هذه قصة الفخار لكل أبناء الإمارات، الذين صار لهم سجل الشهادة دفاعاً عن الحق ونصرة الأخوة في اليمن الشقيق ضمن قوات التحالف العربي، ويجسد أحد قصصها الشهيد راشد الزعابي، المشهود عنه أنه صائد الجوائز والنياشين ورجل المهام الخاصة، هنا تحدث عنه أسرته بالفخر.
الشارقة 24 – آدم عبد المنعم:
لم يحالفه الحظ في استكمال مسيرته التعليمية، حيث توقف عند المرحلة الإعدادية، كما لم يصل إلى الرتب العسكرية العليا، حيث حكمت الأقدار باستشهاده عند رتبة “رقيب”، إلا أنه بطموحه ومثابرته تمكن من نيل أرفع الأوسمة والنياشين، نتيجة مسيرة عمل تدعو للفخر قوامها 17 عاماً من الخدمة العسكرية.
الشهيد راشد ناصر الزعابي، ابن مدينة كلباء، ارتقى إلى ربه في الـ 34 من العمر ضمن مشاركته في حرب اليمن بقوات التحالف العربي، متوجاً سجل إنجازاته بتاج العزة والكرامة.
ولد الشهيد الزعابي في السابع من أكتوبر/ تشرين أول العام 1981، لأسرة تتكون من 12 فرداً، احتل بينهم الترتيب السادس، وحصل على شهادته الاعدادية من مدرسة أبو أيوب الانصاري بمدينة كلباء حيث مسقط رأسه، ورزقه الله بثلاث بنات ثمرة زواجه؛ هن “شيخة، وشهد، وشما”.
انتسب الزعابي إلى القوات المسلحة العام 1999، كعادة الكثير من أبناء جيله، حيث كان العمل العسكري حلما يراود الجميع من الفتيان، لاعتبارات كثيرة على رأسها قداسة هذا العمل، والسعي لخدمة وطنه، وتأمين مستقبل أسرته.
يقول ناصر الزعابي، والد الشهيد، أنه تمتع بدماثة الخلق، وكان على درجة عالية من التواضع، وكانت له طريقة خاصة ومتميزة في التعامل والتواصل مع الناس، يغلب عليها المرح والبسمة، لذلك كان محل احترام الكبير والصغير، وبجانب صفاته الإنسانية المتميزة كان شغوفاً بعمله ضمن صفوف القوات المسلحة.
ويضيف الأب، إن راشد كان رياضياً منذ صغره، وأنعم الله عليه بنعمة القرب منه، فكان حريصاً على صلاته ملتزما في شتى أمور حياته، وكانت أسرته شغله الشاغل، حيث رزق بثلاث بنات، يمثلن أهم ما في حياته، اعتاد معهن السفر إلى الخارج حيث كانت هوايته الترحال اثناء إجازاته الرسمية برفقة أسرته.
مهمات ونياشين
ولاهتمامه البالغ بالرياضة تمكن الرقيب راشد ناصر الزعابي المشاركة في العديد من البطولات والمسابقات على المستويين الخاص والعام، حيث محباً لرياضات الركض والغوص، علاوة على ولعه بالصيد، ومن ضمن مشاركاته الرسمية بصفته العسكرية، شارك في بطولة “ماراثون البرية” عام 2010، والتي تنظمها القوات البرية، كما حصل على العديد من الدورات، ومنها دورة العمليات القتالية التابعة للقوات المسلحة العام 2006، كما فاز بدورة خاصة عن الإنقاذ والمساندة من جامعة ابوظبي العام 2009.
وفي العام 2002، حصل الشهيد على ميدالية ذكرى اليوبيل الفضي لتوحيد القوات المسلحة من صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي “رعاه الله”.
ويوضح عبد الله ناصر الزعابي الشقيق الأكبر للشهيد، ان راشد كان عسكرياً جسوراً ومتميزاً، ولمهارته وتميزه في عمله شارك في العديد من التدريبات المشتركة والمهمات العسكرية خارج حدود الدولة، وطالت العديد من البلدان ومنها المملكة العربية السعودية وفرنسا، وشارك ضمن قوات درع الجزيرة في مملكة البحرين الشقيقة، إضافة لمشاركته ضمن قوات حفظ السلام في كوسوفو العام 2001، ومشاركته في عملية “سلام الغرب” في الجماهيرية الليبية العام 2011.
ويشير الشقيق الأكبر، إن الشهيد نتيجة لجهوده حصد العديد من الأوسمة والنياشين عن مشاركته في العمليات الخارجية ومنها أوسمة ونياشين عن مشاركته بالبحرين وكوسوفو وليبيا، وكان آخرها وسام الشجاعة عن مشاركته في حرب اليمن التي استشهد فيها في 4 من سبتمبر/ ايلول من العام الجاري.
استشهاده
التحق الشهيد راشد ناصر الزعابي برفاقه من المقاتلين في اليمن قبل استشهاده بثلاثة أسابيع، وكانت هذه المرة الأولى والأخيرة التي ذهب فيها لليمن. وكان شقيقه الأصغر “خلف”، قد عاد للتو من اليمن.
تقول الأم”سهيلة ناصر علي”: إنها كانت تخشى استشهاد “خلف” ولم تفكر في أن راشد قد ينال الشهادة، ولكن بمجرد عودته من اليمن وذهاب راشد، انتابني هاجس استشهاده، موضحة إن انتشار خبر استشهاد عدد من جنود الإمارات آنذاك أكد حدسها باستشهاده، خاصة في ظل تأكيد انباء استشهاد بعض من أصدقائه من مدينة كلباء”.
وأشارت الأم على أن استشهاد “راشد” أدخل الفخر على نفوسنا رغم ألم الفراق، موضحة أنه يكفيها أن عموم الناس تدعو لابنها ورفاقه الشهداء في كافة مساجد الدولة في كل صلاة جمعة”.
ويوضح الأب ناصر الزعابي إن الشهيد كان على تواصل دائم معهم، وكان يوصيهم بالثبات عند المحن والشدائد، وفي آخر محادثاته معهم أكثر فيها من السلام على أفراد الأسرة والأصدقاء، وأوصى بالدعاء له بنيل الشهادة، متابعاً:” إننا لا نزكيه على الله، معبراً عن فخره بنيل أحد أبنائه شهادة العزة والكرامة، حيث مات مدافعاً عن الحق، وثوابت الوطن والأمة العربية.
وينوه عبد الله الشقيق الأكبر للشهيد، إن تأخر وصول جثمان الشهيد بعد تأكيد خبر استشهاده، كان عاملاً مهماً في التخفيف عن أسرته كافة، خاصة والدته، حيث كانت الصدمة تدريجية، وشيئاً فشيئاً ومع مرور الأيام حتى وصول الجثمان، كان الجميع قد استوعب الأمر، واحتسبناه عند الله شهيدا راضياً مرضياً، ونحمد الله أن جمعه بأحبته من أصدقائه ونالوا وسام العزة سوياً.
الدعاء بالشهادة
وقال حسن ناصر الزعابي، شقيق الشهيد إن الشهيد قبل مغادرته إلى اليمن كان يدعو الله أن يستشهد في سبيله، والدفاع عن الوطن، وطالما عبرت عن ذلك رسائله على تطبيقات التواصل الاجتماعي، وقد منّ الله عليه بها، لافتاً إلى أن أفراد أسرة الزعابي يشعرون بالفخر بشهيدهم، الذي رفع رؤوسهم عالياً، مدافعاً عن الوطن.
وقالت مريم ناصر الزعابي شقيقة الشهيد راشد: ” فخورون بشهادة أخي، وهذه الشهادة وسام على صدورنا جميعاً، ونوجه حديثنا لقائد مسيرتنا صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، وإلى صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، أننا جميعا فداء للوطن ولكم، نفديكم بأرواحنا وقلوبنا وبكل غال ونفيس.
بشارة الشهاد بالواتسب آب
وأوضح خلف ناصر الزعابي، الشقيق الأصغر، إن الشهيد في آخر رسالة صوتية له على “الواتس آب”، قال فيها “انتظروا غداً خبر مهم على الهواء… غداً تصلكم البشارة”. وكانت هذه آخر رسائله لنا قبل استشهاده حيث وصلنا الخبر بعدها بساعات.
ويشير “خلف”، ان عددا من الجنود المرافقين للشهيد أفادوا بعد عودتهم بأن ليلة الاستشهاد جمعت راشد بأقرب أصدقائه وأبناء مدينته، حيث باتوا ليلتهم يتسامرون ويضحكون، موضحاً إن أحد الجنود ابلغ الأسرة إن الشهيد كان حريصاً في تلك الليلة وللمرة الأولى على إطلاع زملائه على صور بناته الثلاث، كما صلوا المغرب والعشاء والفجر سوياً ليلتها، وقضت الأقدار أن يستشهدوا سوياً.
دعم الشيوخ
ثمّنت أسرة الشهيد راشد ناصر الزعابي دعم القيادة الرشيدة للدولة لهم، موضحين إن زيارات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي رعاه الله، وصاحب الشيخ محمد بن زايد آل نهيان نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، ولي عهد أبوظبي، لهم كان لها بالغ الأثر في التخفيف عنهم ومواساتهم.
وأشار والد الشهيد إن شيوخ الإمارات يضربون أروع الأمثلة في مفهوم العلاقة بين قيادة وشعب دولة، لذلك تجد الجميع يتهافت على تلبية أوامرهم، ولو تطلب الأمر فداءهم بالروح لما تأخر أحد من مواطني الدولة.
وأوضح أنه طلب من الشيوخ أن يباركوا له، لا أن يعزوه، باعتبار إن الشهادة مثار فرح وفخر لا حزن وعزاء.
وتقول الأم:” أبلغت صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد أن أبنائي كافة رهن إشارته كي يحلوا مكان أخيهم الشهيد في الصفوف الامامية للحرب”.
وأضافت الأم إن أبناء الشهداء في ضمان شيوخنا، حيث تكفلوا بكل شيء يخصهم، ويخص عموم العائلة، وهذا ليس بغريب على شيم الرجال تقديراً لتضحيات شهدائنا، وإيماننا من شيوخنا بواجبهم وتقديراً وتخليداً لذكرى أبطالنا حيث لا ينقطع السؤال ولا التكريمات المتتالية لأبنائنا واخواننا الشهداء وذويهم.
كما توجهت أسرة الشهيد ببالغ شكرها وتقديرها إلى صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الاعلى حاكم الشارقة، الذي حرص على مواساتهم، كما أمر بإطلاق اسم الشهيد على الشارع المجاور لمنزل أسرته مما أدخل البهجة والفخر على نفوس ذويه.