاولة جريئة وتستحق تجدر الإشارة إلى أن العرض هو من بين العروض المشاركة في مسابقة المهرجان.
شهد اليوم الأول من المهرجان كذلك عرض «التحيات» من إخراج يوسف جاسم عبد الله وهو من العروض خارج المسابقة، لكنه أيضاً حاول تقديم مسرح صعب هو مسرح الروماني- الفرنسي أوجين يونسكو الذي يعتمد على اللا معنى أو العبثية، وزخر العرض بالاشتغال على لغة الجسد.
وحفلت الندوة التطبيقية الثانية التي تلت العرض بالإشارة إلى جرأة المخرج في الاشتغال على نص صعب ليونسكو.
محمدو لحبيب