تعد منطقة الحلاة من القرى الجميلة التي تقع على الطريق الرابط ما بين مدينة مسافي ودبا الفجيرة بين أحضان الجبال العالية، ذات الألوان المختلفة، وتشتهر القرية التابعة لمدينة دبا الفجيرة بوجود عدد كبير من بقايا المنازل القديمة وأفلاج المياه القديمة وآثار الأهالي الذين عاشوا في المنطقة منذ آلاف السنين، كما تتميز المنطقة بكثرة المزارع الخضراء المزروعة بكافة المحاصيل، والتي تحظى باهتمام كبير من قبل أهالي المنطقة، كما تتميز بكثرة انتشار الأودية، وآبار المياه العذبة، والأفلاج التي تمتلىء بالمياه في مواسم هطول الأمطار.
تقع منطقة الحلاة على بعد 45 كيلومتراً شمالي غربي مدينة الفجيرة، مرورا بمنطقة وادي العبادلة ومنطقة الخليبية، وتقع المنطقة وسط سلسلة من الجبال الشاهقة الارتفاع ذات الألوان المختلفة وتزينها المزارع المزدانة بالجمال والهدوء والمنازل الحديثة المبنية على الطراز الحديث، وعند الوصول إلى المنطقة، وجدنا منطقة ريفية وبيئتها بكر ومزارعها غناء، وأوديتها وافرة بالمياه والظلال، حيث يمر عبر أراضيها العديد من الأودية والشعاب المائية الصغيرة، التي تجري فيها المياه لأيام عدة في مواسم هطول الأمطار، وخلال جولتنا توجهنا إلى مجلس الوالد عبد الله علي الزيودي مسؤول قبيلة الزيود بدبا الفجيرة، الذي يتصف بالحكمة والكرم والشجاعة، ويسعى للخير وإصلاح ذات البين، وله مواقف كثيرة ومشرفة بين الأهالي، كما يعرف بتمسكه بالعادات والتقاليد العربية الأصيلة ومحبته وانتمائه للوطن، وللقيادة الحكيمة، حيث يقول: حظيت منطقة الحلاة والمناطق المجاورة لها بمنجزات عهد النهضة المباركة التي قادها الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وأخوه الشيخ محمد بن حمد الشرقي رحمهما الله، ولا يزال صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، وأخوه صاحب السمو الشيخ حمد بن محمد الشرقي، عضو المجلس الأعلى، حاكم الفجيرة، حيث بفضل الله وبفضلهم بنيت المساكن الحديثة، ووصلها التيار الكهربائي، وتوفرت خدمات الاتصالات والإنترنت، كما تعبدت الطرق الداخلية والخارجية للمنطقة، حتى أصبحت معظم الطرق ممهدة ومرصوفة ويسهل على المواطنين والزائرين التنقل عبرها، والوصول إلى مختلف المواقع بالمنطقة، وعن الماضي بمنطقة الحلاة يقول الزيودي: كانت الحياة في الماضي بسيطة واعتمدنا فيها بشكل أساسي على زراعة أشجار النخيل، وبعض المحاصيل البسيطة، وبعض الأهالي اعتمد على تربية المواشي ورعي الأغنام والأبقار، كما اعتمد بعض أهالي الحلاة على جمع العسل البري من كهوف الجبال العالية، وجمع الحطب وعمل السخام «الفحم»، وبيعها في أسواق المدن الساحلية بواسطة الرحلات التجارية، التي كان يقوم بها بعض رجال القرية بواسطة البعير والخيول، كما كان عدد منازل أهالي الحلاة قديماً نحو 15 منزلا، منها الشتوي المبني من الأحجار والطين المحروق وسعف النخيل، ومنها العريش، وهي بيوت الأهالي في فصل الصيف التي كانت تقام في موسم «المقيض»، وكانت تبنى من سعف وجريد النخيل، وكل هذه البيوت كانت تقام بالقرب من بين أحضان الجبال، وبالقرب من مياه الطوي، وعيون المياه، كما أن بعض الأهالي كان يقوم ببناء منزل مكون من حفرة محفورة داخل باطن الأرض، ويقوم ببناء عليها بيت العريش، باستخدام سعف وجريد النخيل، وبعض أغصان أشجار السدر والسمر.
الشاب سالم عبدالله الزيودي: تتميز منطقة الحلاة بوجود عدد من البيوت الأثرية التي عاش فيها الأهالي قديما لمئات السنين، وهم من قبائل الزيودي واليماحي والعبدولي والصريدي، كما تتميز بوجود مسجد قديم يعود لمئات السنين وعدد كبير من آثار الأهالي الذين سكنوا المنطقة، و تشتهر منطقة الحلاة بوجود عدد كبير من آبار المياه العذبة والأودية، وتقع القرية وسط سلسلة من الجبال الشاهقة تزينها المزارع المزدانة بالجمال والهدوء، وكأنها لوحة فنية صاغتها أنامل مبدع.
ويقول الزيودي عرفت حياة الأهالي في الماضي بالقساوة والتعب والعناء، نظرا لعدم وجود منازل تحميهم من برد الشتاء وحرارة الشمس، وتفقد وسائل الرائحة والأمان، ونظراً لوقوع المنطقة بين الجبال العالية، ولعدم وجود طرق معبدة أو أي خدمات، لكن الوضع تغير بعد قيام الاتحاد، الذي حققه المغفور له، بإذن الله، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، وإخوانه حكام الإمارات، حيث بعد الاتحاد بسنة واحدة تغيرت الحياة على أرض منطقة الحلاة، والمناطق المجاورة، وانتقل الأهالي بدلاً من العيش في بيوت الطين والحجارة، إلى منازل شعبية بناها لهم المغفور له، بإذن الله، الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، وافتتحت الطرق بالمنطقة وأصبحت منطقة الحلاة مرتبطة بالمناطق الأخرى بواسطة شبكة من الطرق الحديثة، كما وصلت خدمات الكهرباء والماء إلى المنطقة، وزاد التطور بالمنطقة يوما بعد يوم، حتى انتشرت المدارس والمراكز الصحية والدوائر والمؤسسات بالمناطق المجاورة للمنطقة، وبنيت الفلل الحديثة بالمنطقة، وأصبحت منطقة متحضرة ومتطورة، من كافة الجوانب.
علي محمد الزيودي يقول: تتميز الحلاة التي نعيش فيها بطبيعة مميزة في فصل الشتاء، حيث الدفء على الرغم من اشتهار المناطق المحيطة بالجبال، بانخفاض شديد في درجات الحرارة، إلا أن منطقتنا تتميز بهذا الجو، وهو ما يجذب الكثيرين في هذا الفصل للاستمتاع بجوها والتخييم في ربوعها الجبلية الخلابة، وممارسة الهوايات الجبلية، وفي فصل الصيف تكاد تكون الرطوبة مختفية، على الرغم من ارتفاع درجة حرارة الجو، وهو ما يجعلها من أهم المناطق المعتدلة، كما أن منطقة الحلاة تعتبر منطقة تاريخية وأثرية تضم العديد من المنازل القديمة، ومسجد قديم يعود لمئات السنين، وتتميز بوجود عدد من بقايا الأبراج القديمة المبنية على رؤوس الجبال، والتي كانت تستخدم للمراقبة والدفاع عن المنطقة، كما يوجد بالمنطقة أيضا عدد من مخازن التمور والحبوب، التي ما زالت موجودة حتى وقتنا الحاضر، ويعمل الأهالي على المحافظة عليها، لأنها تبرز تاريخ الآباء والأجداد، وتدل على التاريخ العريق للأهالي في الماضي.
وعن عادات وتقاليد أهالي الحلاة، يقول الوالد علي سعيد السبع تشتهر منطقة الحلاة بطبيعتها الخاصة التي كان لها السبب في تميز أهلها بالشهامة وبالجود والكرم، فلا تجد منزلاً إلا ويتبادل الحلوى والأكلات الإماراتية مع الجيران، في أي وقت طوال اليوم، وخاصة في شهر رمضان، وفي أيام المناسبات والأعياد، كما يشتهر أهالي الحلاة أيضاً بقوة روابطهم الاجتماعية والتواصل الأسري فيما بينهم، منذ الماضي ولا تزال موجودة بينهم، والكل يعمل على غرسها في نفوس الجيل الجديد من الأبناء.
وأضاف: كنا في الماضي نتقابل كثيراً طوال اليوم، خاصة بعد أوقات الصلاة، حيث كنا نجلس في الغالب بعدها ونتبادل الحديث عن أحوالنا، وكل ما يتعلق بالحياة، وعلى الرغم من التطورات الحديثة، لم تختف هذه العادات، على الرغم من انشغال كثيرين بأعمالهم خارج المنطقة وعملهم في المناطق المحيطة، أو في دبي والشارقة وعجمان، ومازال هناك تعاون كبير بين جميع الأهالي، والكل يقدم المساعدة للآخرين.
سيف عبدالله علي أبو حمد يقول: تعد منطقة الحلاة من المناطق المعروفة بالسكون والصفاء، وبكثرة المناظر الطبيعية الخلابة، حيث تتميز عن غيرها من المناطق، بالهدوء الشديد وبمناطقها الساحرة، ووجودها بين الجبال العالية، كما أنها منطقة تتميز بوجود التراث والتاريخ القديم. وأضاف: المنطقة تعرف بالتنوع الحيوي الكبير من حيوانات ونباتات مثل السدر والأشخر والسمر، والعديد من النباتات، وكانت في الماضي معروفة بانتشار الكثير من الحيوانات البرية، مثل الغزلان والذئاب والأرانب والطيور البرية، كما أن أهالي المنطقة يهتمون بالزراعة بشكل كبير ، نظراً لخصوبة أرضها وجودة مناخها وكثرة الأودية.
علي سالم: الرجل يرتدي الكورة ويحمل بندقية
الشاعر علي سالم، يقول: اشتهر سكان الحلاة، مثل غيرهم من سكان الجبال، بزيهم التقليدي، إذ كان الرجل يرتدي الكورة وتصنع من القماش، وكانت تباع في أسواق دبي والشارقة، كما كان الرجل يحمل بندقية أو خنجراً على خصره في الأعراس والأعياد، أو أي مناسبة، وفي الأفراح يتبادل الجميع التهاني، ويرجع ذلك لقوة الروابط التي تجمع أهالي الحلاة والمناطق المجاورة، وبالرغم من التطور والتحديث، إلا أن أهالي الحلاة ما زالوا محافظين على العادات والتقاليد القديمة، ومهتمين أشد الاهتمام بتاريخ الآباء والأجداد.
علي الصريدي: خلطات شعبية للعلاج قبل التطوير
عن كيفية العلاج في الماضي بمنطقة الحلاة، قبل بناء المستشفيات في الدولة والمناطق القريبة منها، كمنطقة مسافي ودبا، يقول الوالد علي عبيد الصريدي «أبو سالم»: كان العلاج في الماضي يكون عن طريق الخلطات الشعبية القديمة والأعشاب البرية الطبية، والتي كنا نأتي بها من الجبال والوديان في المناطق المحيطة بنا، خاصة منطقة مسافي، ومن بين الأعشاب الطبيعية التي كنا نتداوى بها في الماضي، الحلوم ونبات العبسق والزعفران واللبان وعشب الحرمل ونباتات المر والصبر والخجل والزعتر البري والشيح، كما أن بعض الأمراض في الماضي كانت تعالج بواسطة الوسم أو بالحجامة، وكلها عادات عرفناها وتوارثناها عن الآباء والأجداد من قبل، وظللنا نتداوى بها لفترة طويلة، حتى تغيرت الحال، وانتشرت المستشفيات في أرجاء الدولة، ولكن كثيراً ما نعود للعلاج بهذه الأعشاب، خاصة لكبار السن، حيث يرفض الكثير منهم الذهاب للطبيب أو العلاج في المستشفيات، معتبراً أن العلاج بالطرق التقليدية أو بالطب البديل هي الأفضل، ولا تزال، لأنها كلها طبيعية، ولا تتدخل فيها أي مواد كيميائية.
الفجيرة: بكر المحاسنة