منطقة أعسمة تنوعت ألوان جبالها، فتلونت قدرات أهلها الإبداعية. وأصبحت شامة على خد تلك المنطقة التي تجذب القلوب إلى أوديتها من كل حدب وصوب للتنزه والتمتع بالجمال والخصب وحلاوة الحياة وطبيعتها الخلابة وجبالها الشامخة، فعند الوصول إليها تجدها فاتحة ذراعيها تحتضن ضيوفها وتمنحهم دفء الحياة كأهلها الذين يدفئون الأرض بسحر وداعتهم وعشقهم لأرضهم.
وتعد قرية أعسمة، التابعة لإمارة رأس الخيمة، واحدة من أبرز المعالم الأثرية والتاريخية التي تميز المنطقة الجبلية الجنوبية للإمارة، نظراً لوجود قرية أثرية تعود لمئات السنين تحتوي على بيوت ومخازن القمح والتمور القديمة والعديد من الآثار التاريخية للأهالي الذين سكنوا تلك المنطقة في الماضي. ونظراً للأهمية التاريخية للمنطقة ومعالمها الأثرية والطبيعية، «الخليج» زارتها ورصدت التقرير التالي..
تقع القرية على الطريق الرابط بين مدينتي مسافي ودبا الفجيرة، على دوار منطقة الطيبة والخليبية بالجهة الشمالية بين أحضان الجبال العالية وذات الألوان المختلفة والمحاذية لجبال منطقة وادي السدر. وتشتهر المنطقة بوجود قرية تاريخية قديمة تحتوي على منازل يتجاوز عمرها مئات السنين مبنية من الحجارة والطين وصاروج النخيل وتحتوي على مساجد تاريخية جرى ترميمها مؤخراً. وحظيت تلك المواقع الأثرية التي تبرز التاريخ العريق لابن المنطقة، باهتمام من قبل حكومة رأس الخيمة لتصبح مقصداً للزوار والسياح من داخل الدولة وخارجها.
واشتهر سكان المنطقة منذ القدم بالزراعة بأنواعها خصوصاً النخيل والهامبا (المانجو) والليمون والبرتقال وحبوب البر والشعير، إضافة إلى تربية ورعي الأغنام والأبقار باعتبارهم من المصادر الأساسية لتوفير لقمة العيش الكريم في ذلك الوقت، كما لعبت الأمطار الموسمية، ووجود وادي أعسمة الكبير والأفلاج والآبار الجوفية العذبة وامتهان الأهالي جميع أعمال الزراعة الدور الكبير في اخضرار القرية وخصوبة أرضها.
وأعسمة منطقة منبسطة تحيط بها الجبال من كل جانب مثل حضن يخفيها عن كل غريب، وطيبة أهلها كطيبة أرضهم، ينتظرهم المساء للسهر على أضواء الفوانيس ومصابيح الإنارة، وينتظرهم الصباح والأرض للعمل كحياة الجميع. والتي اجتمع سكانها على الحب والتعاون وعشق الأرض التي لا تنبت إلا الطيب.
وعند الوصول إلى المنطقة استقبلنا الشاب سلطان بن عبد الله المزروعي، أبو ماجد، وعرفنا من خلال الجولة على المنطقة ومعالمها التاريخية والطبيعية. يقول: «أعسمة تعتبر إحدى المناطق الجبلية ذات الطبيعة الخلابة الجميلة، نظراً لما تتمتع به من هدوء ومزارع خضر فريدة من نوعها، فضلاً عن اعتدال جوها صيفاً وانعدام الرطوبة فيها، إلى جانب منازل الأهالي الجميلة وكرم سكانها، الذين يتصفون بحسن الضيافة والكرم والشجاعة وحب الوطن والوفاء للقيادة الحكيمة.
ويضيف: “تشتهر المنطقة منذ القدم بتنوع المحاصيل الزراعية ذات الجودة العالية نتيجة لتربتها الخصبة ومياهها العذبة وكثرة الأفلاج المائية القديمة فيها، ما ساعد على الإنتاج الزراعي الوفير كالتمور بأنواعها المختلفة والهامبا (المانجو) والنبق والليمون، وغيرها من المحاصيل الزراعية التي تشتهر بها المنطقة، وتعتبر هذه المحاصيل من أجود الأنواع على مستوى مناطق الجبلية الجنوبية لإمارة رأس الخيمة”.
المواقع الأثرية التي يعود عمرها إلى مئات السنين، تحيط بك أثناء تجولك في المنطقة، عبر الحارات القديمة وبقايا البيوت المبنية من الحجارة والمساجد الأثرية القديمة والمنازل الشتوية التي عملت حكومة رأس الخيمة مؤخراً على إعادة تأهيلها وترميمها للمحافظة على طبيعتها الأصيلة، لكي تبقى شامخة تعبر عن تاريخ المنطقة العريق، وتؤكد للزوار والسياح الذين يأتون أن أعسمة منطقة تاريخية وعريقة، على ما يؤكد المزروعي، فهي أصبحت معروفة في أوساط علماء الآثار من خلال تقرير لمسح أثري نشرته العالمة بياترس دي كاردي في عام 1985.
وتستقبل أعسمة العديد من الزوار والسياح في مختلف أيام السنة، سواء من داخل الدولة أو خارجها، للتعرف إلى آثارها ومعالمها التاريخية وللاستمتاع بالطبيعة الخلابة وبجوها العليل ومناخها المعتدل صيفاً وشتاء، إذ تتميز المنطقة بكثرة المناظر الطبيعة خصوصاً في مواسم هطول الأمطار والربيع.
ويقول المزروعي إن منطقة أعسمة حظيت باهتمام الدولة، على مر تاريخها وحكامها، وبفضل توجيهات صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، وأخيه صاحب السمو الشيخ سعود بن صقر القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم رأس الخيمة، وولي عهده سمو الشيخ محمد بن سعود بن صقر القاسمي، بُنيت المساكن الحديثة وأدخلت الكهرباء وخدمات الاتصالات والإنترنت كما عُبدت الطرق الداخلية والخارجية للمنطقة.
وبعد جولتنا بالمنطقة، توجهنا إلى منزل الوالد سالم بن محمد الشهياري، أبو محمد، الذي ما زال محتفظاً بعاداته العربية الأصيلة من أخلاق وكرم كبيرين. يحدثنا عن الحياة في الماضي، قائلاً: “عُرفت المنطقة منذ الماضي بالزراعة بأنواعها وتربية الحيوانات وتجارة التمور والمحاصيل الزراعية ومنتجات الماشية والأغنام وبيعها في أسواق دبي والشارقة، والانتقال إليها عبر طرق جبلية وعرة، إذ كانت تستغرق الرحلة الواحدة نحو 7 أيام ذهاباً فقط، وعند الوصول إلى تلك الأسواق يتم بيع المنتجات للتجار أو مقايضتها بعدد من السلع والاحتياجات، مثل القهوة والعيش والسكر والشاي وغيرها من احتياجات الأهالي”.
يضيف الشهياري: «كانت القرية تشتهر بوجود ينابيع ووديان غزيرة المياه ما أسهم في انتشار المزارع واهتمام أهلها بمهنة الزراعة حتى وقتنا الحاضر، حيث عرفت منطقة أعسمة في الماضي والحاضر بزراعة أشجار النخيل والمانجو والليمون والسدر وحبوب الذرة والشعير والعديد من الخضراوات منها الكوسة والطماطم والفلفل والخيار وغيرها من المحاصيل. وكان الأهالي يقومون بأعمال الحراثة والسقي والعناية بالأشجار وفرش الأرض التي تزرع فيها الحبوب من دون الاعتماد على أحد، وكان الاعتماد في ري المزروعات على الأمطار والأفلاج ومياه الوادي الذي كانت لا تنقطع المياه منه في موسم الشتاء وتبقى حتى بداية الصيف».الوالد عبد الله بن سيف المزروعي، أبو سعيد، يقول: «عاش الأهالي قديماً في بيوت بسيطة شتوية مبنية من الطين المطعم بالحصى والحجارة وسعف النخيل والتي ما زالت موجودة في الحارات القديمة بالمنطقة وكانت تلك المنازل رغم حجمها الصغير إلا أنها تسع كل أفراد الأسرة وكانت تقام بجانب بعضها البعض. أما في فصل الصيف والذي كان يسمى بموسم القيظ، كان الأهالي يعيشون في البيوت الصيفية والتي كانت تنتشر في مزارع المنطقة بشكل كبير وتكون مبنية من خوص وجذوع النخيل وأغصان أشجار السمر والسدر. واستمرت حياة الأهالي على هذا النمط حتى انتقلوا خلال مدة السبعينات من القرن الماضي من بيوت الطين والعريش إلى العيش في منازل شعبية ذات طابع حديث شيدها لنا المغفور له بإذن الله، الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم في عهد المغفور له بإذن الله، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمهما الله. ومنذ تلك الفترة تغيرت الحياة على أرض أعسمة وحدث تطور كبير في المنطقة، إذ وصلت خدمات الكهرباء والماء وعُبّدت الطرق وبنيت المنازل الحديثة التي جعلت حياة المواطن سعيدة ورفاهية وأكثر أمناً، كما بنيت بالمنطقة العديد من الفلل الحديثة بمكرمة من صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظة الله، فالقيادة الحكيمة لم تقصر يوماً في تقديم أي احتياجات أو خدمات للمنطقة أو للأهالي».
عن التعليم في الماضي بمنطقة أعسمة، يقول المزروعي: «لم يكن هناك تعليم على نطاق واسع كما هو عليه اليوم، إذ كان التعليم في الماضي بسيطاً يقوم على يد المطوع الذي يعلم الناس، ويصلي بهم في مسجد القرية القديم حيث كان يتجمع أبناء المنطقة في المسجد أو تحت الأشجار الكبيرة وكان يعلمهم القرآن والسنة النبوية والقراءة والكتابة، بالإضافة إلى الحساب وكيفية أداء الصلاة والضوء وكان التعليم مقابل إعطاء المطوع بعض التمور أو شيئاً بسيطاً من المحاصيل الزراعية أو منتجات الحيوانات وكان يحظى باحترام الكبير والصغير من أهالي المنطقة، ويحظى بمكانة كبيرة وعالية بينهم، ولكن بعد قيام الاتحاد انتشرت المدارس النظامية في مدينة مسافي وكان أبناء وبنات القرية يذهبون إلى تلك المدارس وكان عددهم بسيطاً لا يتجاوز الثلاثة عشر طالباً، ولكن في وقتنا الحاضر توفرت مدارس للطلبة والطالبات لكل المراحل الدراسية وفي أعلى مستوى من التعليم حتى أصبح هناك عدد كبير من أبناء المنطقة ممن درس في الجامعات والمعاهد المتعددة».
محمد عبيد المزروعي يقول: «كانت الحياة قديماً بالمنطقة بسيطة وسهلة قائمة على المحبة والتعاون بين جميع الأهالي، وكانت الحياة يسودها البركة والخير بينما في الوقت الحاضر تغيرت بعض العادات والتقاليد الاجتماعية، وكانت منازل الأهالي بسيطة لا تتعدى 20 بيتاً وكان لهم عاداتهم وتقاليدهم التي لا يزال البعض منهم محافظاً عليها. وكان اهتمام الأهالي منصباً بالزراعة، فهي كانت الحرفة الرئيسية كون المنطقة ذات أرض خصبة والتربة الطيبة ويكثر فيها هطول الأمطار بشكل كثير، أما في وقتنا الحاضر وعلى الرغم من قلة سقوط الأمطار، فإن الزراعة ما زالت تحظى باهتمام كبير من الأهالي».
ويشير عبيد حمد الشهياري، إلى تميز المنطقة بالهدوء الشديد وسحر طبيعتها الجبلية والجمال الطبيعي ومناخها المعتدل على مدار أيام السنة بعيداً عن الرطوبة العالية، فضلاً عن الشلالات المنسكبة طوال مدة الشتاء عندما تسقط الأمطار على جبالها العالية، فضلاً عن تميزها بطبيعتها الخلابة إلى جانب معالم التراث مثل بقايا المنازل والمساجد القديمة وأحجار البناء والآبار والقنوات وبرك المياه القديمة التي كان يستخدمها الأهالي منذ مئات السنين، وما زالت موجودة، تذكر من يراها بتاريخ الآباء والأجداد العريق، وتغرسه في نفوس أبناء الجيل الجديد.
سيف راشد المزروعي، يقول: «لمنطقة أعسمة طابع ومزاج خاص لجميع الأهالي الذين ولدوا وعاشوا فيها، فنحن الآن وفي ظل الاتحاد المبارك الذي أقامه الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، وإخوانه حكام الإمارات من بعده، تحولت حياتنا إلى النقيض، فأصبحنا في رغدٍ من العيش ونمتلك كل شي من بيوت حديثة وفخمة وسيارات ووظائف مريحة ومجزية وكل هذا يرجع بفضل القيادة الحكيمة للدولة».