تعتبر منطقة الفرفار الجبلية من مناطق إمارة الفجيرة التي تتميز بمقومات سياحية عديدة نظراً لما تنفرد به من تنوع المواقع الأثرية كحصن الفرفار التاريخي، والبيوت والمساجد القديمة، والأفلاج والآبار القديمة والحارات التي تبرز اهتمام الإماراتي بتراثه وعاداته وتقاليده، من ناحية والأماكن السياحية والطبيعية الجميلة كالأودية والمسطحات الخضراء والمزارع والأفلاج من ناحية أخرى . تقع منطقة الفرفار على بعد 12 كيلو متراً شمال غربي مدينة الفجيرة بين الجبال العالية على الجهة الجنوبية لشارع الشيخ خليفة الجديد “دبي – الفجيرة” وأثناء الدخول إلى القرية تشاهد حصن الفرفار التاريخي في أعالي جبال الفرفار يتلألأ بتراث الأجداد والآباء مرحباً بزوار القرية لكي يروي لهم قصص الأجداد وأمجادهم، وتاريخ منطقة الفرفار بشكل خاص وإمارة الفجيرة بشكل عام، وبعد الوصول إلى المنطقة تجد الحارات القديمة والمزارع والبساتين والأودية التي تجتذبك لزيارتها وتتشوق لقضاء أيام وليال للاستمتاع بمناخها الساحر وسط أحضان الجبال العالية .
الخليج زارت منطقة الفرفار التي تمتاز بعراقة أرضها وأصاله أهلها، والتقت عدداً منهم:
توجهنا الى بيت سلطان محمد سيف الكندي (أبو مايد) المعروف بالكرم والشجاعة وتمسكه بعادات وتقاليد الأجداد والآباء وانتمائه ومحبته للوطن وللقيادة الحكيمة، ومن الأشخاص المحافظين على هوية الأرض ويقول الكندي: “عرفت منطقة الفرفار منذ القدم بخصوبة أرضها وبالزراعة وبالطبيعة الخلابة وكثرة انتشار الأفلاج والأودية التي تتجمع فيها المياه على مدار أيام السنة إضافة الى ذلك فهي تعد منطقة سياحية وتاريخية، تتميز بوجود العديد من الأماكن الطبيعية التي تتجمع فيها الهدوء والسكينة وتستقبل الزوار والسياح في مواسم الربيع وهطول الامطار كما تتميز بوجود حصن الفرفار التاريخي الذي سمي بهذا الاسم نسبة للمنطقة التي عرفت منذ القدم بأرض الأفلاج حيث كانت تزخر قديماً بالأفلاج والعيون المائية وتتميز أيضاً بوجود عدد كبير من بقايا المنازل والمساجد القديمة التي عاش فيها أهالي المنطقة الذين هم من قبائل الكندي واليليلي والمزروعي .
وعن الحصن يقول الكندي: “حصن الفرفار الذي أمر مؤخراً صاحب السمو الشيخ حمد بن محمد الشرقي عضو المجلس الأعلى حاكم الفجيرة بإعادة ترميمه وتأهيله ليكون مزاراً للسياح والزوار من مختلف أنحاء العالم لأنه يمثل تاريخ المنطقة وأهلها، ومبني من الطين المطعم بالحصى الجبلي والحجارة الصخرية السوداء، وبطريقة هندسية ويحتوي على ساحة خارجية وطوي ماء في الجهة الخلفية للحصن كما يحتوي من الداخل على غرفة ومخزن للحبوب والمحاصيل الزراعية، وسجن ودرج داخلي للسطح لكشف المناطق المجاورة كما توجد في سطح الحصن منافذ للمدافع مبنية من الحجارة” .
وأشار الكندي إلى أن الحصن يطل على منطقة الفرفار وسهولها ومزارعها وجانب من جبال منطقة وادي سهم من الجهة الجنوبية والجبال المحيطة بالمنطقة، لذلك استخدمه الأهالي لحماية المناطق الزراعية التي شكلت في تلك الفترة عصباً اقتصادياً لجميع السكان خاصة مزارع التمور ونبات الغليون، كما استخدم في الماضي للدفاع وحراسة منطقة الفرفار والمناطق المجاورة لها حيث كانت المنطقة تتعرض لهجمات عديدة من قبل اللصوص وقطاع الطرق للسطو على الماشية وما تنتجه المزارع من محاصيل .
ويضيف الكندي إن الحياة القديمة في منطقة الفرفار كانت صعبة وقاسية نظراً لطبيعة المنطقة الجبلية القاسية ولعدم وجود مصادر رزق متعددة حيث كان مصدر رزق الأهالي الزراعة بأنواعها وخاصة التمور ونبات الغليون وبيعه إضافة إلى رعي وتربية الماشية وجمع الحطب والعسل البري، وكان سكن الأهالي منازل بدائية تقليدية صغيرة مبنية من المواد المحلية الطين والحجارة وسعف وجريدة النخيل من دون أي خدمات، ولكن بعد قيام الاتحاد تغيرت الحال في الفرفار من كافة الجوانب، حيث قام الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله ببناء المساكن الشعبية الحديثة، وتعبدت الطرق ووصلت كافة الخدمات للمنطقة، مضيفاً إن منطقة الفرفار تحظى باهتمام خاص من صاحب السمو الشيخ حمد بن محمد الشرقي وولي عهده سمو الشيخ محمد بن حمد الشرقي بتوجيهاتهما وزياراتهما المستمرة للمنطقة تحولت الفرفار من منطقة نائية إلى متحضرة ومتطورة تتوافر فيها كافة الخدمات حيث بدعمهما السخي انتشرت الفلل الحديثة، وتعبدت الطرق الداخلية والخارجية ووصلت خدمات الكهرباء والمياه والاتصالات والإنترنت لكل منازل الأهالي وانتشرت المدارس لكافة الفئات العمرية وأصبحت الحياة أكثر راحة وسعادة وأصبح المواطن يعيش في أفضل مما كان عليه في الماضي بفضل توجيهات الحكومة الرشيدة” .
سعيد محمد بن سيف الكندي (أبو راشد) يقول: “كانت المنازل بمنطقة الفرفار القديمة في ذلك الوقت لا تتعدى 15 منزلاً منها الصيفية والشتوية المبنية من الأحجار والطمي، وكانت أسطح المنازل الشتوية مبنية من خوص النخيل وأغصان أشجار السمر والسدر، وكان الأهالي يقومون بصنعها بطريقة لا تسمح بتسرب مياه الأمطار إلى داخلها وما زالت هناك بقايا تلك المنازل حتى وقتنا الحاضر بجانب الحصن، وعملت حكومة الفجيرة على إعادة ترميمها، أما المنازل الصيفية التي تسمى “العريش” فكان الأهالي يقومون ببنائها في أيام مواسم الصيف “القيض” من خوص النخيل وبعض أغصان أشجار السمر والسدر متقن الصنع، كما كان عدد من الأهالي يعيشون في الخيام التي كانت تقام على حفرة بمساحة الخيمة محاطة بالحجارة المرصوفة بشكل دقيق على جوانبها” .
وأضاف: أهالي الفرفار عرفوا منذ القدم بتربية المواشي والبوش والقيام بكافة أعمال الزراعة حيث كانوا يزرعون الغليون وجميع أنواع الحبوب مثل الشعير والذرة والبر وغير ذلك من الزراعات الأخرى، ولا يزالون يهتمون بالزراعة وتنتشر مزارع النخيل وأشجار الحمضيات والهامبا بين جبال القرية وعلى امتداد الوديان التي تمر بأراضي المنطقة بشكل كبير ويعود ذلك لخصوبة أرض الفرفار وتوافر الأفلاج والعيون المائية فيها منذ القدم، حيث اشتهرت المنطقة منذ القدم بكثرة الأودية والأفلاج الكبيرة حيث يوجد فلج يسمى وادي الفرفار ويقع بجانب المنازل القديمة الذي له عينان، أما الثاني يسمى بفلج الفرع ويعتبر من أكبر وأطول الأفلاج في المنطقة والمناطق المجاورة لها” .
وعن التعليم في الماضي بمنطقة الفرفار يقول: “التعليم في الماضي كان بسيطاً يقوم على يد المطوع الذي يعلم الناس، ويصلي بهم في مسجد القرية القديم حيث كان يتجمع أبناء المنطقة في المسجد أو تحت شجرة كبيرة ويعلمهم القرآن والسنة النبوية والقراءة والكتابة بالإضافة إلى الحساب كما كان يعلمهم كيفية أداء الصلاة والضوء وكان التعليم مقابل إعطاء المطوع بعض التمور أو شيئاً بسيطاً من المحاصيل الزراعية أو منتجات الحيوانات وكان يحظى باحترام الكبير والصغير من أهالي المنطقة، ويحظى بمكانة كبيرة وعالية بينهم، ولكن بعد قيام الاتحاد انتشرت المدارس النظامية في مدينة الفجيرة وكان أبناء وبنات القرية يذهبون إلى تلك المدارس بواسطة الجمال والخيول وكان عددهم بسيطاً لا يتجاوز الثلاثة عشر طالباً وطالبة، ولكن في وقتنا الحاضر توفرت في المنطقة مدارس للطلبة والطالبات لكافة المراحل الدراسية” .
الوالد عبيد سيف والي الكندي يقول: “كانت الزراعة في الفرفار قديماً من المهن الرئيسية التي تجني عائداً كبيراً يكفي الأهالي طوال العام، ومن أهم المحاصيل كانت التمور بكل أشكالها وأنواعها إضافة إلى نبات الغليون الذي كان يعتبر من أهم المحاصيل الزراعية التي تدر عائداً كبيراً على الأهالي حيث يأتي التجار البحرينون لشرائه مقابل روبيات معينة وإعطاء عربون للأهالي لحجز الموسم المقبل من النبات أو بمقايضته ببعض احتياجات الأهالي من عيش وطحين وبن وسكر وغيرها، ومن هؤلاء التجار البحرينيين أذكر أحمد بن يوسف ومحمد بن عبدالله بن هاشم، كما كانت الأمطار في تلك الفترة تتساقط علينا بغزارة شديدة لدرجة أن السهول والوديان كانت طول مواسم الشتاء مملوءة بالمياه، كما كانت الأفلاج لا تنقطع منها المياه” .
ويتحدث عن وسائل العلاج قديماً قائلاً: “هناك العديد من أساليب العلاج للأمراض التي كانت تصيب الأهالي في تلك الفترة، كانت متبعة بين أهالي الفرفار والعديد من المناطق المجاورة منها الوسم والحجامة والخلطات العشبية الشعبية في علاج تلك الأمراض حيث تميزت المنطقة بوفرة النباتات والأعشاب الطبية التي تكثر على سفوح الجبال في موسم هطول الأمطار ومواسم الربيع ومن أبرز هذه الأعشاب الجعدة والحرمل والكرمل، ولحلول والشريشي، والزعتر البري، والحميض وغيرها من الأعشاب البرية، التي استخدمها الأهالي للتداوي من العديد من الأمراض منها الصرع والصداع والأمراض الجلدية والجروح وأمراض الأمعاء والكبد” .
راشد خلفان معضد يقول: “حافظت قرية الفرفار على عاداتها وتقاليدها، ومن العادات التي يمارسها الأهالي في الأعياد إقامة العزائم والتجمعات على مدى ثلاثة أيام متتالية، أول أيام العيد يجتمع الناس في منزل المغفور له أمير منطقة الفرفار محمد سيف الكندي رحمه الله بعد صلاة العيد لتناول الإفطار الجماعي، ومن ثم الغداء بعد صلاة الظهر، وفي اليومين الثاني والثالث يكون التجمع في بيت أحد الأهالي والكل في هذه الأيام يتبادل التهاني بالعيد ويطمئن على الآخر، كما يتميز العيد في المنطقة في الماضي والحاضر بتبادل الأطباق من المأكولات الشعبية الإماراتية منها الثريد والهريس والبلاليط واللقيمات .
ويضيف: إن أهالي منطقة الفرفار ما زالوا متمسكين بالعادات والتقاليد العربية الأصيلة على الرغم من مظاهر التطور والتحضر حيث تقام الأعراس على عادات وتقاليد الأهالي القديمة، وتعد الأكلات الإماراتية وتقدم للأهالي كما يتجمع الأهالي مع بعضهم ويؤدون الفنون الشعبية المعروفة، وبفضل الله لا يزال أهالي المنطقة متماسكين ومتحابين ومتعاونين مع بعضهم بعضاً والكل يقدم يد العون والمساعدة لمن يحتاج” .
الوالد سالم بن عبد الله يقول: “كانت الحياة في الماضي بسيطة وسهلة وقائمة على البركة، رغم الظروف القاسية والصعبة التي كانت تواجه الأهالي، إلا أنها كانت أياماً جميلة، ولا تنسى، وكانت الحياة تتميز في ذاك الوقت بقوة العلاقات والروابط الاجتماعية القائمة على مبدأ المساعدة والتعاون والمحبة بين الأهالي، ولكن على الآباء في الوقت الحالي الاهتمام بتلك العادات وغرسها في نفوس أبنائهم من الجيل الجديد .
ويؤكد أن الفرفار في السابق كانت مأهولة فمساكن الأجداد والآباء باقية كشاهد على وجودهم، ومازال الأهالي يحافظون على تلك الآثار كما تحولت بعض مزارع الفرفار إلى استراحة للعائلات التي تتوارث المساكن الأثرية وتتخذها ملاذاً من تعب المدن وهموم العمل والمسؤوليات .
ويشير جمعة عبيد سلمون إلى أن منطقة الفرفار تعد من أجمل المناطق خاصة في الشتاء حيث الهواء بارداً ونقياً ويأتي إليها المزارعون ليزرعوا المحاصيل المتنوعة .
ويؤكد أن منطقة الفرفار جمعت التاريخ العريق والطبيعة الجبلية الخلابة في لوحة واحدة حيث إن الزائر يشعر بالحيوية وراحة النفس وصفاء الجو وبعبق التاريخ العريق للمنطقة .