أصداء الاعتداء وسوء المعاملة اللذين تعرض لهما ذلك المسن في دبا الفجيرة على يد خادم أوتمن عليه، لا زالت تتفاعل في مجتمع شب أفراده على التواد والتراحم و العطف والرحمة بالصغير والكبير وبر الوالدين، لأن الأمر من القيم السامية التي يحث عليها ديننا الحنيف ونزل بها القرآن المجيد، وشدد عليها نبينا الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام.
ورغم التطورات المتسارعة في مجتمع الإمارات، التي جلبت الكثير من المتغيرات، إلا أن تلك القيم الجميلة والسامية جذوتها قائمة، لأنها جزء من مكون نعتز بالتمسك بأدابه، والدليل هذا التفاعل الكبير والاستنكار الواسع للفعلة الشنيعة لذلك الخادم الذي جيء به لخدمة المسن.
ومن ردود الفعل إلى الواقع الذي كشف عن مجموعة ثغرات، وأعتقد أن في مقدمتها دور وزارة الشؤون الاجتماعية، قبل أن نتحدث عن دور الأسر والأفراد، ففي تلك المنطقة بأسرها لا توجد دار أو استراحة للشواب، ولا نقول مركز إيواء لهذه الفئة العمرية، فذلك بعيد عن الثقافة المحلية وعادات وتقاليد المجتمع. وإنما المطلوب استراحة يجتمع فيها الشواب يستعيدون ذكريات الشباب والماضي، وهم الذين قدموا شبابهم وطاقاتهم في مرحلة من مراحل تاريخ الإمارات، وفي ذلك نوع من الترفيه والترويح لهم، ليعودوا بعدها إلى منازلهم. بدلا من البقاء وحيدين فيها. ومساعدتهم على القيام بنشاط جسماني مهما كان بسيطاً. ونلاحظ في المجتمعات الغربية الأولوية التي يحظى بها الجانب الترفيهي والترويحي في دور وبرامج رعاية المسنين، وقيامهم بأنشطة متنوعة تبدد الشعور المؤلم بالعجز والوحدة.
كما أعادت الواقعة تذكيرنا بغياب التشريعات الخاصة بحماية المسنين، والتي أعلنت وزيرة الشؤون الاجتماعية معالي مريم الرومي بأنها قيد الإعداد لحماية هذه الفئة وضمان تمتعها بكافة حقوقها علينا، وإعلاء قيم الاحترام والتوقير والكرامة لهم. وذلك في إطار جهود الدولة لحماية الشرائح والفئات الضعيفة في المجتمع كالمسنين والأطفال والنساء والمرضى والمعاقين، وحرصها على التصدي بقوة وحزم لآية تجاوزات بحقها سواء بالمعاملة القاسية أو الاعتداء اللفظي أو الجسدي. وهي مسائل لم تعد تحتمل كل هذا الانتظار، فالواقع يتطلب تسريع استصدارها ومن ثم العمل فيها لمواجهة أولئك الذين تجردوا من إنسانيتهم ليمارسوا القهر والعدوان على أشخاص ضعفاء وضعتهم الظروف تحت رحمة أمثال هؤلاء. ونأمل ألا نتذكر بأن هناك تشريعات مقترحة لا زالت حبيسة الأدراج والدهاليز سوى عند وقوع واقعة مؤلمة كهذه، تبقى مراراتها في الوجدان.
والواقعة تعيد تذكير الأبناء بواجباتهم ومسؤولياتهم بعدم ترك الحبل على الغارب للخدم فيما يتعلق برعاية المسن في البيت بل متابعة ورعاية شؤونهم بشكل شخصي ويومي. ولولا يقظة أسرة “شايب دبا الفجيرة” وتركيبها الكاميرات لما انكشفت هذه الجريمة الوحشية، وسقط القناع عن الجانب الإجرامي في سلوك المكلف برعاية المسن.
كما أن من أهم الواجبات والمسؤوليات التدقيق الكامل عند أختيار أي من الأفراد الذين نمنحهم الثقة ونوكل لهم رعاية أغلى الناس لدينا، وضرورة اختيار أشخاص أكفاء لديهم الخبرة في هذا الميدان الإنساني قبل أي شيء آخر. ويبقى المسن أو المسنة نور وبركة كل بيت حفظهم الله ومتعهم بالصحة والعافية.
علي العمودي