تتميز مدينة الفجيرة الساحلية الواقعة شرق دولة الإمارات بأصالتها وأهميتها ليس بالنسبة للإمارات فحسب وإنما للعالم أيضاً، فإلى جانب أنها عاصمة الإمارة فهي تُعد حالياً المحطة الثانية في العالم لإعادة تحميل ناقلات النفط والمكان الخاص للاستمتاع بطبيعتها الخلابة المتميزة وثقافتها العريقة، وموقعها المتفرد بقدم تغوص في تقاليد البحر، وأخرى على البر.
بوابة بحرية رئيسة للإمارات
اكتسبت الفجيرة الواقعة على ساحل بحر عمان، الذي يحدها من جهة الشرق شهرتها من كونها مركزاً تجارياً، فميناؤها يعد من أكثر الموانئ الإماراتية نشاطاً وحركة على مر التاريخ، ومن وقوعها على ساحل البحر حظيت بمكانتها المتميزة، هذا الموقع جعلها تحتل مكانة بارزة في التاريخ الإماراتي، فميناء الفجيرة يعد اليوم بوابة بحرية رئيسة للإمارات.
ويقع هذا الميناء جنوب مضيق هرمز مباشرة على ساحل المحيط الهندي المحاذي لشبه الجزيرة العربية، وهو حلقة وصل تمتد إلى شبه الجزيرة الهندية ويربط الإمارات بأسواق شرق وجنوب إفريقيا.
نموذج مصغر
تلخص الفجيرة للزائر الأجنبي المكان الإماراتي بكل عراقته وجمالياته، وما في الإمارات من مظاهر سياحية يجد نموذجاً مصغراً منه في الفجيرة: القلعة والبحر والأسواق القديمة والحديثة.
للفجيرة قدم تغوص في تقاليد البحر، والقدم الأخرى على البر، تتحرك في حقل التاريخ تحيط بها تقاليد النهار والليل وحركة العمل التي لا تتوقف لأن الضوء يغمر المكان: ضوء التاريخ والأسطورة، ضوء الماضي العريق والحاضر المشرق الذي يغمر المكان بإشراقته.
كل ذلك يؤكد أن الفجيرة أكبر من نقطة في الجغرافيا الإماراتية تسترخي على البحر العربي المترامي الأطراف، إنها حالة نادرة يجتمع بها كل عناصر الجمال: الماء والخضرة والعراقة والسفن والأسواق الشعبية بجوارها فرش الرحالة قراطيسهم، والرسامون خطوطهم ونثروا ألوانهم والشعراء مخيلتهم.
كانت الفجيرة حاضرة في جزيرة العرب منذ مئات السنين، وظلت على وهجها التاريخي والجمالي، وقد كان مؤسس دولة الإمارات المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان من الرجال القلائل الذين أدركوا أهمية الفجيرة وسمو مكانتها؛ إذ اعتبرها عاصمة الساحل الشرقي ورئة الإمارات الشرقية نحو العالم، وسار على نهجه صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة.
قلاع ومعالم
على واجهة البحر تقف قلعة الفجيرة التي تعد من أبرز معالم المدينة التاريخية، وتؤكد عراقتها بشموخ، والقلعة تقع في الجزء الشمالي الغربي من قرية الفجيرة القديمة خلف مزارع النخيل على بعد ثلاثة كيلومترات من البحر، وقد بنيت على قمة جبل صخري صغير يبلغ ارتفاعه 20 متراً، وتم أخذ عينات عضوية من داخل البناء لإجراء التحليل الكيميائي عليها بواسطة كربون 14 للتاريخ الزمني، وكانت النتيجة أن القلعة أنشئت مطلع القرن الـ16 الميلادي، إذ كانت وسيلة دفاعية تصد هجمات المغيرين على الإمارات من جهة البحر.
وليست القلعة هي المعلم الوحيد بالفجيرة، فهناك العديد من القلاع منها قلعة البثنة وتقع في منطقة البثنة ويعود تاريخ بنائها إلى عام 1735 وتقع على طريق الفجيرة – الذيد، وحصن ومربعة الحيل التي شيدت في عام 1670.
وهناك قلاع ومواقع أثرية أخرى عدة منتشرة في كل مناطق الفجيرة، منها قلاع دبا ومسافي والطويين والسيجي، بالإضافة إلى مسجد البدية وقلعته التي تقع على الطريق الرئيس لشارع الفجيرة – دبا وشيد قبل 300 عام.
ينابيع
قبل الاتحاد كانت الحياة بدائية بسيطة واقتصاد الإمارة قائم على الزراعة كون الإمارة بها كثير من العيون المائية والأودية معظمها يعج بالمياه، ومن تلك العيون والأودية أخذت التسمية (الفجيرة سميت بذلك لكثرة الأودية وينابيع المياه التي تتفجر فيها)، حسب المواطن علي الكندي الذي يضيف: «الفجيرة من أكثر الإمارات غنى بالأودية والسهول والشعاب نظراً لتركيبتها الجيولوجية، وطبيعة أراضيها المحاطة بسلسلة من الجبال التي تتخذ أشكالاً مختلفة». ويوضح أن الفجيرة طبيعتها جبلية لكثرة الجبال والعيون التي من أشهرها عين مضب وهي عين معدنية كبريتية يقصدها البعض للاستشفاء، بالإضافة إلى عين الغمور وعين الوريعة أو وادي الوريعة، وهناك عيون أخرى في معظم الأودية مثل وادي احفرة والحيل والفرفار وامدوك ووادي سهم.
خير خلف
تشتهر الفجيرة «بقريتها التراثية» أو الفجيرة القديمة على الساحل، التي تعد نموذجاً للعمارة التقليدية، وفيها منزل مؤسس الإمارة وحاكمها الراحل الشيخ محمد بن حمد الشرقي. كان الراحل من وجهاء وأعيان الجزيرة العربية تقلد مكانة سامقة في إمارته وبين جماعته، كما حظي بالمكانة ذاتها لدى مؤسس دولة الإمارات المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، بل إنه كان محل ثقته في أكثر من مهمة ومناسبة.
وصاحب السمو الشيخ حمد بن محمد الشرقي، عضو المجلس الأعلى حاكم الفجيرة، خير خلف لخير سلف، إذ اكتسب العديد من الخبرات المطلوبة، وتعرف إلى مهام ومسؤوليات الحكم من خلال معايشته لوالده ودراسته وحب الاطلاع على مختلف العلوم السياسية والعسكرية والاقتصادية من أجل خدمة أبناء وطنه، إذ استطاع أن يلم بقضايا الوطن والمواطنين، ويتعامل معها بخبرة وحنكه استمدها من والده رحمه الله. في تلك الفترة كان صاحب السمو الشيخ حمد بن محمد الشرقي في ريعان شبابه وحاضراً في مجلس أبيه، وحاول الشاب إرواء نهمه من المعرفة، إذ كان مجلس والده يضم نخبة من رجال العلم من فقهاء وعلماء وأدباء من مواطنين وغيرهم، فكانت مهمته في تلك الجلسات هي الاطلاع مباشرة على طرق والده في إدارة الحكم وتناول شؤون الناس والأساليب الحكيمة التي يتبعها ذلك القائد المؤسس في تسوية الخلافات ومعالجة مشكلات مواطنيه، ما أكسبه خبرة عظيمة في ما بعد في معالجة شؤون الحياة داخل الإمارة.
وأبدى منذ طفولته الأولى شغفاً كبيراً بالحفاظ على التقاليد المرعية للأسرة الإماراتية الكبيرة، وانعكست هذه التربية على حياته، إذ كان ولايزال محباً لعائلته الكبرى التي تشمل مواطنيه، فهو الأخ لكبيرهم والأب لصغيرهم، فالجميع يتطلع إليه كقائد وأب عطوف ومصدر خير وراعٍ للمحبة والإخلاص والألفة.
وعزز تعليمه وثقافته بمختلف العلوم وبالرحلات العديدة إلى الخارج وعاد إلى أرض الوطن عام 1971، بعد رحلته التعليمية والعلمية في المملكة المتحدة لإشباع نهمه العلمي وخدمة وطنه كونه ولياً للعهد. وكانت تنتظره المسؤوليات الوطنية العظيمة التي بدأها وزيراً للزراعة والثروة السمكية في أول تشكيل لوزارة اتحادية بعد قيام دولة الاتحاد في الثاني من ديسمبر 1971.
منجزات متميزة
لم تمضِ سنوات حتى تولى صاحب السمو الشيخ حمد بن محمد الشرقي، عضو المجلس الأعلى حاكم الفجيرة، مقاليد الحكم في 21 سبتمبر 1974 مسترشداً بنهج والده المؤسس الشيخ محمد بن حمد الشرقي، في بناء الدولة والمجتمع والسير بهما نحو أعلى المستويات الحضارية. وشهد عهده تحقيق منجزات متميزة في كل المجالات الاقتصادية والاجتماعية توجت بتطور كبير في المجتمع انعكس على الارتقاء بمستوى المعيشة ونوعية الحياة في ظل استتباب الأمن وتكريس الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي. وتغيرت ملامح الحياة بشكل جذري في الفجيرة خلال الـ 44 عاماً الماضية التي عاشتها في ظل اتحاد دولة الإمارات، وطالت التغيرات جميع مجالات الحياة الاجتماعية والعمرانية والاقتصادية والثقافية والصحية والتعليمية، وغيرها من مختلف مناحي الحياة الأخرى. ولم يمضِ وقت طويل منذ تولى صاحب السمو الشيخ حمد بن محمد الشرقي مقاليد الحكم في الفجيرة، حتى كانت القرارات الأولى التي اتخذها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان (رحمه الله)، مع جملة قرارات أخرى تخص بقية الإمارات وجميعها تصب في مصلحة الدولة الوليدة وتنمية البنية الأساسية بها، ومنها قرار إقامة ميناء الفجيرة البحري ثم مطار الفجيرة الجوي لدعم اقتصاد الإمارة وتوفير فرص العمل للمواطنين، كما أصدر قراره بتعبيد شارع الفجيرة – الذيد لربط الساحل الشرقي بالإمارات الأخرى.
وبمتابعة من صاحب السمو حاكم الفجيرة آنذاك أنجز ميناء الفجيرة في عام 1982، ويعد الآن المحطة الثانية في العالم لإعادة تحميل ناقلات النفط.
وخطت الفجيرة خلال السنوات الأخيرة خطوات متسارعة في مجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية. واليوم يدرك سمو الشيخ محمد بن حمد بن محمد الشرقي، ولي عهد الفجيرة، أن الفجيرة عبارة عن خليط رائع بين الأصالة التاريخية والحضارة المزدهرة، وهمه أن يجعل الفجيرة مدينة الأحلام ليعيش مع أبنائها الكرام حاضراً مشرقاً ومستقبلاً واعداً.
وام