على بعد 75 كيلومتراً في الشمال الغربي من الفجيرة وعلى الطريق المار بمنطقة ثوبان باتجاه الطويين والرويضة تتربع قرية الصرم، تقبع بين الجبال المختلفة الألوان وفي وسط مساحات واسعة من الأراضي السهلية المنبسطة، ويسكن هذه القرية التي تعد من أقدم المناطق الزراعية في الفجيرة قبائل اليماحة والصريدات والحموديين نسبة إلى اليماحي والصريدي والحمودي ذات الجذور العربية الأصيلة وبسبب التزاوج بين هذه القبائل وغيرها زاد عدد القبائل في قرية الصرم وتتميز هذه القرية بوجود بقايا البيوت القديمة المحاطة بسلسلة من الجبال العالية ذات الألوان المختلفة التي عاش فيها أهالي القرية قديماً لمئات السنين كما تعرف بطقسها الجاف طيلة أيام السنة بسبب ارتفاعها عن سطح البحر حيث تتميز بالبرودة النسبية في موسم هطل الأمطار وهذا ما جعلها من أقدم المناطق الزراعية في الفجيرة حيث يعود تاريخ منطقة طوي الصرم القديمة إلى 200 سنة تقريباً كما توجد في المنطقة العديد من المزارع التي تتنج أصناف التمور والفواكه والخضراوات إضافة إلى محاصيل الحبوب من الشعير والذرة والأعلاف .
وتتميز قرية الصرم بموقعها الساحر الذي شكل العامل المهم الذي أضفى على منطقة الصرم رونقها الخاص حيث تقع ما بين الجبال الشاهقة وتحيط بها الوديان مثل الصرم والرفض والعاطف وتتجمع فيها المياه التي تنحدر من أعلى الجبال في موسم هطل الأمطار مما يشكل مشهداً طبيعياً رائعاً ساعد أهالي قرية الصرم على احتراف الزراعة وتربية الحيوانات بأنواعها لتوفر الظروف المناخية المناسبة .
واعتمد أهالي منطقة الصرم في معيشتهم قديماً وبشكل أساسي على زراعة الخضراوات والفواكه وأشجار النخيل بأنواعها وبعض الحبوب إضافة إلى تربية المواشي وجمع محاصيل العسل البري من الكهوف الجبلية إضافة إلى جمع الحطب من الوعوب وكذلك الفحم لتأمين لقمة العيش الكريم لهم .
بدأت جولتنا في المنطقة حيث استقبلنا أهالي قرية الصرم الكبار والصغار بالكرم المعروف عن أهلها والمتوارث بين الأجيال حتى يومنا هذا .
راشد علي راشد الصريدي يبلغ من العمر 60 عاماً يقول: “كانت معيشتنا في الماضي بسيطة وقاسية واعتمدنا فيها بصورة أساسية على زراعة اشجار النخيل وبعض الخضراوات والفواكه إضافة إلى تربية الإبل ورعي الأغنام والأبقار وجمع الحطب، الذي كان يباع في أسواق رأس الخيمة والفجيرة وكان عدد بيوت الصرم قديماً لا يتجاوز 15 بيتاً منها الشتوي المبني من الأحجار والطين المحروق المطعم بالحصى وسعف النخيل ومنها الصيفي وهو ما يعرف باسم العريش المبني من سعف وجريد النخيل التي كان الأهالي يحرصون على إقامتها في فصل الصيف على رؤوس الجبال المحيطة بالقرية .
وكان عدد أهالي القرية في الماضي لا يتجاوز 20 فرداً تربطهم علاقات الجيرة والنسب، يتعاونون فيما بينهم في السراء والضراء أما في وقتنا الحاضر فتضم قرية الصرم حوالي 50 بيتاً يسكنها 40 عائلة جميعها من قبائل اليماحة والصريدات والحموديين الذين تربطهم صلات القرابة والنسب .
ويشير الصريدي إلى صعوبة المعيشة في الماضي بسبب الظروف الاجتماعية القاسية حتى عام 1971 عندما قام اتحاد الإمارات بفضل الله عز وجل، ومبادرات الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، تغيرت أنماط حياة أهالي القرية جميعاً وتحولت المساكن من بيوت الطين والحجارة إلى منازل غلب عليها الطابع المعماري الحديث بنيت من الطوب والأسمنت وبعد ذلك زادت عدد المساكن الشعبية الحديثة بالقرية بشكل كبير .
وعن سبب تسمية الصرم بهذا الاسم يقول الحاج سعيد سلطان حسن الصريدي (75 عاماً) لا نعرف السبب الحقيقي وراء تسمية المنطقة بهذا الاسم ومنذ أن أدركنا الحياة والاسم متعارف لدينا إلا أن بعض الآباء والأجداد الأولين كانوا يقولون إنه يعود لوجود نخلة صغيرة كانت تنبت في القرية والصرمة هي النخلة الصغيرة وجمعها صرم وظل هذا الأسم متعارف لدى الجميع من الأهالي حتى يومنا هذا .
ويشير سعيد إلى أن المعيشة في الماضي كانت بسيطة حيث اعتمد الأهالي على تربية الأغنام والأبقار والإبل إضافة إلى زراعة أشجار النخيل بأنواعه المختلفة ومحاصيل القمح والشعير والذرة في الوعوب الجبلية كما اعتمدوا على جمع عسل النحل البري من الكهوف الجبلية، ومن على أشجار النخيل المنتشرة في المنطقة وكذلك على التجارة من خلال بيع محاصيل التمور والعسل البري وبيع الفحم .
وأضاف سعيد أن قرية الصرم تعرف منذ القدم بسلسلة من الجبال الطبيعية من أهمها وأكثرها ارتفاعاً العاطف والخضرة والبهم وواسط والخشة وكلها ذات ألوان طبيعية مختلفة عن بعضها ويضفي ذلك عليها سحراً وجمالاً ووقت هطل الأمطار تجري الوديان وتمتلئ من جراء جريان المياه من رؤوس هذه الجبال مما يثري الوديان طوال أيام الشتاء مما يشجع الأهالي على استخدامها في اعمال الزراعة وتربية الحيوانات .
ويضيف سعيد أنه بالإضافة لاشتهار المنطقة بسلسلة من الجبال فإنها تتميز بعدد من الأودية التي تمر بها وتضفي لمسات جمالية طبيعية على المنطقة في موسم هطل الأمطار ومن أهم تلك الوديان التي تمر بالمنطقة وادي الصرم وهو أكبر الأودية بالمنطقة إضافة إلى المريبي والمقصار والمصلى وطوي صرم القديمة وخضرا الشمالية وكلها أودية ذات لمسات طبيعية أسهمت في انتشار الزراعة في القرية .
الحاج سلطان علي الصريدي (75 عاماً) يقول: كانت معيشة سكان قرية الصرم تعرف بالنشاط فالكل يهتم بالعمل والسعي لتحصيل قوته بجمع عسل النحل البري أو الحطب أو تجميع المحاصيل الزراعية أو رعي الأغنام والأبقار، وكان الأهالي يبدأون اعمالهم بعد صلاة الفجر حيث يتجه صاحب المزرعة لمزرعته وراعي الأغنام والأبقار لرعيهم وبعضهم كان يتجه للبحث عن عسل النحل البري في كهوف الجبال ومن على أشجار النخيل والسدر التي كانت تكثر في المنطقة كما كانت النساء يقمن برعي الأغنام وحلبها إضافة إلى أن بعضهن كن يقمن بغسل الملابس على آبار المياه التي تجري في الوديان .
ويؤكد سلطان أن أهالي قرية الصرم كان لهم معيشتهم الخاصة التي يعتز بها وبعاداتها وتقاليدها لذلك كان يحتفل بيوم المكسار أي الزفاف يوم الخميس حيث يتجمع الناس بالقرب من بيت العروس أو أمامه تقام الرقصات الشعبية وخصوصاً رقصة (العيالة) وهي خاصة باحتفال المكسار وتستمر من وقت الغروب حتى منتصف الليل وكانت تكاليف المكسار على العريس، وفي هذا الحفل أيضاً تضع العروس الحناء على يديها ورجليها يوم الأربعاء ثم تقوم بارتداء الكندورة والبرقع والشيلة وبعدها يتم الزفاف .
وبعد ذلك يفرش الحصير في فناء بيت العروس لكي تجتمع النساء لتناول الطعام المكون من الأرز واللحم والهريس وغيرها من الأطعمة الشعبية المتداولة في الأعراس، كما يتم بعد ذلك توزيع الأطعمة على الجيران الذين لم يحضروا المكسار في جو من الأهازيج والرقصات الشعبية وبعدها يتم عرض (الزهبة) أي جهاز العروس المكون من الصناديق النحاسية الملونة ومن ثم تقوم أم العروس وأم المعرس بعرضها على الحضور من النساء وكانت تحتوي على العطور والدخون والعود وعلى الذهب إضافة إلى أنواع متعددة من الأقمشة والشيل والعبايات وكانت كل أغراض الذهبة تفوح منها رائحة العود والعطور كما كان يتم عرضها في بيت المعرس (العريس) وسط أجواء مملوءة بالفرح لدى أهل العروس وأهل العريس من النساء .
ويضيف سلطان “البعض من أهالي قرية الصرم لا يزالون حريصين على الالتزام بهذه العادات والتقاليد التي ورثناها عن الآباء والأجداد في الماضي والعمل على محاولة غرسها في نفوس أبنائنا جيل بعد جيل ليتمكن الكل من العيش في حياة كريمة قائمة على التعاون والمحبة بين جميع أبناء أهالي القرية” .
أما سلطان سعيد اليماحي (45 عاماً) فيقول: إن الحياة في الماضي كانت صعبة لعدم وجود أي نوع من الخدمات التي تتوفر الآن، حيث لم تكن هناك سيارات أو مياه أو كهرباء أو حتى منازل سكنية تحمي الأهالي من الأخطار مثل الأمطار الشديدة أو العواصف أو أشعة الشمس الحارة، إضافة إلى عدم وجود سيولة مادية للأهالي لتساعدهم على العيش في مثل هذه الظروف القاسية، ولكن اختلف الوضع بعد قيام الاتحاد حيث امتدت الخدمات بأنواعها لتشمل كل أنحاء المنطقة .
ويتحدث اليماحي عن الزراعة بقرية الصرم فيقول: “تعتبر قرية الصرم في الماضي وحتى وقتنا الحاضر جنة خضراء بمزارعها المملوءة بأشجار النخيل والمانغو والليمون وشجر السدر المعروف عند أهل المنطقة لذلك كان هناك إقبال كبير من الأهالي على الزراعة خصوصاً أشجار النخيل بأنواعها المختلفة علاوة على أصناف مختلفة من الخضراوات والفواكه مثل النبق وأشجار الموز والمانغو والليمون وبعض الحبوب مثل الذرة، والشعي .
وعرف عن أهل القرية التعاون والتآزر بين جميع الأهالي حيث كان يحشد جميع أفراد العائلة طاقاتهم لمساعدة أحد أفراد قرية الصرم في كل المراحل التي تتم فيها الزراعة بمختلف المحاصيل وهذا يرسم صورة حقيقية لتكافل جميع الأهالي .
ويضيف اليماحي: “تميزت جميع المحاصيل الزراعية في الماضي بقوة أشجارها وبمذاق ثمارها الطبيعي الذي لم يعد موجوداً في هذه الأيام لكثرة المبيدات والأسمدة واختلاف الأساليب والعادات الزراعية .
عبدالله سالم الحمودي يقول: “نعيش في وقتنا الحاضر أحسن الأوضاع ويرجع ذلك إلى الاهتمام الكبير الذي توليه قيادة الدولة بجميع سكان الإمارات ويتضح الاختلاف الكبير في قرية الصرم في الماضي، وليس فقط على المساكن والطرق بل تطورت القرية في مختلف الجوانب فوصلت الكهرباء والمياه وخدمات الإنترنت لها” .
علي بن راشد اليماحي يقول: “قرية صرم تعتبر أرض السهل والجبل معاً حيث تتميز بمساحات واسعة من الأراضي الزراعية السهلية المنبسطة والمحاطة بجبال ذات ألوان طبيعية مختلفة وتتميز قرية الصرم بطقسها الجاف طيلة أيام السنة بسبب ارتفاعها عن سطح البحر ولذلك يتسم جودها بالبرودة النسبية في أيام الشتاء ما جعلها منطقة طبيعية خلابة ذات مميزات مختلفة عن المناطق الجبلية المتعددة في الفجيرة” .
مطر سعيد الصريدي يقول: “تقع قرية الصرم على مجرى وادي الصرم، وكان يشكل عند جريانه مشكلة لسكان القرية عندما تتجمع فيه مياه جميع الأودية التي تعبر جانب ووسط القرية وكان الأهالي يجدون صعوبة في التحرك أثناء انحدار المياه من الوادي ولكن قبل سنوات تغير الحال بعد إقامة السدود لتجميع المياه فيها في موسم هطل الأمطار كما تم ربط قرية الصرم بجميع المناطق بطريق معبد ضمن مواصفات دولية لربطها بالفجيرة، وغيرها من القرى المجاورة كما تم تعبيد الطرق الداخلية للقرية لتمكين المواطن الإماراتي من العيش في ظروف حياتية سعيدة” . –
تحقيق: بكر المحاسنة