ضم بين جنباتها تاريخاً يعود إلى قبل الميلاد
أوحلة أرض المياه الكبريتية والطبيعة الجبلية
الفجيرة – بكر المحاسنة:
تتمتع إمارة الفجيرة بمزايا ومقومات جغرافية وتاريخية وطبيعية تجعل منه مزاراً سياحياً مهماً في جميع فصول العام وتلبي معظم الأهداف التي ينشدها السائح، حيث تتوافر فيها الأماكن والمواقع التاريخية و الأثرية والطبيعة الخلابة والجبال العالية والينابيع الطبيعية والصحارى والشواطئ .
منطقة أوحلة إحدى تلك المناطق التي تحتضن التاريخ العريق لأهل الفجيرة بشكل عام وأهالي المنطقة بشكل خاص نظراً لوجود قلعة تاريخية بنيت فوق بقايا مبنى دفاعي محصن يعود تاريخه إلى فترة “عصر الحديد” في الألف الأول قبل الميلاد، ولوجود عدد من الآثار التاريخية والأفلاج والآبار القديمة كما تحتضن المنطقة الجبال العالية من كافة الجهات التي تتخللها الوديان في مواسم هطول الأمطار مشكلة مناظر طبيعية خلابة، لذلك تحظى بإقبال كبير من السياح والزوار من داخل الإمارات وخارجها للتمتع بهذه المناظر التي تبقى خالدة في الذاكرة على مر العصور ولكي تذكر السياح والأجيال القادمة بماضي القبائل والأهالي الذين عاشوا على أرضها، كما عرفت منطقة أوحلة بالماضي بكثرة انتشار عيون المياه العذبة وعيون الماء الكبريتية وطبيعتها الجبلية الخلابة خاصة في مواسم الربيع .
تتميز منطقة أوحلة عن غيرها من المناطق بالهدوء الشديد وبمناطقها الساحرة وبوجود الآثار التاريخية المتمثلة بالقلعة وبقايا المنازل القديمة، كما تتميز بموقعها بين الجبال والوديان “الخليج” زارت المنطقة التابعة لإمارة الفجيرة، ورصدت التقرير التالي .
على بعد 43 كيلو متراً جنوب مدينة الفجيرة تقع أوحلة بالقرب من الحدود مع سلطنة عمان مروراً بمدينة كلباء التابعة لإمارة الشارقة وبعد الجولة بالمنطقة واكتشاف معالمها التاريخية والطبيعة الجبلية، توجهنا إلى بيت الوالد سالم محمد سريح السماحي أمير أوحلة الذي حدثنا عن المنطقة قديماً وكيف كانت الحياة فيها قائلاً: “معيشتنا في الماضي كانت صعبة وقاسية واعتمدنا فيها على مصادر رزق بسيطة ومحدودة حيث كنا نعمل على تربية الأغنام والأبقار وجمع الحطب وصنع السخام منه (أي الفحم)، إضافة إلى التجارة البسيطة لمحاصيل التمور والفحم ونباتات الغليون وأشياء أخرى، كنا نعتمد في حياتنا في الماضي على الزراعة بكافة أنواعها، وجمع العسل البري، وتجارة المحاصيل الزراعية لتوفير احتياجاتنا اليومية، وبيع ما يزيد منها أو مقايضتها مع التجار الإيرانيين، الذين كانوا يأتون بقواربهم إلى الساحل البحري لمنطقة كلباء المجاوره لقرية أوحلة كل موسم محملة باحتياجات الأسر، من دقيق وأرز وملح وزيت وقهوة وبعض الأقمشة وملابس النساء .
ويشير السماحي إلى أن منازل أهالي أوحلة قديماً لم تتعد 20 منزلاً تضم أهلها الذين لا يتجاوز عددهم 70 فرداً وكانت المنازل في الماضي نوعين الأول يسمى العريش، مصنوع من سعف النخيل وأغصان أشجار السدر والسمر، وكان هذا البيت يحتضن كل أفراد العائلة التي تبنيه في المزرعة، أو أعلى الجبال في فصل الصيف أي ما يسمى المقيض أما النوع الثاني من البيوت فهو بيت الطين، مبني من الطين والحجارة، وجريد وسعف النخيل، وبعض هذه البيوت يتضمن حفرة كبيرة في الداخل، على مساحة الغرفة، ويسكن فيها الأهالي في موسم الشتاء، أي ما يسمى المشتى وكانت هذه البيوت تقع في أسفل سفوح الجبال .
وظلت معيشتنا في الماضي على تلك المصادر وتلك المنازل حتى انتقلنا عام 1976 إلى العيش الكريم في مساكن شعبية جديدة شيدها لنا المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم رحمه الله، وفي تلك الفترة تغيرت الحياة على أرض أوحلة وانتقلنا الى منازل مريحة وكبيرة غلب عليها الطابع المعماري الحديث وتوفرت كل الخدمات، ومازالت الدولة تقدم المساكن الحديثة للأهالي حيث بنيت مؤخراً شعبية جديدة تضم العديد من المساكن الحديثة والمجهزة بكافة الخدمات من مكرمة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله .
عن تسمية منطقة أوحلة بهذا الاسم يقول السماحي: “سميت المنطقة بهذا الاسم نسبة لوجود المناطق الوحلية التي كانت تكثر فيها قديماً والتي تحدثها الأمطار بشكل كبير، ولهذا السبب سميت المنطقة باسم أوحلة” .
الوالد علي عبيد مكتوم الجابري يقول: “الحياة في أوحلة قديماً كانت قائمة على المحبة والتعاون بين جميع أهالي القرية، بينما في الوقت الحاضر تغيرت بعض العادات والتقاليد الاجتماعية، وكانت منازل الأهالي بسيطة لا تتعدى 20 بيتاً وكانت لهم عاداتهم وتقاليدهم التي مازال البعض منهم محافظاً عليها . وكان اهتمام الأهالي منصباً على الزراعة حيث كانت الحرفة الرئيسية كون المنطقة ذات أرض خصبة ومملوءة بالآبار والأودية التي توجد فيها المياه خلال معظم أيام السنة كما كان يكثر هطول الأمطار بالمنطقة .
وأضاف الجابري “نشأنا على حب العمل وضرورة السعي لكسب لقمة العيش الحلال واحترام الغير وإكرام الضيف والصبر على الشدائد، وهي مبادئ حرص الآباء على غرسها في نفوسنا لنشب رجالاً قادرين على تحمل المسؤولية ومواجهة ما يعترضنا من صعاب في حياتنا بعزيمة وإصرار ولا بد من الاستمرار على غرسها في نفوس الأجيال الجديدة جيلاً بعد جيل .
الوالد محمد سالم القايدي (65 عاماً) يقول: “قلعة أوحلة التاريخية المحاطة بمنازل الأهالي المبنية من الحجارة والطمي وسعف النخيل من أهم القلاع التي أنشئت منذ آلاف السنين للمراقبة والدفاع عن المنطقة والمناطق المجاورة، وللعديد من الأغراض وتعتبر رمزاً تاريخياً للمنطقة وسكانها وتعبر عن التاريخ العريق للمنطقة كما أن وجود القلعة جعل منها منطقة تاريخية وسياحية حيث تشهد سنوياً زيارة آلاف من السياح الأجانب والعرب من مختلف أنحاء العالم .
وأضاف أن برج القلعة يطل على كافة مزارع منطقة أوحلة وسهولها وجانب من جبال منطقة سلطنة عمان من الجهتين الجنوبية والشرقية، لذلك استخدمت أيضاً لحماية المناطق الزراعية التي شكلت في تلك الفترة عصباً اقتصادياً لجميع السكان .
ويشير الوالد حمد سالم حمد الجابري إلى أن المنطقة تشتهر إضافة إلى القلعة التاريخية بوجود عدد قليل من البيوت القديمة والآبار التي استخدمها السكان قديماً وهم من قبائل الصريدي والجابري والقايدي والسماحي والكعبي، وكلها من القبائل ذات الجذور العربية الأصيلة التي شكلت في مجملها مجتمعاً هادئاً يعيش على العادات والتقاليد العربية الأصيلة .
مؤكداً أنه على الرغم من تعدد القبائل الموجودة بمنطقة أوحلة إلا أن ما يميز أبناءها الترابط والتراحم، في كل الأوقات استمراراً لعادات الآباء والأجداد الذين عاشوا على أرض المنطقة لمئات السنين، ويتميز سكان أوحلة بأنهم يعيشون كأسرة واحدة تربطهم علاقات القربى والنسب والانتماء للأرض، كما يتميزون بالهدوء وصفاء النفوس ويحبون من يزورهم حتى إنهم يفضلونه على نفوسهم حسب العادات والتقاليد المتوارثة .
سالم عبيد الصريدي يقول: “أهم ما يميز منطقة أوحلة عن غيرها من المناطق الهدوء الشديد ومناطقها الساحرة وموقعها بين الجبال العالية، كما أنها تتميز بوجود التراث والتاريخ القديم مثل قلعة أوحلة التي يعود تاريخها إلى فترة العصر الحديدي، وبعض منازل الأهالي القديمة والآبار “الطوي” المائية القديمة .
وأضاف: “عاش الأهالي قديماً حياة قاسية وصعبة نظراً لعدم وجود مصادر رزق متعددة وسكنوا في منازل قديمة مبنية من المواد البسيطة غير القادرة على حمايتهم في مو اسم الأمطار وظلت حياة الأهالي في تعب وعناء حتى جاء الاتحاد على يد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله وإخوانه حكام الإمارات منذ تلك الفترة تغيرت الحياة في أرض أوحلة وتغيرت أوضاعنا المعيشية من الحياة الصعبة إلى السعادة والسعة، وانتقل جميع أهالي أوحلة من العيش في بيوت الطين والحجارة إلى بيوت شعبية حديثة مجهزة بالخدمات كافة .
القلعة معلم معماري وتاريخي
يقول سعيد السماحي مدير هيئة الفجيرة للسياحة والآثار: القلعة مبنية من الحجارة والطمي وسعف النخيل وتعتبر أحد فنون العمارة التقليدية لمجتمع الإمارات، ومن أكبر القلاع والحصون في العصر الحديدي وتتكون من مدخل وبرج وساحة داخلية كبيرة كما تحتوي على درج للصعود الى سطحها الخارجي، ومنه يمكن الوصول إلى البرج وتضم بئراً للمياه في الجهة الشمالية الغربية أما بالنسبة للبرج فيأخذ شكلاً دائرياً .
وأكد ترميم كافة محتويات القلعة وتعتبر من المعالم الأثرية الأقدم في الدولة إذ تشير التحاليل الكيميائية للكربون ،14 الذي جرى على القلعة القائمة حالياً أنها بنيت فوق بقايا مبنى دفاعي محصن كبير يعود تاريخه إلى فترة “عصر الحديد” في الألف الأول قبل الميلاد .
وأوضح السماحي أنه من خلال التنقيبات الأثرية في المنطقة القريبة من القلعة والتي تقع ضمن حدود السور القديم جرى اكتشاف عدة مواقع تضم قطعاً وأدوات أثرية تعود للعصر الحديدي وسيجت بالكامل من أجل القيام بعمل مسح شامل لها فيما بعد، وذكر أن بعض هذه الأدوات لا يوجد شبيه لها إلا في حضارة بلاد الرافدين، ما يشير إلى أن هذه المنطقة كان لها أهمية تجارية كبيرة إذ كانت محور ربط تجارياً بين حضارة الشرق في الهند وحضارة دلموك في البحرين وحضارة بلاد الرافدين وبعد تلك الفترة استخدمت القلعة لحماية المناطق الزراعية التي شكلت في تلك الفترة الزمنية عصباً اقتصادياً لجميع السكان كما استخدمت للدفاع وحراسة المنطقة .
وأضاف السماحي: “يمكن الدخول إلى القلعة عبر بوابة كبيرة عرض مدخلها متر واحد وارتفاعها 5 .2 متر ويلي المدخل ردهة مستطيلة الشكل بها سلالم تصعد بالزائر إلى طابقها الثاني ومنه إلى البرج وهو دائري كبير الحجم يبلغ ارتفاعه 11 متراً وقطره من الداخل نحو 9 أمتار حيث يتمركز الحراس والرماة، فيما يقع مقر القيادة في الطابق الثاني وبه شرفة وفتحات صغيرة لدخول الضوء والهواء، ويعطي الشكل المعماري للحصن انطباعاً بأنه يشبه أو مستوحى من جدران المدن الآشورية (نينوى، نمرود وآشور) في شمال العراق ما يؤكد علاقة المنطقة بحضارة العراق القديم ويستدل منها على مكانتها الاقتصادية في العصر الحديدي .
وكنظام تصاميم كل القلاع والحصون المنتشرة في الفجيرة توجد بقلعة أوحلة غرفتان في فنائها وملحق بها من الخارج مجلس مستطيل الشكل وجدرانه مزينة من الداخل بديكور فني .
وأوضح السماحي: “لا يعرف أحد من أهالي أوحلة من الذي بنى هذه القلعة بالتحديد ومتى ولكنهم يرجحون أن تكون بنيت في نفس الفترة والعهد الذي بنيت فيه قلعة الفجيرة أي قبل نحو 250 سنة وذلك لتشابه التصميم المعماري لكلا القلعتين وضخامتهما نسبياً مقارنة مع القلاع والحصون الأخرى في المنطقة” .