كان المغفور له الشيخ محمد بن حمد الشرقي، حاكم الفجيرة، وتوابعها من أكثر شيوخ الإمارات وزعمائها حرصاً ورغبة في أن تكون إمارة الفجيرة، جزءاً من الاتحاد السباعي الذي تشكل بقيام دولة الإمارات العربية المتحدة عام 1971، لأنه أدرك أن البقاء خارج هذا التكتل الحيوي والتاريخي ليس في مصلحة بلده وأهله، وكان قد سبق أن انضمت الفجيرة بجهد استقلالي وسيادي من الشيخ الشرقي نفسه ومن أهالي الفجيرة إلى مجلس إمارات الساحل، أو الإمارات المتصالحة، كما سماها الإنجليز عام 1952، وبدأت الإمارات منذ ذلك الحين تستكمل سيادتها على أراضيها ضمن جغرافية تمتد من مشارف بحر عُمان شرقاً، وحتى خور العِدِيد، وشبه جزيرة قطر غرباً على ساحل الخليج.
كما كان لانضمام الفجيرة بأراضيها الزراعية الخصبة وتضاريس جبالها الجميلة ومناخها شبه المعتدل، عاملاً مهماً معاضداً للإمارت وللدولة الفتية، الإمارات العربية المتحدة، بعد ذلك، وأعطت الفجيرة لهذه الدولة إضافات في المساحات الجغرافية قليلة المثيل في شبه الجزيرة العربية، أو على ضفاف البحرين الخليجي والعماني.
ولست أقصد بإمارة الفجيرة وحدها، المدينة التي تشكل عاصمة الإمارة، والتي لو جاءها زائر كان قد رآها قبل ما يزيد على ثلاثة عقود من الزمن مضت، لما صدق عينيه ما تراه من العمران المبهر الذي عم المدينة وضواحيها، ولظن الزائر أنه في مكان غير ذلك المكان الذي سبق أن شاهده، لأنه يرى معجزات لا تدور له على بال، ولكني في الوقت نفسه أتحدث عن القيمة الجمالية المتجسدة في البيئة التي يلاحظها ويشاهدها المرء، عندما تتاح له فرصة زيارة هذه البقعة الأصيلة من أرض الإمارات ذات المناظر الطبيعية الخلابة، نادرة المثيل في الجزيرة العربية.
وليست السهول والبطاح وحدها هي العلامة الفارقة التي تميز الفجيرة عن غيرها من مناطق الإمارات أو على امتداد سواحل الخليج غرباً، لأن التضاريس الجبلية تشكل في الفجيرة أكثر من نصف أراضيها ذات السهول التي أحدثتها الوديان التي تكونت من أزمان غابرة، وجعلت منها بطاحاً صالحة للزراعة في الأماكن التي تجمعت في أجوافها المياه، والسؤال الذي يثار هو: هل هذه التضاريس الجبلية الكثيرة التي تغطي نصف أو ثلثي أراضي الفجيرة ليست بذات منفعة؟ والجواب هو أن هذه التضاريس ليست بالنافعة فحسب، بل هي مفعمة بالمنفعة، ولو اختصرت منفعتها فقط على هذه الإطلالة البديعة على البلد والمشاهد الطبيعية التي ترتاح لها العيون والأفئدة كلما أتيح لأيٍ مِنا أن يكون في موقع جبلي، حيث تحاكي قمم هذه الجبال الشاهقة السماء بلونها الفيروزي الفاتح، وبصفائها النقي، من أي تعكر يوجده تلوث المدن وصخب اللآلات، حيث يأتي من قمم هذه الجبال هواء نقي وأكسجين لا يتوفر للإنسان في المسطحات والمناطق السكنية.
ولقد تعودت شخصياً منذ عامين ونصف العام، أن آوي إلى أحضان هذه التضاريس في دبا الفجيرة، كلما شعرت بالحاجة إلى نقاوة الهواء، وإلى السكينة والراحة النفسية، وعندما أصل إلى الموقع الذي أقصده، أجد هذه الشواهق المحيطة تفتح لي ذراعيها كالأم الرؤوم، وتريني من محياها البشاشة، وقد تزينت رؤوسها بزي الفضاء العلوي اللامتناهي. عندها أشعر بأني في عالم زينته يد الطبيعة، وكسته أحلى ما عندها من الحلل.
الفجيرة.. البحر، والوديان، والعلو الشاهق للجبال والتضاريس الجميلة، ولون شجر الهمبا والليمون والترنج والبرتقال والنارنجي والنبق والموز الفرضي، والأزهار البرية الملونة، والأرض الخصبة المعطاءة.
كل ذلك نعمة من نعم الله يجدها الإنسان في الفجيرة، في الإمارات، وتغنيه عن الأسفار وما فيها من الأهوال.
بقلم عبدالغفار حسين