تقع مدينة دبا الفجيرة على مسافة 70 كيلومتراً إلى الشمال من إمارة الفجيرة على شاطئ بحر العرب مباشرة، وتعد ثاني أكبر مدن الفجيرة قاطبة، حيث تبلغ مساحتها الإجمالية 600 كيلومتر مربع، فيما يصل عدد سكانها إلى 45 ألف نسمة تقريباً.
حظيت هذه المدينة بشهرة تجارية هائلة قديماً، نظراً لموقعها الجغرافي المتميز، كما شهدت والمناطق الجبلية المحيطة بها حروب الردة التي قادها سيدنا أبو بكر الصديق، رضي الله عنه، ضد المرتدين. ويمتاز أهالي دبا الفجيرة بكرمهم الشديد، وقوة اللحمة الاجتماعية التي تربطهم، كما اختيرت المدينة حديثاً عضواً في منظمة المدن العربية.
«الخليج» سلطت الضوء على هذه المدينة العريقة..
شكلت مدينة دبا الفجيرة مركزاً تجارياً مهماً في عصر الفينيقيين باعتبارها فاصلاً بين غرب وشرق آسيا وأوروبا، وشهدت المدينة خلال تلك الفترة ازدهاراً كبيراً في جميع مناحي الحياة، لكنه سرعان ما انتهى بانتهاء العصر الفينيقي، ثم دخلت بعد ذلك كجزء مهم من دولة اليعاربة، كما لعبت نقطة وصل مهمة بين بلاد فارس وجنوب شبه الجزيرة العربية.
وشهدت المدينة والمناطق المحيطة بها خلال الحقبة الإسلامية، المعارك التي قادها سيدنا أبو بكر الصديق، رضي الله عنه، ضد المرتدين وهي المعارك التي قادها المهلب بن أبي صفرة، وهو أحد أبناء منطقة المهلب، حيث هزمهم وأعادهم إلى الإسلام مرة أخرى، ثم اختاره سيدنا أبو بكر الصديق ليصبح والياً على البصرة وخراسان. كما يذكر التاريخ الإسلامي أن دبا الفجيرة خرج منها جيش شارك في معركة القادسية التاريخية.
إلى ذلك، ترك التاريخ الإسلامي بصماته في المدينة وتجسد ذلك في مقابر شهداء الإسلام الأوائل إبان حروب الردة في عهد سيدنا أبو بكر الصديق، رضي الله عنه، إضافة إلى المسجد الأثري الذي خلفه العصر العثماني إبان حكم العثمانيين للمنطقة قبل أكثر من 400 عام.
واكتسبت المدينة، نظراً لقربها الشديد من مضيق هرمز الاستراتيجي، أهمية جغرافية كبيرة، وتتميز دبا بانتشار العديد من الجبال الملونة على طول امتداد الساحل فضلاً عن انتشار المزارع بأنواعها وصنوفها المختلفة.
وينتشر في ربوع المدينة العديد من القلاع والحصون التراثية التي بناها الآباء والأجداد طوال عقود مضت، كما توجد فيها العشرات من القرى والفنادق والمنتجعات السياحية، بالإضافة إلى العديد من الأماكن الطبيعية الخلابة التي تؤثر الزائرين بسحرها، وتحظى بشغفهم واهتمامهم، ومن هذه الأماكن منطقة شلالات الوريعة أو وادي الغزير، كما كان يطلق عليه السابقون، الواقع على مسافة 10 كيلومترات تقريباً إلى الداخل من المناطق الجبلية، حيث يمتاز الوادي بقوة مياهه المتدفقة من باطن الأرض، وانسيابها في شلالات جبلية، ومن ثم استقرارها مرة أخرى في جوف الأرض، الأمر الذي يبعث في النفس الاستمتاع بالهدوء، وبهمس الشلالات وهي تناجي الطبيعة الساحرة للمكان.
وحرصاً من حكومة الفجيرة على المنطقة، أمر صاحب السمو الشيخ حمد بن محمد الشرقي عضو المجلس الأعلى حاكم الفجيرة، بتحويل منطقة شلالات الوريعة إلى محمية طبيعية، نظراً لما تضمه من حيوانات برية، وأعداد كبيرة من البرمائيات والحشرات المائية والنباتات البرية.
كما بذلت حكومة الفجيرة جهوداً كبيرة من أجل تزيين المدينة والمحافظة على جماليتها بما يتناسب مع مكانتها التاريخية، حيث أنجزت مشروعاً ضخماً لزراعة جميع الطرق والشوارع الموجودة فيها، بالإضافة إلى إنشاء العديد من الدوارات ورفدها بالكساءات الخضراء والورود والأزهار، ومن هذه الدوارات دوار الدولافين، والكرم، والفنار، والشلال، والصناعية الكبير، وضدنا الداخلي، ودوارا العقة الشمالي والجنوبي ودوار البدية الداخلي.
واهتمت الحكومة وبتوجيهات مباشرة من صاحب السمو حاكم الفجيرة، بتوفير المتنفسات الترويحية والترفيهية للأهالي، حيث خصصت الجهات المختصة 4 حدائق في ربوع المدينة، وهي حديقة رول دبا وتصل مساحتها الإجمالية إلى 2000 متر مربع، وتخدم أهالي منطقة رول دبا، وحديقة الميناء وتقع في منطقة العكامية، وتبلغ مساحتها 4 آلاف متر مربع، وحديقة السوق التجاري وتقع في قلب المدينة، وتصل مساحتها إلى 5 آلاف متر مربع، وأخيراً الحديقة العامة وهي من أكبر الحدائق في دبا الفجيرة والإمارة عموماً، حيث تصل مساحتها إلى 128 ألف متر مربع.
وينتشر في المدينة العديد من المؤسسات الخدمية، التي تعنى بتقديم الخدمات لجميع الأهالي عموماً والسيدات والفتيات والأطفال على وجه الخصوص، حيث يوجد مقر مستقل للبلدية، ومركز للشرطة، وآخر لتخليص معاملات الجنسية والإقامة، ومقر للبريد، ومركز للدفاع المدني، ومقران للجمعية الخيرية وجمعية بيت الخير، ومستشفى، ومكتبة، ومحكمة للفصل في القضايا.
وإيماناً من حكومة الفجيرة بأهمية الرياضة ودورها السامي في تهذيب النفوس وتحقيق لغة التواصل بين الشعوب، سارعت إلى إنشاء نادي دبا الفجيرة الرياضي، ليكون مركزاً لإعداد الموهوبين في المجالات الرياضية. وحفاظاً على الارتقاء بالمستويات الدينية والاجتماعية والثقافية لمجتمع المدينة والمناطق الأخرى التابعة لها بادرت الحكومة إلى إنشاء مركزي التنمية الأسرية والاجتماعية وذوي الإعاقة، كما سيتم خلال الفترة المقبلة إنشاء مركز للفتيات.
وعن التعليم، فإن المتتبع لمراحل تطور العملية التعليمية منذ السبعينات وحتى وقتنا هذا، سيجد أن هناك اختلافاً كبيراً في نوعية الخدمات التعليمية التي تقدم الآن عن مثيلاتها في السابق، حيث عنيت الحكومة بالقطاع التعليمي، وأولته جل اهتمامها، وتوسعت في إنشاء المدارس لجميع المراحل الدراسية، ورفدها بكل متطلبات ولوازم العلم الحديث.
ولم تدخر حكومة الفجيرة جهداً في توفير كل السبل اللازمة لمساعدة الصيادين على مزاولة مهنة الصيد، فأنشأت عدداً من الموانئ في البدية وضدنا والعكامية، إضافة إلى إنشاء مجلسين للصيادين أحدهما في العكامية والآخر في ضدنا، بمكرمة من سمو الشيخ محمد بن حمد الشرقي ولي عهد الفجيرة، لمناقشة جميع الأمور التي تستحوذ على اهتمامهم، وتوجد خطط لتطوير وتحديث هذه الموانئ، سيتم البدء في تنفيذها قريباً، بناءً على توجيهات صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله.
وتدعيماً للمسيرة الثقافية وللنهوض بالمستوى الفكري والثقافي في المدينة، أنشأت الحكومة جمعية دبا الفجيرة للثقافة والفنون والمسرح، إضافة إلى إنشاء فرع لهيئة الفجيرة للثقافة والإعلام، حيث تقام بشكل دوري فعاليات مهرجان المونودراما، التي تحظى بحضور كبار المسرحيين والممثلين من جميع أنحاء العالم.
«الخليج» التقت مجموعة من السكان للتحدث عن أوضاع الحياة قديماً في دبا الفجيرة. يقول المواطن محمد راشد الظنحاني: إن السكان في دبا الفجيرة ينقسمون إلى قسمين، الأول يطلق عليه راعي البحر، ومهنته تتمحور في الصيد والغوص للبحث عن اللؤلؤ، أما الثاني فيطلق عليه راعي البر ويختص فقط بأمور الزراعة والرعي وجمع الحطب والعسل من الكهوف الجبلية.
ويضيف الظنحاني: «أنا من سكان الجبال، وطبيعة معيشتنا تختلف تماماً عن سكان السواحل، حيث اعتمدنا وبشكل أساسي على تربية الحيوانات والزراعة، حيث كنا نزرع الطماطم واللوبيا، واللومي والهمبا والبصل والفندال والدخن، إضافة إلى جمع العسل من الكهوف الجبلية، خصوصاً عسل السدر، خلال موسم اليبياب».
وعن سبل العيش قديماً، ومخاوفهم، يقول المواطن سليمان الخديم: «كنا لا نخشى إطلاقاً من مسألة الرزق، فالخير وفير، ومن يملك يستحيل أن يبخل على أخيه بشيء، وأهم ما يميز الأهالي وقتها قوة اللحمة الاجتماعية التي تربطهم، وهذا للأسف، ما يفتقره جيل اليوم الذي أغلق على نفسه باب الوحدة، مقطعاً أواصر هذه الصلات التي دامت متماسكة لعقود طوال». يؤكد الخديم، أن قاموس بيئتهم الاجتماعية البسيطة لا يعترف بالاتكالية أو التدليل المفرط، ومنذ صباهم وهم يخرجون للرعي أو الفلاحة في المزارع والاعتناء بها أو إلى البحر، مضيفاً: «هكذا كانت وتيرة حياتنا وحياة الآباء والأجداد من قبلنا الذين تعلمنا منهم قيمة العمل وأهميته في إعلاء مكانة وشأن الفرد». ويضيف: «لم ننل حظاً وافراً من القراءة والكتابة، لكن في مقابل ذلك تجد الكثير منا يحفظون القرآن الكريم عن ظهر قلب».
الاحتفالات الدينية والأعياد والصوم، اختلفت قديماً عن اليوم الحاضر، وكان الأهالي يتحرّون الهلال من فوق قمم أحد الجبال. يقول المواطن محمد الزيودي عن تلك المظاهر: «كنا نصوم رمضان من دون كهرباء أو مكيفات، وكان الأهالي لا يتوقفون عن أداء أعمالهم اليومية، ويحسبون لشهر شعبان حتى يتحروا ظهور هلال رمضان، وكان الإفطار يقتصر فقط على الخبز واليقط والتمر والعيش، ولم تكن هناك إمساكية تعلن وقت الفطور، فالجميع يفطر عندما يحل الظلام، ويؤدون صلاة التراويح في مسجد القرية الصغير، وفي العيد يحددون مكاناً للصلاة بأحد الوعوب، وعقب انتهاء الصلاة يتبادل الجميع التهاني وتقام الولائم بين الأهالي».
ويحدثنا علي أحمد الصريدي عن طريقة عمل الدبس (عسل التمر) قديماً، فيقول: «الدبس يعد من أفضل الوجبات التي كان الجميع يفضلها آنذاك، وطريقة تحضيره كانت تُجرى بتجميع التمور الطازجة، وتجفيفها جيداً على المسطاع، ثم تعبئتها ونقلها إلى المخزن، حيث مكان المدبسة، وهي عبارة عن أفلاج صغيرة توضع بداخلها التمور وتترك لفترة معرضة لأشعة الشمس، حيث يسيل على أثرها عسل التمر إلى المجرة المتصلة بهذه الأفلاج، ومن ثم يتم تخزينه في أوانٍ فخارية لحين استعماله».
وعن حياة البحر، يحدثنا المواطن محمد الحساني، راعي بحر: «اعتمدنا في حياتنا الأولية على البحر لكسب لقمة العيش، وعشنا أوضاعاً صعبة للغاية من أجل تأمين قوت أسرنا اليومي، إذ كنا نخرج في رحلات الصيد والغوص لمدة شهرين أو ثلاثة أشهر، حاملين أغراضنا وأمتعتنا البسيطة على متن البوم، وتبدأ الرحلة داخل عرض البحر وصولاً إلى المنطقة المحددة للغوص، التي غالباً ما تكون بالقرب من مسقط في عمان أو الحديدة في اليمن أو في بلاد الصومال». ويشير الحساني إلى أن الأهالي قديماً كانوا يعتمدون في علاج المرضى على الوسم أو الحجامة، والأعشاب الطبيعية.
وخلال لقاءات مع الشباب يقول الشاب خالد جميع: إن المتأمل لأوضاع دبا الفجيرة قديماً سيجد أن هناك تحولات جوهرية طرأت على المدينة في بناها التحتية وأوضاعها الاقتصادية والتجارية والسياحية، ما كان له بالغ الأثر في ازدهار المدينة ورقيها واحتلاها مكانة مرموقة بين المدن.
ويشيد جميع، بالجهود الكبيرة التي يوليها صاحب السمو حاكم الفجيرة، للمدينة ومدى حرص سموه على توفير كل سبل العيش الكريم والهانئ لأهلها، من خلال تنفيذ المشروعات العمرانية والاقتصادية والتعليمية فيها.
ويؤكد أيمن الخديم، أن التغيرات الهائلة التي طرأت على مدينة دبا الفجيرة أوجدتها بقوة في مصاف المدن المتحضرة اقتصادياً وعمرانياً وسياحياً، وجعلت من المدينة واجهة مشرفة لإمارة الفجيرة في منطقة الساحل الشرقي. ويوافقه الشاب سلطان المرحوم، على أن الجهود العظيمة التي بذلتها حكومة الفجيرة من أجل الارتقاء بالمدينة تعد فخراً واعتزازاً لكل مواطن يعيش على أرضها.
ويرى سالم الزيودي، مدينة دبا الفجيرة واحدة من أفضل المدن في الساحل الشرقي عموماً، نظراً لما تحويه من فنادق ومنتجعات سياحية، ومناظر طبيعية روعة في الجمال، ومتنزهات وحدائق مخصصة للترفيه العائلي، فضلاً عن نظافة شوارعها وجمال تصاميم مبانيها.
الخليج