من مدارس الفجيرة نهل العلم، ومن جبالها تعلم صعود الصعاب، وذاق طعم الجمال، حين عانق عسل السدر وصادق نحله، تحمل المسؤولية منذ نعومة أظفاره، فغدا يعرف معنى المسؤولية، ويكرسها في عمله، حتى وصل أعلى المراتب.. إنه خليفة الزيودي مدير دائرة الموارد البشرية بحكومة الفجيرة.. مثال للمواطن الناجح في المجتمع، وللحديث أكثر عن حياته وعمله كان ل «الخليج» هذا الحوار معه:
} في البداية حدثنا عن نشأتك وأبرز ما يعلق بذهنك منها حتى اليوم ؟
من أبناء منطقة البثنة في إمارة الفجيرة، تبعد عن الفجيرة ب 15 كيلومتراً، نشأت في المنطقة التي يبلغ عدد سكانها في ذلك الوقت 150 نسمة تقريباً، وكنا نهتم بالزراعة كزراعة النخيل والأشياء البسيطة مثل الذرة والخضراوات وبعض الفواكه، ونربي الماشية من الأغنام والماعز، ونهتم بالجبال للحصول على العسل، ورعي الماشية، وكنا نسير في سيارات لاند كروزر، نظراً لصعوبة الطريق، حيث لا يوجد أسفلت، ونطلع قبل صلاة الفجر.
} ماذا عن الدراسة الجامعية؟
درست في مدارس الفجيرة حتى أنهيت الثانوية العامة، وكانت شهادة الإعدادية أصعب شيء لنا، وأكملت دراستي الجامعية في مصر بجامعة الإسكندرية، وكنت أنا غير مرغوب في وجودي بين أصحابي، الذين كانوا في سني، لأنهم تركوا الدراسة جميعاً، وأنا أصررت على تكملة دراستي، رغم أن الوالد والوالدة «رحمة الله عليهما»، أصرا على زواجي في سن ال 16، وتحملت مسؤولية كبيرة منذ صغري، حيث أنجبت الولد الأول وأنا في 18 عاماً من عمري.
} كيف استطعت الوصول إلى منصب مدير الموارد البشرية في حكومة الفجيرة؟
عملت قارئ عداد في بداية حياتي، ثم عملت في وزارة الداخلية، وتركت حيث اتجهت للمحاماة لأن دراسة القانون كانت الهدف الثاني بالنسبة إلي، وهدفي الأول أن أكون طبيباً جراحاً، وتدربت على يد المحامي القدير أستاذي العزيز سعيد مبارك الزحمي، ثم تركت المحاماة التي كنت أعشقها منذ صغري، بعد الطب تلبية لأمر أمي، رحمة الله عليها، حيث مقولتها الراسخة في ذهني «إذا بتاخذ كل القضايا هذا حرام.. وأنت ولدي وأنا أمك ولا أريد لك عيشة الدنيا، لكن لك الآخرة يا ولدي»، ثم تركت المحاماة.
وتم تعييني بأمر من صاحب السمو الشيخ حمد بن محمد الشرقي عضو المجلس الأعلى حاكم الفجيرة، في الدائرة المالية، ثم صدر مرسومه السامي في عام 2006 بتعييني كمدير لدائرة الموارد البشرية، ومنذ ذلك الوقت وأنا أحمل وسام الشرف للإنسان الذي أقر بأنني مدين له طوال عمري، وأنا عضو في مجلس إدارة هيئة التنمية الاتحادية، وعضو في مجالس إدارات مؤسسات حكومية، وعضو سابق في نادي الفجيرة، وغرفة تجارة وصناعة الفجيرة.
} هل أضاف عملك كمدير دائرة الموارد البشرية شيئاً إلى حياتك العملية؟
أضاف لي الكثير والكثير من القيم، كيف لا ونحن جنود في هذا الوطن المعطاء، الذي يمتلك قيادة وحكومة نموذجية ومرجعاً أساسياً لكل حكومات الأرض، أضاف لي التوازن وحب الآخرين وعلمني كيفية التواضع والأخلاق الحميدة والقيم النبيلة والعدل، بين جميع العاملين والوقوف مع الحق ونصر المظلوم.
} كيف هي علاقتك مع العاملين معك؟
أنا فخور جداً أن أكون زميلاً لإخواني وأخواتي وأبنائي وبناتي العاملين في حكومة الفجيرة، صحيح أن المدير واحد، لكن الجميع يعلمون أن النجاح لايأتي إلا من الجميع، وأنا تربطني علاقة متميزة جداً مع إخوتي وأساتذتي المديرين والرؤساء والقائمين على قيادات الدوائر والهيئات والمؤسسات، كما أن علاقتي بالعاملين في الموارد البشرية علاقة أسرية مبنية على التفاهم والتعاون والمشورة والمصداقية، وجيل اليوم، هو جيل التكنولوجيا والبرامج الذكية، والفكر الثقافي الراقي، فأنا أستفيد منهم في القيادة الفكرية، أي رأس المال البشري التكنولوجي، وأفيدهم بالخبرات التي أحملها، فهم الأساس وأنا الإضافة إليهم.
} نسأل ضيفنا عن حلوله بالمراكز القيادية من خلال التوطين فى الوظائف أم التأهيل؟
بالأمانة أنا وطني مئة في المئة، حيث جئت من التوطين لأجل التوطين، أنا لست ضد أحد، وأشكر كل الأساتذة الذين لهم فضل عظيم علينا.. درسونا وأوصلونا إلى هذه المراكز، لكن حالياً دولتنا الحبيبة بالقيادة الفريدة النموذجية الاستثنائية وشعبها الاستثنائي، نستورد كثيراً من مطالبنا الحياتية، لكننا نصدر العلم والمعرفة والثقافة، نحن نرجو ألا يوجد في الإمارات عاطل عن العمل، لأننا نعيش في دولة الإمارات، ولدينا أكثر من 6 ملايين يعملون ويأكلون من خيراتها، فلا نرضى إطلاقاً ونحن أبناء زايد، أن يوجد منا من لا عمل لديه، لكن علينا أن نتسلح بالعلم والمعرفة، ونقبل التحديات ونواجهها بثقافتنا ووعينا، وليس بما ورثناه من أسماء أو صفات، فالعلم يبني، والبطرة تهدم، والقيادة سهلت علينا كل الصعاب، فلماذا نوجد لأنفسنا المكان المتأخر.. لا وألف لا، نحن في المقدمة، والبيت متوحد، ولانرضى إلا بالمركز الأول أليس هذا شعارنا.
} وهل استطاعت الدائرة توطين الوظائف في إمارة الفجيرة؟
نعم، نحن بالتوجيهات السامية لمرجعي وفكري وسندي، صاحب السمو الشيخ حمد بن محمد الشرقي، وضعنا الوظائف القيادية جميعها وطنية 100%، وكل الصفوف الأولى، ونسبتنا لا تتجاوز 87% من توطين الوظائف، باستثناء العمالة، كسياسات الدائرة لسوق العمل.
} حدثنا عن مواكبة سياسات الدائرة لمتطلبات سوق العمل في الفجيرة؟
سيادة دولة الإمارات واضحة كل الوضوح، المواطن هو الأول والثاني والثالث، وسياسات حكومة الفجيرة منبثقة من سياسات الدولة، أما سوق العمل الإماراتي الذي يسلك طريقين، الأول هو العمل الحكومي، أي الاتحادي أو المحلي، والثاني هو القطاع الخاص الرافد الأساسي لعملية التوطين في أي بلد، ونحن في الإمارات والحمد لله، والإخوة والأخوات أصحاب القرار في التوظيف يدعمون عملية التوطين، ونحن في الفجيرة لدينا عدد من مراكز الاتصال في الجهات شبه الحكومية والخاصة، وتدار جميعها بنسبة توطين 100% حيث لدينا تسهيلات من الحكومة في هذا الشأن، فسوق العمل الإماراتي بخير والوظائف موجودة، ربما يفضل الكثير الدخول في الوظائف الحكومية، لكن هناك عدداً كبيراً من أبناء الدولة يعملون في القطاع الخاص، ونحن لدينا بوابة معرض الفجيرة للتوظيف، الذي تنظمه دائرتنا سنوياً، مما كان له الأثر الأكبر في استقطاب كثير من أبناء الإمارة والمنطقة لدخول سوق العمل الخاص بقوة.
} ماذا عن فرص العمل التي توفرها الدائرة لذوي الإعاقة، كمرض الثلاسيميا؟
بناء على توجيهات صاحب السمو الحاكم، تم تعيين عدد كبير من المعاقين خصوصاً في عام 2013، حيث تم تعيين 27 في نفس العام.
} ما الخطط المستقبلية لدائرة الموارد البشرية؟
أن يوفقنا الله في توظيف جميع طالبي الوظائف، ونصل إلى صقل طالب وظيفة بالخبرات، وليس ذلك صعباً ولا مستحيلاً، فنحن نطرح العديد من البرامج والمحاضرات وورش العمل والتأهيل والتدريب، وتبادل الخبرات وتطوير البرامج الإلكترونية والذكية والثقافية.
} من الشخصيات التى تأثرت بها ولها بصمات فى حياتك؟
نظراً لقربي من صاحب السمو حاكم الفجيرة، الذي لا يوجد أي فاصل بينه وبين أبنائه في الفجيرة، فهذه الشخصية العظيمة زرعت فينا كل الحب والعلم والمعرفة والقيادة والتواضع، وفي صغري كان أستاذي ومعلمي فاروق هاشم، مدرس اللغة العربية، وبكل أمانة لو وجد في أي مكان لن أستطيع الجلوس ولا الكلام، فهو قدوتي ومعلمي ونبراس حياتي، ووالدي، رحمه الله، علمني كيف أكون رجلاً، وعلمني معنى الشهامة والرجولة والصمود وحب القيادة، وحتى وفاته، رحمه الله، كان يوصينا بحب الوطن والشيوخ، ويحثنا على الصلاة والعبادة، وقول الحق والعدل بين الناس.
} لو عدنا من جديد لحياتك الشخصية، حدثنا أكثر عن أبنائك وإلى أي مدى أنت قريب منهم؟
أنا في يوم الجمعة لا أخرج من البيت، إلا إذا كان وقت السفر، فأنا لا أسافر إلا مع عائلتي سنوياً، ولهم وقتهم.
} ما المبادئ التي ورثتها عن أهلك وأورثتها إلى أبنائك؟
التضحية في حب الوطن والقيادة، وكان والدي، رحمه الله، يجلس بعد صلاة المغرب مع الجيران والأهل أمام المسجد، الذي بناه أمام البيت، وأنا مازلت أسير على المنهاج نفسه، وإفطار يوم الجمعة لابد أن يكون جماعياً مع الأبناء، ونحن نلتقي يوم الجمعة على وجبة الإفطار، التي تعتبر بالنسبة إلينا واجبة التنفيذ، وثاني يوم من أيام كل عيد، نتغدى في بيت والد زوجتي، وهذا روتين يمنع منعاً باتاً المساس به.
} ما أسعد اللحظات بالنسبة إليك؟
عندما أقوم بالتوقيع على تعيين شخص محتاج للوظيفة، ثم يعمل في هذه الوظيفة بجد وإخلاص.
} القيادة كيف تبلورت في شخصيتك؟
المبدأ الأساسي، عندما تحب تخلص، وعندما تخلص تتميز، وعندما تتميز، تكون قدوة حتى تصل إلى الريادة، والقائد الذي يبني قيادته على قيادة الآخرين فاشل، والذي يبني قيادته على حب العمل والإخلاص فيه، ويعترف بأنه يؤدي خدمات للآخرين، ويحمل أمانة، بالتأكيد النجاح سيكون طريقه، ولابد من مواكبة التطورات، والاطلاع، وعدم البقاء على ماتم الوصول إليه، لأنه في كل يوم جديد.
} برأيك من هو المواطن الناجح في المجتمع؟
هو الذي يعرف كيف يربي أبناءه تربية سليمة، ويكون قادراً على تحمل حب الوطن والعلم والمعرفة والأخلاق الحميدة وحب القيادة، وكيف يقود تابعيه بحكمة ومعرفة، ويبني الخطط والاستراتيجيات والتصرف الحكيم.