على الطريق الممتد بين مدينة خورفكان ودبا الفجيرة يقع مسجد البدية التاريخي، بالقرب من تل حجري صغير، مسنداً ظهره إلى الجبال فيما يلاقيه البحر من أمامه، ممثلاً أبرز معلم تاريخي في القرية بوصفه أقدم مسجد في الدولة.
قال مدير إدارة التراث والآثار في الفجيرة أحمد خليفة الشامسي: ”المسجد ذو شكل مربع طول ضلعه 15 ياردة، وله باب واحد، ومحرابه يتكون من فسحة بطول ياردتين وعرض ياردة واحدة. فيما منبره مكون من سلم به ثلاث درجات”، مضيفاً أنه ”يقع في باحة مفتوحة، محاطة بسور لا يزيد ارتفاعه عن متر ونصف المتر، مبني من الحجارة الصلدة، والطين، والتبن”.
وتحمل جدران المسجد الذي استخدمت حجارة البازلت في بنائها، وفق الشامسي، آثار نقوش وزخارف طمست معالمها بفعل الزمن، وفيها فتحات يدخل منها الضوء وكوات لوضع المصابيح.
وأوضح الشامسي أن ”ما يميز مسجد البدية عن المساجد الأخرى القديمة والحديثة في الدولة؛ أنه مقبب بأربع قباب غير متساوية في الحجم، وكل قبة مكونة أصلاً من ثلاث قباب مركبة الواحدة فوق الأخرى، فهناك قاعدة القبة الكبيرة، ومن ثم قبة أصغر فثالثة ذات رأس دقيق. ويحمل القباب المتجاورة عمود وسطي رئيسي، فيما توجد أعمدة جانبية صغيرة أخرى. وتستند على قمة العمود الوسطي أسس البناء وقواعد سقفه التي تحمل القباب الأربع في نظام هندسي بديع”.
وحول تاريخ المسجد، وعمليات ترميمه، بين الشامسي أن ”إدارة التراث والآثار رممت المسجد، الذي بني عام 1446 ميلادية (عمره الآن 652 عاماً)، وأعادت تأهيله كموقع سياحي بالتعاون مع قسم المباني التاريخية في بلدية دبي”، لافتاً إلى أنه تم تقدير عمر المسجد استناداً إلى نتائج دراسة أجرتها إدارة التراث والآثار في الفجيرة، بالتعاون مع جامعة سيدني الاسترالية، خلال موسم التنقيب 1997-،1998 حيث تم أخذ عينات لمواد عضوية (فحم نباتي) من أسفل أساس جدران المسجد وأجريت عليها تحاليل كيميائية.
ويجمع المسجد إلى جانب قيمته الدينية كأحد دور العبادة التي يذكر فيها اسم الله سبحانه وتعالى، قيمة تاريخية تجذب إليه الناس من كل أنحاء العالم. وقالت بدرية محمد، من إدارة مسجد البدية، ومرشدة سياحية، إن ”مسجد البدية أقدم مسجد ماثل في الدولة، تقام فيه الصلوات الخمس يومياً، وهناك إمام يؤم المصلين من أهالي المنطقة والمقيمين والزائرين باستثناء يوم الجمعة نظراً لصغر حجمه، وعدم قدرة مساحة المسجد على استيعاب المصلين”.
ولفتت محمد إلى أن ”شهر رمضان المبارك يعتبر وقت الذروة من العام بالنسبة للصلاة فيه، فضلاً عن إقامة حلقات قراءات قرآنية، وندوات دينية وأنشطة مختلفة كتحفيظ القرآن الكريم”.
وأضافت: ”يتوافد على المسجد أناس من مختلف الأديان والمذاهب والجنسيات على مدار السنة خصوصاً في شهر رمضان، إذ يُعدّ المسجد بشكله المتفرد مركزاً للجذب السياحي”.
وحول تسمية المسجد، بيّن الباحث في تاريخ و تراث الإمارات الدكتور فالح حنظل، أنه سمي بـ”البدية” نسبة إلى القرية التي يقع فيها، وهي إحدى أكبر قرى إمارة الفجيرة، وتحيط بها قرى أخرى هي: الجبيل، حقبل، الطلاع، الفي، الحارة، لافتاً إلى أنه كان يطلق عليه اسم ”المسجد العثماني” نسبة إلى فن عمارته، وهناك مساجد تشابهه في شكله المعماري في قطر وسلطنة عمان.
وأضاف حنظل، مؤلف كتاب ”معجم الألفاظ العامية في دولة الإمارات العربية المتحدة”، أن ”البدية لفظ مشتق من البادية والبداوة والبدو وكل ما يتصل بالبيداء من أسماء، وهي تعني بدا، أي ظهر وبان ووضح للعين”.
روعة يونس